قاطرة التوريق

لاحم الناصر

TT

مع إقرار مجلس الشورى نظام الرهن العقاري في المملكة العربية السعودية، الذي يتوقع ان يتم العمل به قريبا، اتجه الكثير من رجال الأعمال والمصارف لإنشاء شركات متخصصة في التمويل العقاري، التي تسعى للاستفادة من الطفرة في مجال التمويل العقاري بعد إقرار هذا النظام. ويتوقع ان يتضاعف حجم التمويل العقاري في المملكة، إذ نظرا إلى ان طبيعة التمويل العقاري تمويل طويل الأجل، حيث تتراوح فترة التمويل ما بين خمس عشرة إلى خمس وعشرين سنة، فمن المتوقع ان يولد هذا النشاط التمويلي نشاطا آخر هو نشاط التوريق، حيث سيسعى الكثير من هذه الشركات إلى إنشاء شركات مهمتها تحويل هذه الأصول غير السائلة إلى أصول سائلة Marketable Securities عبر توريقها، أي تحويلها إلى صكوك قابلة للتداول، يتم بيعها على المستثمرين سواء كانوا أفرادا من أصحاب الثروات أو مؤسسات مالية كشركات الاستثمار وشركات التأمين والصناديق الحكومية والاستثمارية، بغرض توليد نقد جديد تستطيع به الاستمرار في عملية التمويل، كما ان التوريق يساهم في تخفيض الذمم المدينة لديها بحيث تتوائم مع معيار كفاية رأس المال، التي هي احد متطلبات بازل اثنين، وليس هذا المقال لشرح هذه العملية، حيث تطرقت لها في مقال لي بعنوان «التوريق» يمكن الرجوع له لمن أراد الاستزادة في فهم التوريق، ولكن حديثي اليوم سيكون منصبا على مخاطر هذه الصناعة على اقتصادنا، في ظل عدم وجود قوانين تنظمها ومعايير ترشدها ومؤسسات مالية مؤهلة.

ان الخطر ليس حديث مجالس أو خيالات ، بل واقع تشهد عليه الازمة التي يمر بها العالم اليوم، التي ضربت في أحدث وأرقى الأسواق المالية، والتي تتمتع ببيئة تشريعية وقانونية صلبة، إضافة إلى الخبرة الطويلة في هذا المجال ومع ذلك لم تستطع تفادي تسونامي الرهن العقاري، الذي ذهب ضحيته الكثير من المؤسسات المالية العريقة وعصف بالكثير من الاقتصاديات المتقدمة، ودمر الكثير من البنى الاجتماعية الراسخة، وما زال الكثير من المحللين يعتقدون ان ما ظهر ليس إلا قمة جبل الجليد، وبالتالي فعلى الاقتصاد العالمي ان يتوقع الأسوأ، ومن ثم فإن المنطق الذي تعمل به معظم الهيئات الرقابية لدينا وهو التجربة والخطأ (أو كما يقال كل شي ماشي بالبركة) فلا يأتي التشريع والتنظيم إلا بعد وقوع الكارثة لا يمكن ان يستمر، خصوصا في منظومة العمل المالي، لما للأخطاء الناتجة عنه من أثر مدمر على الاقتصاد الكلي للدولة، وليس على الصناعة فحسب، وكما يقال في الأمثال، السعيد من وعظ بغيره، ومن هذا الباب فإني ادعو هيئة السوق المالية قبل السماح بأي عملية توريق إلى وضع خطة عمل تتم بناء عليها دراسة المعطيات التي تسببت في أزمة الرهن العقاري، التي يمر بها العالم اليوم سواء كانت قانونية أو فنية أو تنظيمية، ومن ثم بناء اللوائح والأنظمة المنظمة لعملية التوريق وفقا لهذه الدراسة لتجنب الوقوع في ما وقع فيه الآخرون، ولسد الثغرات التي تسببت في الازمة، وحيث ان الكثير من شركات التمويل العقاري القائمة أو التي ستقوم تقدم خدماتها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وبالتالي فإن عمليات التوريق ستتم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فإنني أرى انه يجب على هيئة السوق المالية والجهات الرقابية الأخرى المسؤولة عن تنظيم هذا النشاط الاستعانة بالخبرات الشرعية عند صياغة هذه اللوائح والأنظمة، تفاديا لأي انحراف أو خطأ يقع في هذه اللوائح والأنظمة يجعلها لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي تفقد قيمتها القانونية، إضافة إلى ان المعاملات الخاضعة للشريعة الإسلامية تختلف في هياكلها وعقودها واجراءاتها ومخاطرها عن غيرها من الأدوات التقليدية التي لا يدركها إلا من كانت لديه الخلفية الشرعية والخبرة العملية المناسبة، فوجود أمثال هؤلاء أمر لا يمكن الاستغناء عنه، ولما اعلمه من طريقة التفكير التي تدار بها هيئة السوق المالية، والتي أصلت مبدأ استمزاج آراء الآخرين في ما تصدر من تنظيمات ولوائح قبل إصدارها، فإنني متفائل جدا بأن تجد هذه الرؤية طريقها إلى التطبيق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]