بنك السودان المركزي يؤكد قدرة «المصرفية الإسلامية» على العمل في نشاطات تنموية بجنوب السودان

المحافظ لـ «الشرق الأوسط» : العمل بإصدار «شهادات شهامة» قائمة على مبدأ «الغنم والغرم»

TT

اكد مسؤول سوداني رفيع المستوى على قدرة العمل بالمصرفية الإسلامية للمساهمة في تعزيز الوحدة بين شمال السودان وجنوبه، مشيرا إلى أن نشاطات مالية يمكنها أن تؤدي دوراً تنموياً في ضخ السيولة للمشاريع وإعادة الكثير منها للحياة مرة أخرى.

واعتبر الدكتور صابر محمد الحسن، محافظ بنك السودان، أن سماح حكومة جنوب السودان أخيرا للبنك الزراعي العمل بنافذتين (تقليدية وإسلامية) لسد عجز المصارف التقليدية في عمليات تمويل القطاع الزراعي، خطوة مهمة تؤكد أهمية عودة المصارف الإسلامية للعمل في جنوب السودان، ودليل على النجاحات التي حققتها في مجال التمويل والخدمات المالية الأخرى ذات الصلة. وجاءت تصريحات محمد الحسن هذه في حديث مع «الشرق الأوسط» افصح خلالها عن سماح حكومة جنوب السودان للبنك الزراعي بالعمل المتخصص وفقا لمساري المصرفيين «التقليدي» و«الإسلامي»، مشددا على أن ذلك سيدعم في سد فجوة احتياجات القطاعات الاقتصادية في الجنوب بعد انسحاب 19 مصرفا هناك.

وقال صابر إن بنك السودان المركزي يقوم بإصدار صكوك «شهادات شهامة» مبنية على المبدأ الإسلامي «الغنم والغرم»، والتي تتميز بإيفائها بكافة متطلبات العقود الشرعية، بالإضافة إلى انخفاض مستوى مخاطرها الاستثمارية، فضلا عن دعمها بوحدات اقتصادية تجعلها تتسم بربحيتها العالية وإدارتها المتميزة، ويمكن بيعها في أي وقت في سوق الأوراق المالية عبر شركات الوكالة العاملة، كما يمكن استخدامها في تسوية المعاملات المالية كوسيلة دفع مضمونة السداد. وتستخدم هذه الشهادات والصكوك لإدارة السيولة وتغطية جزءٍ من عجز الموازنة العامة الذي كان يغطى بالاستدانة من البنك المركزي.

وبحسب صابر الحسن، فإن «شهادات شهامة»، تطورت منذ عام 2000، حيث ارتفعت الشهادات المباعة من 15.353 شهادة إلى 8.450.949 شهادة بسعر عام 2007، مشيرا إلى أن آلية عمل هذه الصكوك تتألف من المستثمر (رب المال)، وشركة السودان للخدمات المالية (المضارب)، بالإضافة إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني (المستخدمة للتمويل). نص الحوار:

> لماذا سمحت حكومة الجنوب للبنك الزراعي بالعمل بنافذتين إسلامية وتقليدية؟

ـ موافقة حكومة الجنوب جاءت وفقا لرغبة العملاء، خاصة أن البنك الزراعي ظل يقدم لهم خدمات مصرفية بأشكال متعددة وشروط وإجراءات ميسرة منذ فترة تقارب الـ50 عاماً وفق النظام الإسلامي أثبت خلالها نجاحا لا نظير له في تمويل القطاع الزراعي. > أفصحتم لنا سابقا عن انسحاب 19 بنكا من مناطق جنوب السودان، فما هي الأضرار المتوقعة من انسحابها؟

ـ لا شك أن ذلك يؤثر على اقتصاد جنوب السودان، لأنه أدى إلى انخفاض حجم التمويل المصرفي للقطاعات الاقتصادية المختلفة، ويؤثر ذلك على حركة التجارة وعملية توسيع وتعزيز مناخ الاستثمار في الجنوب، وبالتالي يعيق التنمية الاقتصادية في جنوب السودان. > ولكن هل سماح حكومة الجنوب للبنك الزراعي بالعمل بنافذتين يمكن أن يكون خطوة لعودة المصارف الإسلامية مرة أخرى للعمل بالجنوب؟ ـ حسب البند 14 من بروتوكول قسمة الثروة من اتفاقية سلام نيفاشا، أن يكون هناك نظام مصرفي تقليدي يتم العمل به في الجنوب ونظام إسلامي في الشمال. أما عودة البنك الزراعي للعمل بنافذتين، يمثلُ تعزيزاً لبرامج حكومة الوحدة الوطنية للعمل بالنظام المصرفي المزدوج ومواصلة تحقيق النجاحات التي حققتها المصارف الإسلامية خلال فترة عملها في الجنوب من حيث تطوير الصيغ المستخدمة وتنويع القطاعات الممولة. ويمكن اعتبار ذلك خطوة نحو عودة المصارف الإسلامية بجنوب السودان نسبة للنجاحات التي حققتها من حيث تقديم التمويل والخدمات المالية الأخرى. > هل هناك رؤية مشتركة بين البنك المركزي وحكومة الجنوب لإقناع الجنوبيين بأهمية عودة العمل المصرفي الإسلامي في الجنوب، خاصة أن دولا غربية كثيرة في العالم تتجه نحو اعتماد المصرفية الإسلامية؟

ـ دعني أعود مرة أخرى لما جاء في اتفاقية السلام (البند 14) الخاص بقسمة الثروة، حيث تم إنشاء بنك جنوب السودان عام 2006 للقيام بدور الرقابة والإشراف على النظام المصرفي التقليدي. وتعمل أربعة مصارف بالنظام التقليدي، وهي بنك النيل التجاري والبنك التجاري الكيني (فرع مصرف أجنبي) وبنك أيفوري وبنك بافلو. وتم قفل فروع المصارف الإسلامية خلال عام 2007. ويمكن القول إن عودة المصارف الإسلامية لتقديم خدماتها لجنوب السودان تعتمد في المقام الأول على رغبة حكومة جنوب السودان وطلبها. > ما هي أهم المشاريع التي تحتاج لبنوك إسلامية؟ وكم يقدر حجم تلك الاحتياجات المالية على سبيل التقريب؟

ـ حسب اتفاقية سلام نيفاشا في بند قسمة الثروة يجوز لبنك جنوب السودان تقديم التمويل للمصارف التقليدية عبر النافذة الاستثمارية لسد الفجوات الموسمية في التمويل، وذلك لدعم قدرتها في مواجهة طلبات التمويل الكبيرة. وتضمنت خطة العمل تنمية جنوب السودان والتي تم إعدادها عام 2005. وتقدمت الأمم المتحدة وبالتشاور مع الحكومة بحوالي 304 مشاريع تنفذها 49 من الوكالات والمنظمات. وأوضح أن خطة عمل الأمم المتحدة للسودان لعام 2007 تضمنت مشروعات تنموية تم تقدير تكلفتها بحوالي 627 مليون دولار. وبناء على ذلك يمكن أن تساهم البنوك التقليدية في تمويل هذه المشروعات، علما بان السوق المصرفية بالجنوب ما زالت مفتوحة أمام المستثمرين الوطنيين والأجانب. > لكن، ما هو الجديد في القرارات التي اتخذها بنك السودان المركزي بعد اعتماده الجنيه السوداني بديلا عن الدينار؟

ـ هناك عدد من الخطط والإجراءات التي يعمل عليها بنك السودان المركزي، منها تكوين لجنة لتوثيق تجربة استبدال العملة، والنظر في تحسين نوعية الورق المستخدم لطباعة فئة الواحد جنية دون اللجوء لتغييره إلى بلاستيكي أو معدني. كما سيتم النظر في التصديق لمركز الفرز الآلي بإبادة العملة عبر ماكيناتها من الإدارة العامة للإصدار والتمويل وبالتنسيق مع الخزينة المركزية وفرع الخرطوم، وكذلك العمل على معالجة اختلال التركيبة الفئوية للعملة وفقا لما ورد بتقرير البعثة المشتركة بين بنك السودان والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وذلك بالتركيز على طباعة الفئات الناقصة، بالإضافة إلى العمل على إصدار قانون للعملة بالتنسيق مع الإدارة القانونية (تجميع كل ما يتعلق بالعملة في القوانين المختلفة في قانون واحد). > ما هي التطورات التي شهدتها صناعة «شهادات شهامة» والصكوك الإسلامية بالسودان وما حجمها؟ ـ يعتبر إصدار هذه الشهادات عملية توريق للأصول، ويمكن لمالك الأصول الحصول على موارد مالية دون بيع الأصل. ويحسب الربح أو الخسارة على أساس فرق بين القيمة المحاسبية للبنود المكونة للصندوق من مجموع حقوق المساهمين زائدا إعادة تقييم صافي أصول وخصوم النقد الأجنبي عند شراء الشهادات عن القيمة عند بيعها. وتقوم هذه الصكوك على أساس شرعي وتحمل كل شهادة قيمة مالية تحسب بالجنيه وتمثل نصيباً في صافي الملكية المخصصة بواسطة الحكومة لهذا الغرض من مجموعة من الوحدات الاستثمارية المختارة. وتصدر بآجال مختلفة (6 أشهر وعام) وتم تعديل الأجل إلى مدة عام وبفئات متعددة 500 جنيه، 1000 جنيه و2000 جنيه أو مضاعفات هذه الفئات بحيث يمكن للمستثمر أن يشتري أياً من هذه الشهادات ومن أي فئة. وتقوم فكرة الإصدار على المبدأ الإسلامي (الغنم والغرم)، أي مشاركة الأرباح والخسائر بدلاً من الفوائد الربوية، وإيجاد بديل شرعي لسعر الفائدة. ومن مميزات هذه الشهادات إيفاؤها بكافة متطلبات العقود الشرعية. وقد وافقت الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي عليها. والمخاطر الاستثمارية لهذه الشهادات متدنية حيث أنها مسنودة من وحدات اقتصادية تتميز بربحيتها العالية وإدارتها المتميزة ويمكن ببيعها في أي وقت في سوق الأوراق المالية عبر شركات الوكالة العاملة، واستخدامها في تسوية المعاملات المالية كوسيلة دفع مضمونة السداد، كما تستخدم هذه في إدارة السيولة وتغطية جزء من عجز الموازنة العامة الذي كان يغطى بالاستدانة من البنك المركزي. وتطورت شهامة منذ عام 2000، حيث ارتفعت الشهادات المبيعة من 15.3 ألف شهادة إلى 8.4 مليون شهادة بسعر 500 جنيه عام 2007. أما صكوك الاستثمار الحكومية، فهي عبارة عن وثيقة ذات قيمة اسمية تتيح لحاملها المشاركة في تمويل أصول حكومية عن طريق عقود الإجارة والمرابحة والاستصناع بهدف تحقيق الربح ويسترد المستمر قيمتها حسب سعرها السوقي نهاية المدة المحددة وهي عامان. وتتألف آلية عمل هذه الصكوك من ثلاثة أطراف هي: المستثمر (رب المال)، وشركة السودان للخدمات المالية (المضارب). وأخيرا وزارة المالية والاقتصاد الوطني (المستخدمة للتمويل).

وتقوم العلاقة بين المستثمر وشركة السودان للخدمات المالية على عقد المضاربة الشرعي، فيما العلاقة بين شركة السودان للخدمات المالية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني على مجموعة عقود (الإجارة والمرابحة والاستصناع)، حيث تكون الغلبة للإجارة حتى يمكن تداول الصكوك في السوق الثانوي. ومن أهم مزايا هذه الصكوك أنها استثمار متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية وذات ربحية عالية، بالإضافة إلى أنه استثمار مأمون (ضمان من بنك السودان)، وعالية السيولة، حيث تطورت منذ عام 2003 من 600 ألف صك بسعر 100 جنيه إلى 1.6 مليون صك بذات السعر عام 2007. > ما الضوابط الصادرة بحكم السماح للبنوك بإدخال تقنية الحوالات المحلية والخارجية؟

ـ فيما يخص نظام التحويلات المحلية يستخدم شبكة (Swift)، وانتهت المرحلة الإرشادية التجريبية ونحن الآن بصدد إعادة تعميم إجراءات أعماله بقية تعميمه داخل السودان. أما فيما يخص التحويلات الخارجية الآن، تستخدم البنوك نظام سويفت وتدرس الآن إمكانية تعميم خدماته كل الجهات العاملة في مجال التحويلات. ومن المعروف أن نظام سويفت نظام عالمي يُعمل به في التحويلات وفق ضوابط عالمية وسيتم وضع الضوابط الداخلية متى ما كان ذلك ضرورياً.