الصيرفة الإسلامية ونموذج التمويل بالغ الصغر

TT

عندما تزور بوابة «سنابل» شبكة التمويل الأصغر في الدول العربية أو ما يعرف بـ «microfinance» على الانترنت تفاجأ بغياب كامل للمصارف الإسلامية عن قوائم هذه الشبكة والتي كان من المفترض ان تحوي جل المصارف الإسلامية. ويأتي ذلك لما تحمله من أهداف سامية تتفق مع مبادئ الإسلام وأسسه القائمة على توزيع الثروة بين جميع طبقات المجتمع والعناية بفقرائه ومحاولة تقديم المساعدة لهم بأسلوب يقيهم الحاجة والعوز. كما يعينهم على ان يحيوا حياة كريمة بعيدة عن ذل المسألة وتحويلهم من أعضاء عالة على المجتمع إلى أعضاء فاعلين يساهمون في الإنتاج. ويمكن ذلك عن طريق مساعدتهم على توفير التمويل اللازم لهم لبداية مشاريع إنتاجية مدرة تناسب طاقاتهم مع توفير التدريب والاستشارة اللازمة لهم لإدارة هذه المشاريع وفق أساليب الإدارة الحديثة وهذا منهج نبوي كريم.

أخرج أبو داوود وابن ماجة: «أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء، قال ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين، قال رجل أنا، آخذهما بدرهم، قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا، قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع». كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري.

ان أعظم مهمة للمصارف الإسلامية هي مساهمة الأعمال التي تقوم بتمويلها في تحقيق مبدأ الاستخلاف والقيام بعمارة الأرض والعناية بمبدأ عدالة توزيع الثروة بين جميع طبقات المجتمع، حيث تنهض بالمجتمعات التي تعمل فيها وتساهم في رخائها وتقدمها بعيدا عن المساهمة في تمويل الأنشطة الطفيلية أو الاستهلاكية المترفة، وكل ذلك لا يتنافى مع مبدأ السعي لتحقيق الربح، إلا انه يرشد عمل هذه المصارف بما يحقق الربح مع سمو الأهداف ونبلها. ولعل من أهم الأدوات التي يجب على المصارف الإسلامية تفعيلها لتحقيق أهم أهداف وجودها وهو تحقيق مبدأ العدالة والمساواة في توزيع الثروة هو العناية بتقديم التمويل البالغ الصغر للفقراء من أبناء المجتمعات التي تعيش فيها بحيث تخصص جزءا من محفظتها التمويلية لهذا النوع من التمويل عبر تعاونها مع بعض الجمعيات الخيرية لمساعدتها في إدارة هذا النوع من ان التمويل خصوصا التأكد من انه يستخدم فيما خصص له. ويمكن لهذه المصارف الاستعانة بتجربة بنك غرامين في هذا المجال والذي حقق أرباحا في عام 2004 فاقت 7 ملايين دولار والذي أظهرت تجربته ان الفقراء دائما يسددون وان تمويل الفقراء يحقق أرباحا وليس كما يعتقد البعض من المصرفيين ان ما يجب ان يقدم للفقراء يجب ان يكون عمل خيري بحت وهذا ليس من شأن المصارف. ولعل من التجارب الرائدة في مجال التمويل بالغ الصغر إضافة لبنك غرامين ما يقدمه برنامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع في المملكة العربية السعودية من مشاريع خلاقة في هذا الباب والذي أتمنى ان يتم تطوير نشاطاته وذلك عبر التعاون بين البرنامج وبين مصرف الراجحي مثلا. وقد اخترت مصرف الراجحي لما يتمتع به هذا المصرف من امتداد جغرافي كبير يتمثل في فروعه العديدة المنتشرة في غالب المحافظات والهجر والتي يحتاجها نموذج التمويل بالغ الصغر، إذا أضفنا إلى ذلك خبرته الطويلة في عمليات تمويل الأفراد القائمة على الشريعة، فلا شك ان هذا التعاون سيثمر نموذجا ناجحا لمصرف على غرار غرامين والذي تمس الحاجة له في مجتمعنا.

وأود في الختام ان أشيد بتجربة إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية «أمانة» في مصرف HSBCوالتي اقتحمت هذا المجال مؤخرا بالتعاون مع مؤسسة الإغاثة الإسلامية عبر العالم Islamic Relief في باكستان. والله من وراء القصد.

*مستشار في المصرفية الإسلامية