النظام المالي العالمي يبحث عن البديل

لاحم الناصر

TT

«لا يزال هناك نوعان فقط من الرأسمالية، الرأسمالية الاستبدادية كما في الصين وسنغافورة، والرأسمالية الديمقراطية كما في الولايات المتحدة وأوروبا. ان كان لدى احد فكرة أفضل، فأنا متأكد ان العالم سيود معرفتها» هذا مقطع من كلمة وزير العمل الأميركي السابق السيد روبرت رايش في معرض حديثه عن الدعوات إلى إصلاح وتطوير الرأسمالية. وكأن السيد روبرت يخير العالم بين الاستبداد والديمقراطية حلا للازمة المالية التي يمر بها العالم اليوم التي نشأت بسبب النظام الرأسمالي الذي لم يولد طوال تاريخه سوى الأزمات الائتمانية وحالات الهلع والانهيارات المالية والركود. لقد حولت الرأسمالية الديمقراطية يا سيد روبرت الأميركي العادي إلى ماكينة للاستهلاك فمنذ ثمانينات القرن الماضي كان استهلاك الأميركيين يفوق إنتاجيتهم وقد عوضوا عن ذلك من خلال الاقتراض حتى ازدادت الديون العائلية من 680 مليار دولار عام 1974 إلى 14 تريليون دولار اليوم وهذا المبلغ ازداد ثلاثة أضعاف خلال السنوات السبع الماضية فقط. فالعائلة العادية تملك 13 بطاقة ائتمان و40 بالمائة تم استعمالها لشراء السلع مقارنة بـ 6 بالمائة عام 1974 وفقا للسيد فريد زكريا كاتب العمود المميز في مجلة «النيوزويك».

ماذا فعلت الرأسمالية يا سيد روبرت سوى خلق نظام مالي ابتعد كثيرا عن روابطه بالاقتصادي الحقيقي كما يقول ستيفن روش رئيس مورغان ستانلي في آسيا.

لقد بلغت قيمة الاقتصاد الحقيقي 48 تريليون دولار فيما بلغت قيمة الاقتصاد المالي 148 تريليون دولار. نعم سيد روبرت يوجد نظام مالي أفضل يخلو من جميع العيوب لان من سنه ووضعه كامل في علمه وحكمه فلا يمكن ان تجد في هذا النظام تعارض للمصالح بين أطرافه لان من سنه وأوجده ليس احد أطراف معادلته كما في النظام الرأسمالي الذي لا يخلو من تعارض المصالح. نظام وازن بين الإنفاق والادخار بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر فلم يشجع الادخار بالمطلق حتى لا يتعطل الإنتاج ولم يشجع الاستهلاك المفرط الذي لا يمكن ان يمول إلا بالعجز عن طريق القروض كما وازن بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع في ممارسة الحرية الاقتصادية بحيث لا يطغى احدهما في الأهمية على الآخر.

نظام عني بتوزيع الثروة بحيث يستفيد منها جميع أفراد المجتمع بدخولها في العملية الإنتاجية الحقيقية فحرم الربا والميسر والقمار وجعل للفقراء حق في أموال الأغنياء فرسم نظاما فريدا في التكافل الاجتماعي مما يحقق الأمن الاجتماعي في المجتمع، نظام منع الاسترباح من عمليات البيوع الوهمية فحرم بيع الإنسان ما لا يملك وهو ما يسمى بالبيع على المكشوف وهو بالمناسبة سيد روبرت من أول الإجراءات التي اتخذتها الأنظمة الرأسمالية الغربية للحد من انهيار الأسواق في هذه الأزمة. نظام منع كل بيع أو شراء لا يهدف إلى تملك أصول حقيقية كما منع بيع الديون ومن هذا الباب منع المتاجرة في المشتقات لأنها تؤدي إلى نمو غير حقيقي يؤدي إلى الأضرار بالإنتاج الحقيقي وهو ما يسبب الكوارث والأزمات عند حدوث أي هزة في مكونات هذه الأصول الورقية، كما هو حاصل في هذه الأيام لعدم وجود ما يقابلها من الأصول الحقيقية.

سيد روبرت ان هذا النظام هو نظام الاقتصاد الإسلامي الذي يصلح للتطبيق في كل زمان ومكان ومن أصحاب كل دين وجنس ولغة حيث انه نظام عالمي. فلا تحفل بالاسم سيد روبرت وعليك بالمضمون صفه بما تشاء من الأسماء والصفات التي تناسبك بعيدا عن حرج الآيديولوجيا ولكن ادرسه بتمعن.

سيد روبرت لا اعتب عليك في عدم معرفتك بفكرة أخرى تكون أفضل مما جئت به ولكنني اعتب على من لديهم هذا النظام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ثم يقصرون في تطبيقه في حياتهم وحمله إلى العالم لتقديمه كنظام مالي مكتمل قابل للتطبيق وفق مقتضيات العصر لا كنظرية مجردة. ولي وقفة عن كيفية تقديم هذا النظام للعالم في الأسبوع المقبل إن شاء الله.

*مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]