فرص نمو المصرفية الإسلامية كبيرة مع تعثر القطاعات المالية العالمية

التمويل الإسلامي يشكل 1% من رأس المال العالمي

TT

في حين يشهد النظام المالي الغربي انفجارا من الداخل، فإن قطاع التمويل الإسلامي رغم نموه السريع قد نجا من العاصفة.

ومع انخفاض أسواق الأسهم في لندن ونيويورك عن أقصى ارتفاع لها بمقدار الثلث، نجد في المقابل أن مؤشر داو جونز للسوق المالية الإسلامية ارتفع بنسبة 4.75 في المائة في الربع المنتهي في شهر سبتمبر (أيلول) ولم يفقد إلا نسبة بسيطة مقدارها 7 في المائة في العام الماضي. ولم تبد هذه الصناعة مرونة فحسب، ولكنها أيضا على حافة توسع جديّ، فهي تنمو بمعدل أسرع من أي قطاع آخر من قطاعات المصرفية العالمية، وذلك بمعدل يتراوح بين 15 و20 في المائة سنويا. وتقدر مجلة «الإيكونومست» حجم الأصول الإسلامية الخاضعة للإدارة بـ 700 مليار دولار. ويمكن لهذا الرقم أن يبلغ تريليون دولار أمريكي ـ أي قرابة القيمة الحالية لسوق الأسهم الأسترالية ـ بحلول عام 2010. والأكثر من ذلك أن هذا النمو جاء من أحد نماذج الإقراض يرفض مدفوعات الفائدة وينأى بنفسه عن المضاربة والاقتراض الفادح.

وبحسب صحيفة «ذا سيدني مورنينغ هيرالد» الأسترالية، الصادرة أخيرا، توجد أكبر أسواق التمويل الإسلامي، في الشرق الأوسط والدول الإسلامية، غير أن البنوك العالمية افتتحت فروعا لها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. وعلى مستوى أستراليا نجد أن الجمعية التعاونية الإسلامية تعتبر واحدة من بين المقرضين القليلين الذين يقدمون هذه الخدمة. وترى الصحيفة أن العدالة والشراكة ومعارضة المخاطر المفرطة هي المبادئ الرئيسية التي توجه البنوك الإسلامية، حيث تُحرّم المضاربة الصريحة والتعامل مع أي طرف ثالث تتضمن ميزانيته العمومية أكثر من ثلثها من الديون، كما تحرم الاستثمارات التي يعتبرها علماء الشريعة الإسلامية غير أخلاقية، وذلك مثل الكازينوهات. ولكن إذا بدت هذه القواعد قاسية، فإن الاختلاف الأشد يتمثل في حظر التعامل بالفائدة.

ووفقا للشريعة الإسلامية يعتبر تقاضي فائدة على القروض أمرا لا أخلاقيا، لأنه لا يأخذ في اعتباره كيف يمكن للتغيرات الحادثة في قيمة ضمان القرض أن تؤثر على المقترض. فأصحاب المنازل الذين اشتروها قرب الذروة يشعرون الآن بهذه الحقيقة المؤلمة؛ فالفائدة توفر للبنوك مدفوعات ثابتة من المقترض بغض النظر عن حالة السوق العقارية. وقد ابتكرت البنوك الإسلامية طرقا لتحقيق الربح من وراء عملية الإقراض، فبدلا من مطالبة المقترض بفائدة، تشتري هذه البنوك الأصل برمته نيابة عن هذا المقترض، أما المقترض فيسدد القرض (أصل الدين) ورسما نظير استخدام هذا الأصل ـ كإيجار على سبيل المثال ـ إلى حين سداد المبلغ وانتقال ملكية هذا الأصل إلى المقترض. فكما هو الحال تماما مع الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية، يمكن بيع حقوق سداد مدفوعات القرض كسندات إسلامية وهو ما يطلق عليه اسم الصكوك. ولكن بدلا من الحصول على عائد على هذه السندات، يحصل حامل السند على أقساط سداد القرض وبعض المال على سبيل الإيجار. ونتيجة لذلك لم يضطر المقرضون الإسلاميون إلى المخاطرة بدخول أسواق المال التي انفجرت مؤخرا.

أما بالنسبة إلى المودعين فإن وضع أموالك لدى بنك إسلامي يشبه كثيرا كونك مساهما، وبدلا من حصول هؤلاء المودعين على فائدة فإنهم يحصلون على نصيب من أية أرباح يتم تحقيقها.

ونظرا لأن البنوك الإسلامية تحتفظ بملكية الأصل حتى سداد القرض فإنه يكون لديها حافز أكبر للتأكد من أن المقترضين لا يحملون أنفسهم ما لا يطيقون. ويقول من يجادلون عن هذا النظام إن البنك يشارك في المخاطر التي يتعرض لها صاحب مبادرات الأعمال كما يشارك أيضا في إخفاقاته. ويظهر التمويل الإسلامي أن إحدى طرق ضمان المدخرات تكمن في وضعها لخدمة أغراض مفيدة. بل إن البعض يقولون إن حظر بيع الأسهم على المكشوف يعكس تفكيرا شرعيا، لأنه يمنع التجار من التعامل عل أصول لا يملكونها. وفي الشهر الماضي صرح جيرارد الفيل، وهو صحافي مالي من دبي، لإذاعة «إيه بي سي» قائلا: «يعدّ حظر البيع على المكشوف واحدا من العناصر الحاسمة في التمويل الإسلامي، ومن ثم فإنه يبدو تقريبا أن الأسواق التقليدية تنظر إلى الأساليب الإسلامية والتي لم تلعب حتى الآن أي دور في الأسواق التقليدية».

ومع ذلك فإن التمويل الإسلامي يشهد انتعاشا، فأسعار النفط المرتفعة ملأت خزائن دول الخليج، كما تعج المنطقة بمشروعات الأشغال الرأسمالية التي بحاجة إلى تمويل. ويمثل المسلمون 20 في المائة من عدد سكان العالم، ولكن التمويل الإسلامي يشكل أقل من 1 في المائة من رأس المال العالمي، مما يشير إلى وجود فرصة هائلة لتحقيق النمو.

وقد تراجعت سوق السندات الإسلامية تدريجيا خلال الأزمة الائتمانية، ولكن هذا يبدو أنه ظاهرة عابرة، حيث تم إصدار حوالي 14 مليار دولار في صورة سندات إسلامية خلال الشهور الثمانية حتى آب (أغسطس) الماضي، مسجلة انخفاضا عن مستواها البالغ 23 مليار دولار في الوقت نفسه من العام الماضي، غير أن وكالة «ستاندرد أند بورز» تتوقع أن تبلغ الإصدارات 25 مليار دولار في العام المقبل.

ولم تمر إمكانية النمو هذه مرور الكرام على البنوك الغربية، بل إن كثيرا منها لديه أذرع متوافقة مع الشريعة الإسلامية وسريعة النمو. وتناضل لندن من أجل الاستئثار بهذه السوق، كما غيرت قوانينها للسماح بمختلف التحويلات العقارية المطلوبة من أجل عملية الإقراض.