الماليزيون يستبدلون تورّق المعادن بـ «زيت النخيل»

مختصون شرعيون لـ «الشرق الأوسط» : خلافنا مع بنوك الشرق الأوسط الإسلامية في بيع «العينة» و«الدين»

ندوة التجربة الماليزية في الصكوك الإسلامية التي أقامتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل الأسبوع الماضي (تصوير: خالد الخميس)
TT

فاجأت التجربة الماليزية المصرفيين الإسلاميين في السعودية بالكشف عن توجه جديد وتنويع مصدر طبيعة السلعة بجانب المعادن المختلفة التي يعتمد نظام التورق عليها في السعودية والخليج العربي، إذ أفصحوا عن اعتمادهم زيت النخيل في عملية التورق بدلا من معدن الحديد الذي تطبقه معظم المصارف في الشرق الأوسط والسعودية.

وأوضح محمد أكرم لال الدين، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية الماليزية ISRA، أن ماليزيا أنتجت نوعا جديدا من التورق عمره عام واحد ولم ينتشر بعد. وهو التورق عن طريق زيت النخيل. حيث كان التورق سابقا يتم عن طريق المعدن (الحديد)، مؤكدا أن هذا التورق الجديد هو الأصلح.

ورغم أن هذا التوجه الجديد لم يلق معارضة من قبل المصرفيين السعوديين نتيجة لمحدودة تطبيقه والاعتماد على الحديد في عملية التورق هناك حتى الآن، تابع المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية الماليزية، فإن أكبر التحديات التي تواجه الأخيرة هو كيفية طرح منتجات جديدة من بينها المشاركة المنتهية بالتمليك، معتبرا ذلك أكبر إبداع اخترعته البنوك الإسلامية، غير أن هناك ضرورة ملحة بالمطالبة بفقهاء ذوي خلفية جيدة في الاقتصاد والقانون لبحث كيفية فصل المنتجات الإسلامية من المنتجات التقليدية بشكل حازم وواضح.

وبين لال الدين أن هناك بنوكا في ماليزيا كانت قد بنت تعاملها على المرابحة، غير أن كثيرا منها تخلى عن ذلك مؤخرا، فيما شاعت المنتجات القائمة على المشاركة والمضاربة، مؤكدا أن أكبر خلاف في المنتجات الإسلامية بين ماليزيا والشرق الأوسط يقع على نوعين فقط هما «بيع العينة» و«بيع الدين». أما رأيه حول ما أثير من شبهات حول التورق في ماليزيا، فقد أكد لال الدين أن ذلك لم يحدث فقط في ماليزيا ولكنه شائع حتى في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن المجاميع الفقهية تبيح التورق وخاصة التورق المنظم.

وكان خبراء ماليزيون وسعوديون قد أكدوا في حديث لـ«الشرق الأوسط» عمق التجربة الماليزية في ابتداع منتجات مالية إسلامية، جعلت من ماليزيا قوة اقتصادية بعد الدرس الذي تعلمته خلال أزمتها المالية عام 1997، والذي استطاعت تجاوزه باقتصاد قوي ومتين.

ويرى المختصون في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن مستقبل المنتجات الإسلامية وقوة الاقتصاديات الإسلامية يعتمد على مدى الالتزام بالمعايير الشرعية في كافة جوانبها الحقيقية، مبينين أن معظم الاقتصاديات ليست في مأمن من آثار الأزمة المالية العالمية بسبب تغلغل وارتباط بعض المجالات بالعمل بازدواجية العمل على نافذتين إسلامية وتقليدية.

وفي هذا المقام أشار الدكتور عبد الرحمن الأطرم، الأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، إلى أن السلعة التي تباع عن طريق البنك إلى العميل وتدور في حلقة لتباع مرة أخرى لصاحبها الأول من المعاملات الشكلية وليست الحقيقية، ولذلك أشار الفقهاء إلى أنه بدلا من أن تعاد السلعة إلى صاحبها الأول مرة أخرى فمن باب أولى أن تباع إلى طرف آخر باعتبار أن ذلك يمثل مخرجا من الشبهة.

ويعتقد لال الدين أن الأسواق المالية الإسلامية ليست بمأمن من تأثيرات الأزمة المالية العالمية، ذلك لأن هناك بعضا منها يمارس ازدواجية العمل بنافذتين إسلامية وأخرى تقليدية، وغلبة الأخيرة هي الجسر الذي تعبر بها الأزمة المالية إلى الأسواق الإسلامية.

وتابع المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية الماليزية أن أكبر التحديات التي تواجه الأخيرة هو كيفية طرح منتجات جديدة من بينها المشاركة المنتهية بالتمليك، معتبرا ذلك أكبر إبداع اخترعته البنوك الإسلامية، غير أن هناك ضرورة ملحة بالمطالبة بفقهاء ذوي خلفية جيدة في الاقتصاد والقانون لبحث كيفية فصل المنتجات الإسلامية من المنتجات التقليدية بشكل حازم وواضح.

أما الدكتور محمد نور الدين أنجد مون، رئيس بالنيابة لقسم الأوراق المالية التابع لهيئة الأسواق المالية الماليزية والذي قدم ورقة عمل في الندوة، فقد حصر الأثر الذي يمكن أن تتركه الأزمة المالية العالمية على الاقتصاديات الإسلامية في إحجام إصدارات الصكوك حتى تجد وضعا أفضل يواكب الأسواق ويوازن بين الاستمرارية من عدمها.

وقال نور الدين بعد ختام ندوة تجربة الصكوك الماليزية التي نظمتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل الأسبوع الماضي، إن تأثير الأزمة المالية على المستثمرين يكون بإحجامهم عن المضي قدما في مشاركات اقتصادية بما في ذلك الصكوك نفسها، غير أنه قلل من حجم الأثر الذي ستتركه الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الماليزي لاعتقاده بأنه قوي بالدروس المستفادة من الأزمة المالية التي حلت بماليزيا في العام 1997.

وأضاف نور الدين أن ماليزيا تسلحت بأدوات واقية، حيث أن لها هيئة ومجلسا استشاريا شرعيا يعمل على مستوى القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ومتزودا بعدد كبير من المتخصصين في هذا المجال الذين لهم القدرة على حماية الأنشطة الاقتصادية من المؤثرات الخارجية، وإيجاد حلول ناجعة للخلافات التي تقوم بين هذه القطاعات بين الفينة والأخرى، والتي يرى فيها فرصة للبحث عن أدوات تطويرية قوية.

أما رأيه في ما يوجه من انتقادات حادة تجاه ماليزيا في ما يتعلق بمنتجاتها الإسلامية والتي عليها خلاف، أوضح نور الدين أنه ينظر إليها من منظور إيجابي، وأن أكثر الانتقادات تطول (بيع الدين) و(الصكوك) و(وعد شراء المشروعات) بعد انتهاء الأجل، مؤكدا قدرة ماليزيا على التحكم في ذلك وفق ضوابط وإجراءات موفقة. ورغم تحفظه على بعض التطبيقات المصرفية الإسلامية الماليزية، إلا أن الدكتور عبد الله السلمي، عميد المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية والذي كان أحد حضور الندوة، أقرّ بأن عراقة التجربة الماليزية في أسلمة الاقتصاد وإنتاج أوراق مالية شرعية جديرة بالتأمل والتدبر، وذلك لجديتها في زمن تبدو فيها كثير من المنتجات المصرفية الإسلامية لدى بعض المؤسسات الإسلامية ما هي إلا نوع من أسلمة شكلية فقط لبعض التعاملات التقليدية والهيكلية الدولية.

ودعا السلمي عميد المعهد العالي للقضاء والخبير في فقه المعاملات الشرعية إلى الاستفادة من التجربة الماليزية في استيعاب المتغيرات التي شابت عالم المال والاقتصاد دون الوقوع في المحظور قدر الإمكان.

وأوضح السلمي أن تجربة الاقتصاد الماليزي فتحت الباب واسعا لإيجاد بدائل وحلول لمشاكل الاقتصاد العالمي من خلال منتجاتها الاقتصادية والمصرفية، حيث أن فيها معالجة للديون وتصكيكها، وأن الأمل في أن تكون التجربة الماليزية في إنتاج الصكوك مدخلا قويا لطرح منتجات إسلامية في المستقبل خالية من العيوب الأخلاقية، مشيرا إلى أن الأنظمة المالية التقليدية هي السبب وراء استفحال الأزمة المالية التي حلت بالعالم هذه الأيام.