الصيرفة الإسلامية في تركيا

TT

الخلافة العثمانية التي امتدت ستة قرون (1299 ـ 1924) حكمت العالم الإسلامي من تركيا، إلا ان العالم اليوم ينظر إلى تركيا كنموذج للدولة العلمانية المتطرفة في علمانيتها. ومع هذا التطرف في علمانيتها إلا ان الصيرفة الإسلامية وجدت لها موطئ قدم حيث بدأت بعض المؤسسات المالية التي تسمى (Special Finance Houses) وبالتركية (zel Finans Kurumu) بتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية في عام 1980. إلا ان العام 2001، وهو العام الذي شهد الأزمة المالية التركية، أصبح علامة فارقة في تاريخ هذه الصناعة حيث ومنذ ذلك التاريخ شهدت مؤسسات الصيرفة الإسلامية أو ما يطلق عليها في تركيا (بنوك المشاركة) معدلات نمو غير مسبوقة حيث بات معدل النمو السنوي لأصولها 40 في المائة وعمليات التمويل 53 في المائة وودائعها 40 في المائة (وفقا لبيانات جمعية بنوك المشاركة التركية). إلا ان التاريخ المفصلي في عمر هذه الصناعة هو إقرار قانون بنوك المشاركة رقم 5411 في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 من قبل السلطات الإشرافية، حيث جاء هذا القانون متناغما مع قواعد الشريعة الإسلامية التي تحكم عمل هذه الصناعة فنص على جواز فتح حسابات جارية بدون فوائد تحت مسمى «special current accounts». كما أباح لبنوك المشاركة استقبال الودائع وفق عقد المضاربة تحت مسمى profit-and-loss participation accounts أما بالنسبة للتمويل فيتم عن طريق المرابحة والإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة. كما ان القانون المصرفي التركي لا يسمح للبنوك التقليدية بفتح نوافذ إسلامية. وقد بلغ عدد المصارف العاملة تحت هذا القانون حتى تاريخه أربعة مصارف هي البركة التركي، وبنك آسيا وبيت التمويل الكويتي التركي وبنك تركيا فينانس كاتليم وهو البنك الذي استحوذ البنك الأهلي السعودي على 60 في المائة منه بمبلغ 1.8 مليار دولار. ووفقا لآخر تقرير صدر عن جمعية بنوك المشاركة التركية في مارس (آذار) 2008 فقد بلغت أصول هذه البنوك 19.477 مليار ليرة أي بنسبة 3.4 في المائة من إجمالي أصول البنوك التركية كما بلغت تمويلاتها 14.889 مليار ليرة تركية أي بنسبة 5.2 في المائة من إجمالي القروض البنكية وبلغت ودائعها 14.834 مليار ليرة أي بنسبة 4.2 في المائة من إجمالي الودائع البنكية. ومن المتوقع ان تتجاوز أصول بنوك المشاركة 25 مليار دولار في العقد المقبل بحيث تشكل 10 في المائة من إجمالي الأصول البنكية التركية.

ويسعى حزب العدالة والتنمية منذ وصوله لسدة الحكم عام 2002 إلى جعل العاصمة التاريخية اسطنبول مركزا من مراكز صناعة الصيرفة الإسلامية وجسرا يوصل بين الشرق والغرب وذلك لموقعها الجغرافي وبعدها التاريخي والديني وهي مؤهلة لذلك بالنظر إلى ما تتمتع به الصيرفة الإسلامية من بنية تشريعية وتنظيمية قوية. إلا ان ذلك لا يكفي بل يجب على الحكومة التركية ان تكون أكثر انفتاحا ومرونة في قوانينها المنظمة للاستثمار الأجنبي في القطاع المالي الإسلامي حيث لا تسمح القوانين المصرفية التركية للمصارف الإسلامية الأجنبية بالعمل داخل تركيا ولكن يمكن لها العمل عبر الاستحواذ على مصارف تقليدية ومن ثم تحويلها إلى مصارف مشاركة. ولا شك ان الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية والمستثمرين المسلمين الراغبين في دخول السوق التركية لا يفضلون ذلك نتيجة لكلفته المادية والبشرية. فكما نعلم ان تأسيس مصرف إسلامي من البداية اقل تكلفة وأسهل من حيث الإجراءات من تحويل مصرف تقليدي إلى إسلامي. أضف إلى ذلك ان الكثير من البنوك التقليدية ستلجأ للمبالغة في قيمتها عند رغبة المؤسسات أو المستثمرين المسلمين الاستحواذ عليها لعلمها بقلة الخيارات المتاحة أمام هؤلاء المستثمرين لدخول السوق التركي وفق قانون بنوك المشاركة، ومن ثم فلا شك ان هذا القانون وأمثاله سيحد من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية الراغبة في الاستثمار في السوق التركية مما سيحول بين الحكومة وتحقيق أهدافها في جعل اسطنبول على خارطة مراكز المالية الإسلامية العالمية أسوة بلندن وكولالمبور ودبي والمنامة.

وفي الختام يمكن للراغبين في الاستزادة عن بنوك المشاركة التركية زيارة موقع جمعية بنوك المشاركة التركية على الانترنت http://tkbb.org.tr/en

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]