زكاة صناديق الاستثمار

لاحم الناصر

TT

تختلف زكاة صناديق الاستثمار تبعا لاختلاف أصولها، فمن هذه الأصول ما تجب فيه الزكاة ومنها ما لا تجب فيه الزكاة، فما أقتني للإجارة يختلف عما أقتني للمتاجرة من حيث وجوب الزكاة، كما أن مقدار الزكاة يختلف باختلاف نوع هذه الأصول وفق ما هو معروف في كتب الفقه الإسلامي فما يجب في بهيمة الأنعام يختلف عما يجب في عروض التجارة، أضف إلى ذلك أن لنية مدير الاستثمار أثرا في وجوب الزكاة من عدمها ويظهر ذلك جليا في اقتناء الأسهم بغرض المتاجرة أو الاستثمار (لمن يرى التفريق بين المضارب والمستثمر). وكما هو معلوم فإن الصناديق المفتوحة ملزمة بالاحتفاظ بسيولة نقدية تفي بأغراض الاسترداد من قبل عملائها وهذه تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول، كل هذه التفاصيل وأمثالها لا تظهر في التقارير المالية لهذه الصناديق نظرا لقلة الشفافية وانعدام الإفصاح في هذه التقارير، ما يوقع المستثمرين في هذه الصناديق في العنت عند احتساب الزكاة الشرعية على استثماراتهم في هذه الصناديق، فبعضهم يزكي اصل استثماراته (أي الأموال التي دفعها للصندوق حين اشتراكه فيه) وبعضهم يزكيها وفقا للقيمة المعلنة للوحدة في وقت إخراجه للزكاة وبعضهم لا يخرجها إلا حين تنضيض هذه الاستثمارات (أي بيعها وتحويلها إلى سيولة نقدية) وبعضهم لا يخرجها البتة ظنا منهم ان الزكاة تجبى من هذه الصناديق ولا شك أن هؤلاء تركوا ركنا من أركان الإسلام ومنعوا حقا واجبا في أموالهم لا يسقط بالجهل أو التقادم بل هو دين في ذمتهم يجب عليهم الوفاء به متى علموا به.

ولرفع الحرج الشرعي عن المستثمرين في هذه الصناديق وتحقيقا للواجب الشرعي في جباية الزكاة أرى انه يجب على الدولة ممثلة في مصلحة الزكاة والدخل جباية الزكاة من الصناديق الاستثمارية أسوة بالشركات حيث لا فرق بينهما من حيث الشخصية الاعتبارية إذ يعتبر الصندوق شخصية اعتبارية مستقلة عن المستثمرين وعن مدير الصندوق، فالمستثمرون به أشبه بالمستثمرين في الشركات المساهمة بل هم اضعف كثيرا من حيث الحقوق الإدارية من المستثمرين في الشركات المساهمة حيث لا يتمتعون بأي سلطة إدارية على مدير الصندوق من حيث التعيين أو العزل، كما انه ليس لهم أي تأثير على قرارات مدير الصندوق الاستثمارية حيث لا يتمتعون بأي تمثيل في مجلس إدارة الصندوق، فالسلطات كلها مركزة لدى مدير الصندوق.

إن قيام الدولة، ممثلة في مصلحة الزكاة والدخل، بجباية الزكاة من الصناديق الاستثمارية سيرفع الحرج عن المستثمرين في هذه الصناديق كما أسلفنا، إضافة إلى انه سيحقق للمجتمع والدولة عددا من المصالح، أهمها إيجاد رافد مالي مهم وذلك بالنظر إلى أصول هذه الصناديق حيث بلغت في المملكة العربية السعودية بنهاية 2007 م حوالي 80 مليار ريال بلغت حصة الصناديق الإسلامية منها 61 مليار ريال وذلك سيزيد من قدرة الدولة على الإنفاق على الطبقات الفقيرة في المجتمع ويحقق جزاء من العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وتحقيق قيم التكافل في المجتمع المسلم التي حرص الإسلام عليها بفرضه للزكاة، كما ان فرض الزكاة على الصناديق الاستثمارية سيعطي السوق المالية أداة فاعلة في ضبط حركة السوق تستطيع بها تحويل الصناديق الاستثمارية من صناديق مضاربيه كما هو عليه الحال الآن إلى صناديق استثمارية تساعد على استقرار السوق وتعيد الثقة بالاستثمار المؤسسي حيث يتم استخدام الزكاة كنوع من الحافز على الاستثمار فتتم جباية الزكاة من الصندوق الذي تتسم استراتيجيته الاستثمارية وممارساته بالأسلوب المضاربي، في حين يعفى الصندوق الذي تتسم استراتيجيته وممارساته بالأسلوب الاستثماري من جباية الزكاة، وذلك أخذا بالرأي الذي يفرق في تجارة الأسهم بين المضارب والمستثمر من حيث معاملتها الزكوية، وهذا من السياسة الشرعية التي لولي الأمر العمل بها، يدل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال‏:‏ كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب‏:‏ إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم‏. والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]