الرئيس التنفيذي لـ«غلف ون»: مشاريع «البنى التحتية» وجهة آمنة لخدمات التمويل في البنوك الإسلامية

ناهد طاهر لـ«الشرق الأوسط: نفذنا أول عملية تمويل إسلامي بنظام «بي.تي.أو» .. ونتهيأ لرفع رأسمال المصرف لـ150%

د. ناهد طاهر
TT

رأت خبيرة مصرفية إسلامية أن مشاريع البنى التحتية تمثل وجهة آمنة لخدمات التمويل في المصارف الإسلامية، مؤكدة أن الاستثمار في البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر الاستثمارات نفعا لانخفاض المخاطر مقارنة بغيرها.

وقالت الدكتورة ناهد محمد طاهر الرئيس التنفيذي لبنك غلف ون للاستثمار أن المصرفية الإسلامية هي المستقبل الواعد في كل بنوك العالم، مشيرة إلى أن بنك «غلف ون» قام بأول تمويل إسلامي من نوعه عالميا في مجال البناء للتشغيل المصطلح عليه اختصارا (بي تي أول)، وهو ليس نسخة مكررة لما هو موجود في السوق المصرفي الذي تقوم معظم نشاطاته المصرفية الإسلامية على القروض الشخصية الاستهلاكية غير المنتجة.

وترى طاهر أن التركيز على قطاعات البنى التحتية والصناعات القائمة على المعرفة يعطي بعدا إسلاميا أكبر، ذلك لأنه تمويل للمشاريع ذات المسؤولية الاجتماعية التي تساهم في رفع مستوى الإنتاجية للمنطقة وخلق فرص عمل.

وأكدت طاهر، وهي عضو مشارك في عدد من اللجان الاقتصادية الدولية، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، أن المصرفية الإسلامية هي المستقبل الواعد في كل بنوك العالم، خاصة وأن المصرفية الإسلامية تقوم في الأساس على مبدأ الاستثمار والإنتاجية عبر المساهمة في رؤوس الأموال والمشاركة في الربح والمخاطرة. إلى تفاصيل الحوار:

* ما هي ظروف نشأة بنك غلف ون؟ وما هي مجالات استثماراته؟

ـ حقيقة أنا فخورة بفكرة تأسيس بنك غلف ون، والذي يعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، كونه بنكا استثماريا متخصصا في تمويل مجالات البنى التحتية والصناعات القائمة على المعرفة والمرتبطة بالطاقة. كما أن توقيت إنشاء البنك يعد توقيتا جريئا بالنسبة للمنطقة، حيث إن خصخصة المشاريع العملاقة في البنى التحتية والطاقة أمر جديد تماما على المنطقة وليس هناك خلفية مالية وهيكلية سابقة لتلك الأمور، مما يتطلب مجهودات جبارة لوضع الهيكلة المالية المناسبة التي تنفق عليها القطاعات العامة والخاصة، لاسيما وأنها مشاريع طويلة الأجل قد تصل إلى الخمسين عاما في بعضها، ربما يتطلب اتخاذ الكثير من الدقة والإجراءات القانونية والمالية المتداخلة لضمان سلامة استمرار تنفيذها وتشغيلها من دون عقبات وإن وجدت تلك العقبات لنستطيع التغلب عليها. وتم تأسيس البنك برأسمال مصرح به يبلغ مليار دولار، أما رأس المال المدفوع فهو 100 مليون دولار، وسنقوم برفعه قريبا إلى حدود 250 مليون دولار. ويعتمد بنك «غلف ون» بشكل أساسي في تمويله للمشاريع على الصناديق الاستثمارية المتخصصة وليس من رأس مال البنك، وذلك كي لا يعد البنك شريكا منافسا للجهة المالكة للمشروع المنفذ، وإنما مستشار أو ممول أو ربما الاثنان معا بالنسبة للمشاريع، بحيث يجمع رأس المال المشارك في المشروع سواء من مؤسسات مباشرة أو غير مباشرة، ليشكل ذلك استثمارا ذكيا ذا قيمة مضافة للمشروع وليس فقط تقديم أموال بحتة. وفي بنك (غلف ون) أطلقنا صندوقنا الاستثماري الأول في البنى التحتية بقيمة ملياري دولار قبل نحو شهرين، ونحن في طور الإعداد للإغلاق المبدئي للصندوق. وقد لاقى تجاوبا كبيرا من الجهات المؤسساتية الاستثمارية ومؤسسات التقاعد والصناديق السيادية الحكومية في الخليج والشرق الأقصى خاصة. كما أطلقنا صندوقا استثماريا آخر لشراء شركات التقنية الصناعية في ألمانيا وسويسرا بهدف تملك هذه التقنية عالميا ثم جلبها إلى منطقة الخليج التي تحتاجها المنطقة وتستوعبها بشكل كبير وتعود بالخير المادي المتميز إضافة إلى العائد الاجتماعي من حيث رفع مستوى المهنية المتقدمة في المنطقة. كما أطلقنا مؤخرا شركة «مويا» التي تعد الأولى من نوعها للاستثمار في قطاع المياه وشركات أخرى في مجال البيئة.

* ما المنتجات المصرفية التي يسعى بنك غلف ون الاستثمار فيها؟

ـ رؤية بنك «غلف ون» وخطة عمله واستراتيجيته التنفيذية تجعلنا نتوجه إلى قطاعات معينة من المستثمرين وكذلك أصحاب المشاريع. فنحن لا نعمل في المجالات التقليدية كالعقار أو الأسهم لأنه لا ينطوي تحت مظلة العمل القائم على المعرفة التي يؤمن بها غلف ون. ولذلك فإن بنك «غلف ون» في كل صفقة جديدة تكون الحلول المالية لديه إما جديدة تماما أو مهيكلة حسب الاحتياجات للتمويل وتقديم المشورة المالية، كما نفتخر بأننا قمنا بأول تمويل إسلامي من نوعه عالميا في مجال BTO، أي البناء والتحويل والتشغيل، بقيمة مليار ريال تقريبا، لتمويل مدينة الحجاج الجديدة مع مجموعة بن لادن السعودية. واستطعنا أن نجلب بنكا عالميا إضافة إلى بنك محلي إسلامي وبنك تطويري في مجال القروض الإسلامية.

وحصل «غلف ون» على جائزة أفضل صفقة إسلامية في البنية التحتية من مجلة «يوروموني» لعام 2008. كما حصل البنك لهذا العام على جائزة أفضل بنك استثماري للبنية التحتية في مجلة ورلد فاينانس. كما أطلق البنك عدة صناديق متنوعة أخرى.

* ما تقييمكم لتجربة البنك في المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية؟ ـ (غلف ون) بنك قائم على الأسس والمبادئ المصرفية الإسلامية الصحيحة، وليس تكرارا لما هو موجود في السوق المصرفي، حيث إنه قائم على الأسس المصرفية الرئيسة للشريعة الإسلامية التي تهدف إلى الاستثمار والإنتاجية عبر المساهمة في رؤوس الأموال والمشاركة في الربح والمخاطرة. كما أن التركيز على قطاعات البنى التحتية والصناعات القائمة على المعرفة يعطي بعدا إسلاميا أكبر ألا وهو تمويل المشاريع ذات المسؤولية الاجتماعية التي تساهم في رفع مستوى الإنتاجية للمنطقة وخلق فرص العمل. إضافة إلى ذلك تحقيق مستويات عالية للربحية المدعومة بإيجاد الأصول الحقيقية في الاقتصاد. وأشير هنا إلى أن معظم نشاطات المصرفية الإسلامية القائمة حاليا هي نشاطات تهتم بالتمويل تتركز في الأشياء الاستهلاكية، وهذا بدوره لا يتواءم مع أهداف الشريعة الإسلامية من تطوير وتنمية اقتصاديات الدول. واستثمارات بنك غلف ون غير قائمة على الإقراض وإنما تساهم في رؤوس الأموال من خلال صناديق استثمارية متخصصة تعتمد في نجاحها على المشاركة في الربحية مع المستثمر بعد تحقيق عائد مجد له.

* كيف هو التعاون بين (غلف ون) والبنوك العالمية الأخرى؟

ـ هناك تعاون كبير وتكامل بين بنك غلف ون وبعض البنوك العالمية بشكل دائم. وعند القيام بصفقاتها التمويلية وخاصة عندما نرتب التمويل في بعض المشاريع بالطريقة الإسلامية، بحيث نضع لها الهيكل الإسلامي الصحيح والاستعانة بمنتجات الاستصناع والإجارة لأنها الأكثر مواءمة مع مشاريع البنية التحتية التي نتخصص بها. ومثال على ذلك عندما قمنا بترتيب القروض لمشروع توسعة مطار الحجاج في جدة مع مجموعة بن لادن السعودية، وضعنا هيكلا إسلاميا للتمويل يعد الأول من نوعه عالميا، لكونه تمويلا لمشروع قائم على البناء والتحويل ثم التشغيل، ورتب بنك غلف ون بترتيب التمويل من 3 بنوك هي بنك كريديه سويس، والبنك الإسلامي للتنمية، وبنك الجزيرة، حيث إن التركيبة الهيكلية المتنوعة لهذه البنوك تعطي بعدا أعمق للتمويل بمشاركة بنك أجنبي في تمويل إسلامي لصفقة طويلة الأجل، وبنك تطويري مثل البنك الإسلامي للتنمية، وبنك محلي إسلامي مثل بنك الجزيرة. وبذلك يأمل بنك غلف ون أن يكون رائدا في تحقيق مبادئ المصرفية الإسلامية في مجالات البنية التحتية بداية لأنها مدعومة بالأصول الحقيقية وهو الأجدر بتطبيق المصرفية الإسلامية عليها.

* ما تحديات العمل المصرفي الإسلامي؟ وكيف ترين مقارنته مع نظيره التقليدي؟ ـ تحديات العمل المصرفي الإسلامي وخاصة الاستثماري كبيرة ومتنوعة، ولكنها ليست مستحيلة بل ممتعة من وجهة نظري، لكن هناك تحدي عدم وجود أسواق تمويلية في هذه المجالات، خاصة أن خصخصة مشاريع البنية التحتية حديثة جدا في منطقة الخليج، ما يعني إنه لم يسبق وضع هياكل تمويلية مطابقة للشريعة لتمويل مشاريع قد يمتد عمرها إلى 50 عاما. وهذا يتطلب الكثير من التقنين والتشريع لعقود تمويلية مختلفة ومتداخلة لتمويل هذه الصفقات، وهو ما نعتبره تحديا ممتعا في بنك غلف ون لأن نأخذ المبادرات التمويلية التي تحقق ربحية عالية للمستثمر ومخاطرة منخفضة جدا وبطريقة تتفق مع تعاليم الشريعة الإسلامية. أما من ناحية مقارنة النظام المالي الإسلامي بالتقليدي، فإنني أرى أن النظام المالي الإسلامي بلا شك هو النظام الفعال اقتصاديا، وما يبرهن على ذلك الانهيار المالي العالمي الآن والناجم عن تبادل صروح من الورق دون أن تدعمها أصول حقيقية كالتي ينادي بها الإسلام. وسبق ذلك انهيار النظام الاقتصادي الشيوعي المعاكس للنظام الرأسمالي الحالي، حيث تتوجه الأنظار العالمية حاليا إلى النظام المالي الإسلامي لاعتقادهم أنه حل مثالي للخروج من الأزمة المالية الحالية.

* ما خطط بنك غلف ون للاستثمار الاستراتيجي؟

ـ خطط «بنك غلف ون» الاستراتيجية هي المضي قدما في التمويل وتقديم الاستشارات المالية الهيكلية لمشاريع البنية التحتية والصناعية القائمة على المعرفة. ولدينا حاليا عدد من المشاريع العملاقة في هذه القطاعات ومنها قطاعات النقل الجوي والبيئة والكهرباء والمياه وبناء الجامعات وغيرها من القطاعات الرئيسة الأخرى التي تشملها رؤية البنك وخططه الاستراتيجية. وأود أن أؤكد ان معظم الصفقات التي يعمل عليها بنك غلف هي فرص تم إيجادها واستحداث فكرتها داخل البنك، ثم تم التوجه إلى الجهات والشركات المسؤولة للتفاهم نحو تنفيذها، وذلك ينطوي تحت رؤية البنك وإيمانه العميق بأن الاستثمار لا بد أن يبنى على «خلق الثروات» وليس على «إدارة الثروات».

* كيف ترين آثار الأزمة المالية العالمية على العمل المصرفي بشكل عام؟ ـ وفقا لواقع لهذه الانهيارات المالية المتتابعة في العالم، أرى أن هناك بعض النقاط الرئيسة التي كانت سببا هاما للأزمة المالية الراهنة، وهي في اعتقادي ليست وليدة اللحظة وإنما تعود لسنوات طويلة وبداية من إلغاء نظام بريتون وودر العالمي الذي أدى إلى إلغاء الغطاء الذهبي للعملات. فأهم أسباب الأزمة المالية العالمية هي في المبالغة في تقديم القروض من دون التأكد من الملاءة المالية، والاستمرار في إيجاد الأدوات المالية من صناديق التحوط إلى التسنيد وغير ذلك من الأدوات التي تعيد إعطاء القروض بناء على القروض المقدمة مسبقا، فيصبح المال المقترض قائما على أصول لا تتجاوز قيمتها 10 في المائة من القروض في النهاية إن لم تكن النسبة أقل من ذلك. كما أن المبالغة في تقييم الأصول الرأسمالية والهوامش المالية عليها من ضمن أسباب الأزمة الحالية، وكذلك ربط عملات الدول الناشئة والنامية بالدولار بدون غطاء ذهبي يدعمها، مقابل ترك الدولار حرا ومقوما بقوة الاقتصاد الأميركي، ويتم تقييم هذه الأصول بشكل مبالغ فيه لم يتطابق مؤخرا مع عجوزات ميزان المدفوعات الاميركي والمشاكل المالية لديه.

* وما الآثار المباشرة وغير المباشرة للأزمة المالية على المصرفية الإسلامية؟ ـ الأزمة المالية الراهنة وجهت الأنظار بشكل قوي نحو المصرفية الإسلامية لتكون الحل المناسب إذا طُبقت معاييرها الحقيقية للخروج من الأزمة والنهوض مرة أخرى باقتصاديات العالم. وعلى سبيل المثال فقد أعلنت الولايات المتحدة انها تريد أن تبحث بعمق أكثر في المصرفية الإسلامية، إيمانا بأنها قد تكون الحل للخروج من الأزمة. كما أعلنت بريطانيا أنها تريد أن تكون مركزا للمصرفية الإسلامية في العالم. فهذا يدل على أن هناك عمقا حقيقيا للمصرفية الإسلامية وحلولا لكل ما يدور حول الأزمة المالية العالمية، ولكن الأجدر بنا نحن كدول إسلامية أن ننطلق بهذه المبادرات ونوجد حلولا مصرفية فعالة، وأن نتفق على هذه الحلول ولا يكون لكل منا طريقته الخاصة في المصرفية الإسلامية. والأهم من هذا أن تنبع من مصرفية الشركات وليس من مصرفية الأفراد التي كانت محور الاقتصاد الإسلامي في الأعوام السابقة، لذلك فالأصلح لنا أن ننطلق بهذه المبادرات ونشجع الاستثمار، لأن المصرفية الإسلامية تتميز بأنها مدعومة بالأصول الحقيقية، فليس هناك ما يدعو للانهيار المالي، وإنما في الخارج كان هناك المتاجرة بصروح من الورق.

* هناك تحذير للأموال الخليجية من الاستثمار بالخارج في ظل دعوات لاستعادة الأموال المهاجرة منها. برأيك ما الحكمة من ذلك؟

ـ نعم هناك تحذير للأموال الخليجية من الاستثمار بالخارج، حيث إن هناك الكثير من الدول الغربية ترحب بالصناديق السيادية الخليجية والاستثمارات الخارجية لسد الفجوة المالية التي حصلت لديها بعد الأزمة المالية. كما أننا لا نعي وعيا كاملا عن الجوانب السلبية أو الضعيفة في الاستثمارات الخارجية الآن، خاصة بعد الأزمة المالية.

* ما هي أكثر الاستثمارات الآمنة بعد الأزمة المالية؟

ـ أرى أن التوجه للاستثمار في شرق آسيا، وخاصة في بعض الصناعات المكملة لصناعاتنا في الخليج والتي تستوعبها أسواقنا وأسواق الشرق الأقصى، ولا بد أن نشكل التكاملات الاقتصادية مع الشرق الأقصى، ولكن ليس في الدول الغربية التي تعاني الآن من كساد واقتصاديات منهارة. وأكثر الاستثمارات الآمنة الآن ووفقا لكبرى التقارير الاقتصادية العالمية هي الاستثمارات في البنية التحتية، لأن عوائدها مستقرة ومخاطرتها منخفضة، وأيضا الطلب عليها لا يرتبط بأسواق بترول أو بعملات معينة وإنما هو طلب مستمر كالطلب على المياه والكهرباء والطرق والمطارات وما إلى ذلك، فهو استثمار لا يتأثر بشكل قوي بالأزمات المالية أو انخفاضات أسعار النفط.

* هل تعتقدين أن الخطوات التي تتخذها البنوك المركزية تجاه المصارف كضخ السيولة كاف لتخفيف آثار الأزمة المالية؟

ـ لا شك أن هذه الخطوات التي تتخذها البنوك المركزية من دعم السيولة في المصارف لها أثرها الايجابي، ولكن هي ليست بكافية لكف الضرر أو النجاة من المشاكل المالية في المستقبل. فالاتجاهات التي يجب أن تأخذها تتكامل مع اتجاهات الوزارات المالية في دول الخليج، وهي بأن تضع سياسات مالية تهدف إلى إعادة استراتيجية الاستثمار وتوجيهها نحو الداخل مع الشرق الأقصى بالشكل التالي حتى تستطيع أن تحقق نموا مستقرا ولا تتأثر سلبا بالأزمة المالية الحالية.