خبراء : تجنب المؤسسات الإسلامية للاستثمار في الأصول السامة.. جنبها المخاطر

أكدوا أن قوة البنوك الإسلامية في استنادها بدرجة أكبر إلى الودائع

تتوسع المصرفية الإسلامية بشكل سريع في أنحاء كثيرة من العالم من بينها اندونيسيا التي يتجاوز عدد سكانها 200 مليون مسلم نسمة («الشرق الأوسط»)
TT

رحب قادة سياسيون ورجال إعمال بتعقل المؤسسات المالية الإسلامية وعدم إقدامها على الاستثمار في الأصول السامة التي كانت تعتبر «غير إسلامية»، وذلك خلال فعاليات منتدى الاقتصاد الإسلامي العالمي، والذي تم عقده مؤخراً في العاصمة الاندونيسية جاكرتا وقال الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانغ يودهيونو خلال المؤتمر «إن الأزمة المالية أثبتت قوة الأساليب المصرفية والمالية الإسلامية»، وأضاف «أن المصرفيين الغربيين لديهم الكثير مما يتعلمونه من التمويل الإسلامي»، في الوقت الذي دعا فيه البنوك الإسلامية للعب دور قيادي أكبر في الاقتصاد العالمي.

ويذهب بعض المختصين بأن التركيز على ما يحرمه القرآن الكريم يصعّب على المؤسسات المالية الإسلامية العمل بالطريقة ذاتها التي تعمل بها البنوك الغربية التقليدية، فعلى سبيل المثال، تحرم الشريعة الإسلامية الاستثمار في الشركات التي تبيع الكحول أو لحم الخنزير، أو الشركات الضالعة في القمار، مما يعني أن أي مصرفي إسلامي يجب أن يضمن للعملاء عدم إعادة استثمار ودائعهم في شركة تمارس عملا يعد «غير إسلامي». بالإضافة إلى تأكيداتهم على وجود قاعدة أساسية أخرى من قواعد التمويل الإسلامي هي تحريم «الربا»، وهي الكلمة التي تؤول على أنها تعني دفع وتقاضي الفائدة على القروض والودائع الادخارية، فبموجب الشريعة الإسلامية، يجب أن تكون المعاملات مدعومة بأصول حقيقية ملموسة مثل الذهب، أو العقارات، أو المعدات.

وقال عبد الغفور، وهو مؤلف في مجال التمويل الإسلامي يتخذ من هولندا مقرا له، في حديث له مع إذاعة أوروبا الحرة «إذاعة الحرية»، إن هذه القواعد المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تحرم على المصرفيين الإسلاميين التعامل في الرهون العقارية غير المباشرة المغلة للفائدة، وهي الأصول المالية التي تقف وراء أزمة القروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة، وهي التي دفعت بدورها العالم إلى هوة الأزمة الاقتصادية الحالية. لكنها لا تحرم على المصرفيين الإسلاميين الاستثمار المباشر في العقارات، التي بدأت تفقد قيمتها في العديد من دول العالم منذ العام الماضي.

وأضاف عبد الغفور أن البنوك الإسلامية غالبا ما تختار العقارات والأشياء من هذا القبيل، وأنه عندما تنخفض أسعار العقارات، فإن محافظ البنوك الإسلامية تنخفض أيضا، الأمر يتوقف على ما إذا كانت هذه البنوك استثمرت مباشرة في العقارات أو من خلال الأوراق المالية، وهنا لا يمكنك إبداء رأي عام حول قوة المصرفية الإسلامية؛ فالأمر يتوقف على كل مصرف على حدة، وعلى كيفية ممارسة هذه البنوك لنشاطها» ويقول البعض في الواقع أنه لا توجد هناك مجموعة ثابتة من القواعد التي تحكم المصرفية الإسلامية. فهي عرضة للتأويل مثلها مثل أحكام الشريعة ذاتها، وخلص بعض علماء الشريعة الإسلامية المتحفظين إلى أن الاستثمار في أسواق الأسهم ما هو إلا شكل من أشكال القمار، وبالتالي فهو محرم بنص القرآن الكريم. لكن هناك آخرين يفسرون القرآن الكريم على أنه يعني تحريم المعاملات التي تجري في اليوم نفسه، بمعنى شراء الأسهم في يوم معين بنية بيعها فور تحقيق ربح. وقد مارس هؤلاء المصرفيون الإسلاميون الاستثمار في الأسهم.

وقال نيل ميلر، وهو من الخبراء البارزين في مجال التمويل الإسلامي وشريك في شركة نورتون روز الدولية للاستشارات القانونية في لندن: «الفكرة هي أن المصرفية الإسلامية في النهاية - من منظور معين- ستعود إلى تقديم الخدمات المصرفية بالطريقة التي كانت تقدم بها. ومن ثم فهي ترتكز على كثير من العلاقات وعلى تحليل المخاطر، وفهم المخاطر والعلاقات في المشروعات أو الشركة المعينة التي تريد تمويلها والاطمئنان إلى ذلك، يجب على الناس أن يرجعوا إلى الأصول».

ولكن ميلر يحذر أيضا من كون البنك بنكا إسلاميا لا يكفي لضمان المناعة على المدى الطويل من الأزمة الاقتصادية. وقال في حديث له مع إذاعة أوروبا الحرة «إذاعة الحرية»، التي تمولها الحكومة الأميركية، إن بعض البنوك الإسلامية رغم ذلك يمكنها أن تتضرر مع اتساع أثر الأزمة حول العالم، مما يدفع أسعار الأراضي والأسهم إلى مزيد من التدهور.

وأضاف ميلر قائلا: «مما لا شك فيه أن البنوك الإسلامية تجنبت أسوأ التجاوزات الخاصة بمشكلة الأصول السامة؛ لأن هذه الأصول كانت تنتمي إلى فئات معينة لم يكن ممكنا الاستثمار فيها. ومن ثم فمن هذا المنطلق، كانت البنوك الإسلامية بمعزل. ومع تطور الأزمة وتحولها إلى ضائقة ائتمانية، أعتقد أن عليكم أن تبدأوا في النظر إلى البنوك الإسلامية في مختلف الدول ومختلف أجزاء العالم».

وأوضح بقوله:«الحقيقة أن الأمر يعتمد بالضبط على طبيعة أصولها المتداولة، فكثير من البنوك الإسلامية تحتفظ بمستويات عالية من العقارات ومستويات عالية من الأسهم الخاصة. وبالتالي فرغم أنها لم تتضرر كثيرا بالديون المشكوك فيها من خلال الإقراض - وهو ما لا يمكنها فعله - فإنها تضررت من وراء تقييمات الأصول، حيث إن بعضا من محافظ هذه البنوك ربما ليس بالمتانة التي كانت عليها في السنوات السابقة».

من جهته، يرى دنكان مكنزي، مدير الاقتصاد في مؤسسة الخدمات المالية الدولية في لندن، أن هناك جوانب أخرى للتمويل الإسلامي ساعدت البنوك الإسلامية على تحقيق أداء أفضل مع تطور الأزمة الاقتصادية وتحولها إلى ضائقة ائتمانية، وهو تجفيف الائتمان الذي صعب كثيرا على أي طرف، بما في ذلك البنوك، الحصول على قرض قصير الأجل.

ويوضح الخبراء أن البنوك الإسلامية تستند بدرجة أكبر على الودائع؛ نظرا لأنها لا يمكنها تمويل أنفسها في السوق بين البنوك التي تدعم البنوك التقليدية. ويقر كبير المحللين فراس أبي علي من خدمة المعلومات المالية الإسلامية بأن البنوك الإسلامية عموما في وضع أفضل للتعامل مع الضائقة الائتمانية، مضيفا أن الاضطرابات وعدم اليقين في النظام المصرفي التقليدي يدفع الآن بعضا من غير المسلمين إلى دراسة خيار المصرفية الإسلامية.

بيد أن النقاد يقولون إن هناك مشكلات أخرى ينبغي أن تجعل المستثمرين يبحثون المسألة جيدا قبل افتراض أن الاستثمار الأموال في مصرف إسلامي يقلص المخاطر بالضرورة.

ويقول بعضهم إن التمويل الإسلامي صار متشابكا للغاية مع النظام المالي العالمي بحيث أنه لا يمكن تجنب المشكلات مستقبلا، ولا سيما في ظل تدهور أسعار الأصول من قبيل العقارات. ويختتم عبد الغفور قائلا إنه لا توجد بيانات حقيقية متاحة للتأكد من ادعاء من يدعي أن البنوك الإسلامية في حمى إلى حد كبير من الأزمة المالية العالمية.

إلى ذلك، فإن الميزانية العمومية التي تقدمها بعض البنوك الإسلامية الكبرى للجماهير ليست مدققة، مما يثير تساؤلات حول المدى الحقيقي لتعرض هذه البنوك للأزمة، حتى وإن كانت استثماراتها تعتبر متوافقة مع الشريعة الإسلامية.