صالح كامل: 10 أعوام من الإقناع لدخول المصرفية الإسلامية إلى فرنسا

د. عز الدين خوجة: يجب عدم حصر المنتجات لاستقطاب رؤوس الأموال الإسلامية

يعول كثير من الاقتصاديين على الانفتاح الفرنسي على المصرفية الإسلامية بانتشارها في البلاد التي تتبع للثقافة الفرنسية («الشرق الأوسط»)
TT

اعتبر مختصون في المصرفية الإسلامية تصريحات كريستين لاغارد وزيرة الاقتصاد والمال والعمل الفرنسية حول الانتهاء من تجهيز البنية التحتية لاستقبال المصرفية الإسلامية في فرنسا، مكسبا كبيرا، مشيرين الى انه يأتي في صالح الاقتصاد الإسلامي وانها محطة تاريخية. وقال صالح كامل رئيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، إن دخول المصرفية الإسلامية إلى فرنسا جاء بعد محاولات كبيرة بذلها رواد الصناعة قبل عشرة أعوام، عندما تقدمنا كمجموعة البركة المصرفية لإنشاء فرع هناك، إلا أنه قوبل بالرفض في حينه، مؤكدا أن الأزمة المالية العالمية الحالية ساهمت في تذليل الصعاب أمام دخول المصرفية الإسلامية في كثير من الدول.

واضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن السماح للمصرفية الإسلامية بدخول الأراضي الفرنسية يعتبر مكسبا كبيرا، وفي صالح الاقتصاد الإسلامي، مشيرا إلى أهمية فرنسا كونها بلدا رائدا للعلمانية في العالم.

وأضاف «أننا كرواد في الصناعة المالية الإسلامية، نرحب بهذه الخطوة الجريئة على اعتبار الثقل الثقافي، الذي تتميز به فرنسا عن بقية دول أوروبا وله تأثير على دول محيطة فيها».

وكانت كريستين لاغارد وزيرة الاقتصاد والمال الفرنسية قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» السبت الماضي، أن عملية مراجعة القوانين المالية الفرنسية من أجل تسهيل استقبال البنى المصرفية التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية قد تم الانتهاء منها، وأن الأرضية أصبحت جاهزة للبدء باستقبال هذه البنى، شرط أن يكون أداؤها متوافقا مع القوانين الفرنسية المرعية الإجراء ومع القوانين الإسلامية.

وجاء كلام لاغارد أمس لـ«الشرق الأوسط» في إطار تقديمها لمحصلة الاستثمارات الأجنبية في فرنسا في عام 2008، حيث احتلت المركز الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة. وتأمل فرنسا أن تدخل سريعا جدا ميدان التسابق على اجتذاب رؤوس الأموال الخليجية والعربية عن طريق اللحاق بركب بريطانيا وألمانيا ولوكسمبورغ، والحصول على حصة من كتلة مالية إسلامية تبحث عن الاستثمار وتقدر بـ600 إلى 700 مليار دولار. وهنا اعتبر الدكتور عز الدين خوجة الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، هذا الحدث محطة تاريخية هامة في فرنسا، التي يزيد عدد المسلمين فيها عن خمسة ملايين نسمة، ويأتي هذا الإنجاز نتيجة حراك واسع بدأ في يونيو 2007، حينما طلب الرئيس الفرنسي ساركوزي من وزيرته كريستين لاغارد تقديم خطة عمل لتعزيز جاذبية سوق باريس المالية. وبين خوجة أن الوزيرة الفرنسية أنشأت في 5 يوليو(تموز) من نفس العام المجلس الأعلى لمكانة باريس المالية، برئاستها ويضم عددا من الخبراء والمتخصصين لوضع هذه الخطة، التي أصبح فيها موضوع تطوير التمويل الإسلامي من عناصرها الأساسية وإحدى أولوياتها.

وتابع خوجة أنه في أوج الأزمة المالية العالمية، حيث كان العالم يبحث عن الحلول والمعالجات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام المالي العالمي، صدر في شهر أغسطس (آب) 2008 تقرير هام عن معهد يوروبلاس المالي بعنوان «التحديات والفرص المتاحة لتطوير التمويل الإسلامي في سوق باريس المالية» وهو تقرير بين فيه أن فرنسا قادرة على أن تصبح مركزا ماليا عالميا في مجال التمويل الإسلامي، وأن التقرير قدم عشرة مقترحات محددة تمكن فرنسا من جذب مليار يورو من المدخرات.

وأضاف الأمين العام للمجلس أن التقرير كان مساعدا لأعمال اللجنة المتخصصة المكونة لتطوير سوق باريس المالية، التي أدت أعمالها إلى صدور القانون المنظم لبعض المنتجات المصرفية الإسلامية بتاريخ 25 فبراير (شباط) 2009 وهي المرابحة والصكوك الإسلامية.

وبين الدكتور عز الدين أن هذه الأحداث المتلاحقة تحمل في طياتها عناصر ايجابية للصناعة المالية الإسلامية، لكنها تحمل في نفس الوقت عددا من المخاطر التي يجب التنبه إليها. كما أن هذه الأحداث ـ والحديث لخوجة ـ تتضمن عددا من المحاذير التي قد تؤثر سلبا في الصناعة، ويستوجب دراسة أبعادها ونتائجها بكل دقة حتى لا يكون هذا التوسع غير منضبط، أو يتخذ أشكالا صورية أو استغلالية، أو يساهم في تفريغ العمل المصرفي من مضمونه وهويته وخصائصه المميزة. وهذا الحذر يجب أن يلازمنا في كل توسع يشمل أي منتج من المنتجات المالية، وأي مؤسسة من المؤسسات الجديدة التي تقدم خدمات مالية إسلامية، وأي دولة من الدول التي تسعى لاحتضان العمل المصرفي الإسلامي والحصول على موقع القيادة كمركز مالي إسلامي عالمي. وقال الدكتور خوجة: الايجابيات وعناصر القبول والتفاؤل للتوجه الفرنسي كثيرة منها المساهمة في خدمة ملايين المسلمين المقيمين في فرنسا، وتمكينهم من التعامل في منتجات مالية لا تتعارض مع معتقداتهم ومبادئهم. وتقديم شريحة جديدة من المنتجات الأخلاقية التي تندرج فيما يعرف بالاستثمار والتمويل المسؤول، وذلك إلى شريحة جديدة من المتعاملين سواء من المسلمين أو المسيحيين أو غيرهم ممن يبحثون عن هذا النوع من التعامل.

كما تتضمن الإيجابيات تمكين المؤسسات المالية الفرنسية من إزالة حالة التناقض القائمة لديها حاليا، حيث إن عددا منها فتح فروعا ونوافذ إسلامية لتقديم الخدمات والمنتجات المالية الإسلامية خارج فرنسا، بينما لم يكن يستطيع ذلك داخلها. ومن هذه المؤسسات بنك باريبا وكاليون وسوسيتي جنرال، وتلبية الرغبات القائمة لعدد من المؤسسات المالية الإسلامية، التي سعت مبكرا إلى الحصول على ترخيص لها في فرنسا. وقد ذكرت المصادر الفرنسية أن هناك ما لا يقل عن ثلاث مؤسسات خليجية سبق لها تقديم طلب في هذا الخصوص.

ومن بين عناصر التفاؤل التي ذكرها الدكتور خوجة، تشجيع الدول العربية والأفريقية الناطقة بالفرنسية للمضي قدما نحو السماح للصيرفة الإسلامية بالتواجد داخلها، وتوفير الأرضية المناسبة لها بما لا يقل عما سيكون متوافرا في فرنسا، وإحياء حركية فكرية حول منظومة المؤسسات المالية الإسلامية، وتوفير مناخ أرحب للجامعات والمؤسسات الفكرية والتعليمية في مجال البحث العلمي ودراسة الصيرفة الإسلامية من مختلف جوانبها.

لكن أمين عام المجلس حذر في الوقت نفسه من بعض التحديات التي يجب التنبه إليها والعمل على تقليصها ومعالجتها حتى تتحقق الفائدة كاملة من عملية فتح الأبواب لاحتضان واستضافة المؤسسات المالية الإسلامية.

وتتضمن هذه التحديات توسيع التسهيلات القانونية التي تقدمها الجهات المسؤولة للصيرفة الإسلامية بما يمكنها من تقديم خدمات التجزئة المصرفية وتمويل الأفراد وتقديم حسابات الودائع الاستثمارية وعدم الاقتصار على الأنشطة الاستثمارية.

كما يجب وضع إطار مالي وتنظيمي متكامل للتمويل الإسلامي وتأسيس المؤسسات المالية الإسلامية وتقديم الخدمات المالية الإسلامية. ومراعاة طبيعة الأنشطة والخدمات المالية الإسلامية والأسس والضوابط والتعبيرات التي تحكمها عند إصدار القوانين المتعلقة بها، والعمل على استشارة الجهات ذات الخبرة والاختصاص في المعاملات الإسلامية قبل إصدار أي قرارات أو أنظمة أو تشريعات.

كما يجب عدم حصر استعمال الأدوات والصيغ والمنتجات المالية الإسلامية فقط لاستقطاب واجتذاب رؤوس الأموال الإسلامية، والعمل على دمج ملايين المسلمين الراغبين في الحصول على خدمات مصرفية تتفق مع مبادئهم الدينية ضمن نسيج المجتمع وتمكينهم من تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، يجب عدم الخلط بين التمويل الإسلامي وتلبية حاجات المسلمين المختلفة من المعاملات المالية وما يحصل أحيانا من تصرفات غير مسؤولة من جهات لها انتماءات حزبية أو فئات دخيلة متمردة تثير الفتن، التي نجدها في المجتمعات والبيئات المختلفة، والاستفادة من التجارب المتقدمة في بعض الدول الإسلامية الرائدة في مجال الصيرفة والمالية الإسلامية. والتنسيق مع المؤسسات الداعمة التي أنشأتها الصناعة المالية الإسلامية لتطوير معاييرها ونظمها وآليات عملها.