خبير مصرفي: اليابانيون قادمون للمنافسة في المصرفية الإسلامية

القري لـ «الشرق الأوسط» : توجه جاد من البنوك اليابانية للدخول في الصناعة

د. محمد بن علي القري
TT

أكد خبير مصرفي إسلامي أن اليابان لم تقف مكتوفة الأيدي أمام التوجه العالمي نحو المصرفية الإسلامية، وأن هناك تحركات جادة من قبل الدولة للدخول في ركب الصناعة المالية الإسلامية.

وقال الدكتور محمد بن علي القري، أستاذ الاقتصاد الإسلامي وعضو العديد من الهيئات الشرعية في البنوك، إن هناك اهتماماً واسعاً بالمصرفية الإسلامية لدى البنوك في اليابان، وبنك اليابان للتعاون الاقتصادي، ومجموعة عمل تضم أكبر ستة بنوك تجارية في اليابان، وذلك للتعاون في إيجاد أرضية قانونية يمكن للبنوك اليابانية من خلالها الدخول في مجال المصرفية الإسلامية.

وبنك اليابان للتعاون الاقتصادي، هو بنك حكومي متخصص في تمويل الصادرات اليابانية والمشاريع التي تشارك فيها الشركات اليابانية وهو بنك كبير يزيد حجمه على البنك الدولي. وأضاف الدكتور القري في حديث خاص لـ «الشرق الأوسط» أن القوانين المنظمة للأعمال في اليابان تختلف عن مثيلاتها في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، لأن الأصل عندهم هو المنع، فلا يسمح للبنوك بممارسة أي عمل إلا إذا أصدر البنك المركزي تعليمات صريحة تسمح به.

وتابع القري «من خلال علاقتي كمستشار لبنك اليابان للتعاون الاقتصادي، قمت بعقد العديد من الاجتماعات خلال الثلاثة أعوام الماضية مع مجموعة العمل المذكورة». وبيّن القري أن هذه الاجتماعات حضرها عدد كبير من المصرفيين ومندوبين من البنك المركزي الياباني وتمت مناقشات مستفيضة انتهت باقتناع البنك المركزي بضرورة تعديل القوانين بحيث يمكّن البنوك اليابانية من الدخول في مجال المصرفية الإسلامية.

وأضاف أستاذ الاقتصاد الإسلامي أنه بناء على هذه الاجتماعات والمناقشات قام البنك المركزي بإصدار تعليمات بشأن ممارسة الأعمال المصرفية الإسلامية من قبل أي بنك ياباني يرغب في ذلك.

وتابع الدكتور محمد القري أن من ضمن ما اشترطه البنك المركزي في ذلك أن يؤسس البنك الراغب في ممارسة العمل المصرفي الإسلامي شخصية اعتبارية مستقلة على صفة شركة ذات غرض خاص وتكون المطلوبات والموجودات الخاصة بالعمل المصرفي الإسلامي مسجلة في دفاترها، وإن كانت الشركة المذكورة مملوكة بصفة مطلقة للبنك المعني. وأفاد القري، وهو عضو في مؤشر «داو جونز» العالمي، أن هذا الإجراء «حسن» ويتحقق من خلاله انفصال واستقلال الأموال عن بقية أموال وحسابات البنك. غير أنه أوضح أنه لم يجر تفعيل هذا التنظيم الجديد من قبل أي بنك حتى الآن، نظراً إلى أنه جاء في وقت تواجه فيه البنوك في اليابان صعوبات الأزمة المالية العالمية وتأسيس شركة ذات غرض خاص، وهو أمر مكلف من الناحية المالية عندهم لأنها تكون مسجلة في اليابان وليس كوحدة مالية خارجية.

وأبان القري أن هناك اهتماماً كبيراً لدى جميع البنوك في مسألة إصدار صكوك وبخاصة بنك التعاون الدولي الياباني الذي يشارك في تمويل مشاريع البتروكيماويات في السعودية وبعض دول الخليج العربي التي تشترك فيها شركات يابانية.

ودلل القري على اهتمام اليابان بهذه الصناعة، بصدور ثلاث كتب باللغة اليابانية عن المصرفية الإسلامية خلال الثلاثة أعوام الماضية من قبل مؤلفين أفراد وعدد من المجموعات.

وحول تأخر الدخول رسمياً في الصناعة المالية الإسلامية من قبل اليابان، أوضح القري أن اليابانيين معروفون بطبيعتهم عن سائر الشعوب، إذ لديهم حرص عجيب ورغبة غير معهودة في الإتقان والتأكد من كل صغيرة وكبيرة قبل الدخول في أي مشروع حتى لو استغرق ذلك زمناً، مبيناً أن دخولهم للمصرفية الإسلامية استغرق زمناً أكثر من المتوقع «ولكنهم قادمون».

وكانت الهيئات التشريعية في طوكيو قد أقرت، خلال الأشهر الأخيرة، قانوناً يمنح المصارف اليابانية تراخيص لافتتاح فروع للتمويل الإسلامي بعد انهيار الأنظمة المالية القائمة. وعقب الأزمة العالمية أصبحت مصارف طوكيو تبحث عن بدائل للطرق التقليدية في الإقراض والمعتمدة على فوائد عالية، حيث أثبتت طرق التمويل التقليدية فشلها. لكن ثمة نشاط ملحوظ في الأوساط الحكومية اليابانية في الوقت الحالي بهدف التعرف على مبادئ المصرفية الإسلامية. كما أن البنوك والشركات المالية اليابانية تتجه حالياً إلى تطبيق التعاملات المصرفية الإسلامية، وتبحث مع جهات سعودية مختصة هذا الأمر. وبدأت الجامعات اليابانية، وعلى رأسها جامعة «كيوتو»، في افتتاح أقسام لتدريس المصرفية الإسلامية. هذا إلى جانب انعقاد الدورة الثانية من منتدى التمويل الإسلامي في طوكيو بعد أن عقد الدورة الأولى في يناير (كانون الثاني) من عام 2007 بالتعاون مع جهات مصرفية ماليزية تعد أقرب نقطة للمصرفية الإسلامية هناك. من جهة أخرى، قال ستارت بوتر ـ الشريك في مؤسسة «بي دبليو سي طوكيو»، إحدى أكبر المؤسسات الخدمية في العالم، في تصريحات أطلقها مؤخراً «إن التمويل الإسلامي موضوع يشغل اهتمام الكثيرين، وهو ببساطة أحد المجالات التي يريدون تشجيعها» في اليابان.

وأشار بوتر في السادس عشر من يونيو (حزيران) المنصرم إلى أنه بسبب نمو التمويل الإسلامي بصورة كبيرة جداً، فإن طوكيو تأمل في أن تنضم إلى مجموعة الدول المتنافسة في هذا المجال، سعياً إلى أن تصبح محوراً للتمويل الإسلامي.

وتعمل الحكومة اليابانية، كي تصل إلى هذه المنزلة، على تكييف القوانين التمويلية وفقاً للتمويل الإسلامي القائم على المرابحة، الذي لا يتعامل بالفائدة.

وتقدمت هيئة الخدمات التمويلية «إف إس إيه»، وهي الجهة الحكومية المشرفة على العمليات المصرفية والأوراق المالية وعمليات التبادل التجاري، بتعديلات على القوانين المصرفية سيتم العمل بها في غضون ستة أشهر، بحسب ما ذكرته صحيفة «فاينانشال تايمز». وستعمل هذه التعديلات على تسهيل عمل مؤسسات التمويل الإسلامي.

وانضم البنك المركزي الياباني في سبتمبر (أيلول) 2007 إلى مجلس الخدمات التمويلية الإسلامية، وهي الهيئة الدولية التي تضع المعايير للتمويل الإسلامي، لكي يعمق من معرفته بأسس التمويل الإسلامي.

وبصورة كبيرة، تزايد اهتمام القطاع الخاص في اليابان بالتمويل الإسلامي. فمن جانبها، ذكرت المجموعة المالية «ميتسوبيشى يو إف جي» أنها تستعد للتعامل وفقاً للشريعة الإسلامية، وذلك عندما يتم إقرار التعديلات القانونية، وبالفعل تم تشكيل فريق لهذا الهدف، بحسب الصحيفة البريطانية.

وفي عام 2007، أصبحت أكبر شركة للتأمين والائتمان في اليابان «إيون كريدت»، أول مؤسسة للخدمات المالية تقدم صكوكاً إسلامية. كما بدأ مصرف ميزوهو، وهو وحدة تابعة لثاني أكبر مقرض ياباني تطبيق النظام المالي الإسلامي لتمويل قرض بقيمة 420 مليار ين ياباني، أي حوالي 3.85 مليار دولار، لصالح مشروع وطني سعودي لتعدين وتكرير خام الفوسفات. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يقوم فيها المصرف الياباني بإدارة عملية تمويل مشروع إسلامي رئيسي إلى جانب المصرف السعودي ـ الفرنسي ومصرف الرياض ومصرف الراجحي، وهي ممارسة بدأت في الانتشار في جميع أنحاء العالم.