دول أوروبية تتسابق للفوز بقطعة من كعكة المصرفية الإسلامية

تريليون دولار قيمة أصول القطاع

المصرفية الإسلامية قد تعيد جزءًا مما فُقد في الأزمة المالية العالمية
TT

أصبحت المصرفية الإسلامية ظاهرة أكثر شيوعا في الغرب. وتدرس بعض البنوك الأمريكية وشركات بطاقات الائتمان فكرة طرح منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، بغرض الاستفادة من العدد المتنامي من المسلمين.

ومن المتوقع أن يتسع نطاق المصرفية الإسلامية خلال السنوات المقبلة، بحسب خبراء الصناعة. فبنك «سيتي جروب» يقدم الآن فعلا منتجات وخدمات متوافقة مع الشريعة الإسلامية إلى عملائه في الخارج. وتقول شركة «فيزا» إنها عملت مع بنوك حول العالم، بغرض تقديم منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وقال جواد علي، محامي التمويل الذي يتخذ من دبي ولندن مقرا له، والمتخصص في صياغة الصفقات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية «إن النظام المصرفي التقليدي يمكنه أن يتعلم الكثير من هذه الفكرة».

وأضاف علي «لم نحقق ربحا مثل ما حققته البنوك التقليدية، لأننا لا نستطيع - على سبيل المثال - أن نبيع ما لا نملكه، بل يجب أن نمتلك الشيء قبل أن نبيعه. ربما فاتنا بعض الربح في أوقات الرخاء.. ولكننا لم نتكبد أي خسائر».

وبالطبع ليس هناك ما يضمن أن تجد البنوك في التمويل الإسلامي حصانة من تراجع النشاط الاقتصادي العالمي. وهنا يشير آفاق خان، رئيس بنك «صادق»، الذراع المصرفية الإسلامية لبنك «ستاندارد تشارترد»، الذي يتخذ من لندن مقرا له «إذا تباطأ النشاط الاقتصادي الحقيقي بشكل كبير، فإن صناعة المصرفية الإسلامية سوف تتأثر أيضا».

وحسب تقديرات بنك «دويتشه»، فإن إجمالي الأصول في سوق التمويل الإسلامي يبلغ تريليون دولار، وهي نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية، ولكن البنك قال في تقرير صدر مؤخرا «إن القطاع ينمو بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20 في المائة سنويا».

ومعظم البنوك الدولية الكبرى أصبح لديها الآن فروع للمصرفية الإسلامية. وتتسم البنوك الإسلامية بمرونة نسبية في مواجهة الانكماش في النشاط التجاري العالمي، بحسب تقرير حديث صادر عن خدمة «مودي» للمستثمرين.

وحول إمكانية التعامل مع المصرفية الإسلامية، قالت ليزا ويسترمان، المتحدثة باسم مصرف «ويلز فارجو»: «فيما يتعلق بالمستقبل، نحن دائما نترقب الفرص من أجل خدمة أفضل لعملائنا، ولكن استراتيجيتنا المحددة شيء خاص بنا».

ومن جهة أخرى، قالت أمل بري براون نائبة رئيس «بنك كوميريكا»، وهو بنك إقليمي مقره دالاس بولاية تكساس الأميركية «إن المصرفية الإسلامية فكرة، تأخر كثيرا وصولها إلى هذا البلد، وفي الوقت نفسه هناك قدر كبير من العمل ينبغي إنجازه». يشار أن «بنك كوميريكا» لديه قاعدة عملاء قوية حول ديترويت، موطن أكبر تجمع للمسلمين في الولايات المتحدة.

وبحسب مصطفى جولتكين، أستاذ التمويل بجامعة نورث كارولينا في تشابيل هيل، فإن هناك «اختلافا كبيرا» داخل الشريعة الإسلامية حول الممارسات المالية التي تعتبر جيدة، أو سيئة.

إلى ذلك، تؤسس المصارف الإسلامية لإنشاء فروع لها في جميع أنحاء أوروبا. وتوفر المصارف الغربية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتنافس الحكومات الأوروبية بعضها البعض في الترحيب بهذا النوع من الخدمات.

ويقول أنصار المصرفية المتوافقة مع الشريعة إن النظام المصرفي الإسلامي «أكثر أخلاقية» من النظام الرأسمالي الغربي. ففي عصر لحق الكساد فيه بالأسواق المالية، أصبح العديد من الغربيين، وليس فقط اليسار الأوروبي التقليدي المناهض للرأسمالية، حريصين على تبني وجهة نظر المعاملات الإسلامية.

ففي الرابع من مارس (آذار) الماضي، أعربت صحيفة «الفاتيكان» عن قبولها للنظام المصرفي المتوافق مع الشريعة. وقالت الصحيفة «يمكن للمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها التمويل الإسلامي أن تقرِّب المصارف من عملائها بصورة أكبر من الروح الحقيقية التي ينبغي أن تتسم بها كل الخدمات المالية». وأشار المقال، الذي جاء بعنوان «مقترحات وأفكار التمويل الإسلامي لأزمة الغرب» إلى أن القواعد الأساسية للتمويل الإسلامي يمكن أن تخفف من معاناة الأسواق المالية، وبخاصة الأنظمة المالية العالمية. ويذكر المقال أنه في ظل الأزمة الراهنة ينبغي أن تأخذ المصارف المسلمين كمثال على أن نظام التمويل الإسلامي قد يمهِّد الطريق لإنشاء قواعد جديدة في العالم الغربي.

إن المصارف الإسلامية، أو المصارف المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، تختلف عن المصارف التقليدية في شيئين رئيسيين.. أولاً، يحرّم القرآن الكريم الفوائد في جميع المعاملات النقدية. ثانياً، تخضع المصارف الإسلامية لإشراف مجلس من علماء ورجال الدين المسلمين، الذين يتمثل عملهم في التأكد من أن نشاط المصارف يتوافق مع أحكام الشريعة.

ويقول المؤيدون إن المصارف الإسلامية «تتفوق أخلاقيا» على المبادئ الرأسمالية للغرب «المادي»، حيث إنه طبقا لجيوفاني ماريا فيان، محرر «أورسرفيتور رومانو»، فإن المصارف المتوافقة مع الشريعة تراعي «البعد الإنساني للاقتصاد».

وترى هيلانا كريستوفي، الخبيرة في الصيرفة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، أن المصارف الإسلامية توفر نوعاً من «الائتمان» الإسلامي، يُدعى «المرابحة»، يعرّض المقترض لخطر يشبه ذلك المتعلق بالفوائد.

وأوضحت كريستوفي «إذا كان هناك بنك إسلامي يوفر ائتمان المرابحة لأحد عملائه لشراء سيارة، على سبيل المثال، فإنه يقوم بشراء السيارة للعميل بمبلغ 15 ألف دولار، ويكون العميل مدينا للبنك بمبلغ 20 ألف دولار، عليه أن يسدده في غضون سنة، وبالمثل، في إطار ائتمان المشاركة المتناقصة»، وهو النسخة الإسلامية من الرهن العقاري، يقوم البنك والعميل بشراء الملكية معاً. ويجب على العميل أن يسدد مدفوعات شهرية للبنك، ودفع رسوم الإيجار الشهري، وكلاهما يقوم على جزء من ثمن الشراء الذي دفعه البنك.

وتتكون المجالس الشرعية المشرفة على المصارف الإسلامية والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية التي تقدمها المصارف الأوروبية العادية من أعضاء من المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث.

ومع تزايد عدد السكان المسلمين، هناك تزايد في الطلب الداخلي على توفير «بديل أخلاقي» للمصرفية التقليدية للمسلمين. في عام 2006، أظهر استطلاع أجراه بنك «لوديز ترسيتي سيفينغز» في بريطانيا أن أكثر من 75 في المائة من المسلمين البريطانيين يريدون المنتجات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، بينما في عام 2005 قال المفتي بركات الله، مستشار الشريعة لبنك «لوديز ترسيتي سيفينغز» ، وهو أحد الأئمة في مسجد بشمال لندن، أن 20 في المائة من الأسئلة التي تلقاها حول المنتجات الإسلامية في البنك جاءته من أشخاص غير مسلمين، اقتنعوا بفكرة أن الرأسمالية المصرفية التقليدية تتسم بأنها غير أخلاقية على نحو ما.

وبيَّن ألون ويليامز، مدير التسويق في «البنك الإسلامي البريطاني»، الذي تم إنشاؤه في عام 2004، وهو أحد أول المصارف المتوافقة مع الشريعة في أوروبا، وذلك خلال تصريحات صحفية في أبريل (نيسان) 2005، أن «أكبر شريحة من العملاء بالنسبة لنا خارج إطار المجتمع المسلم هم هؤلاء الذين يشعرون بالمعاناة والمرارة الناجمة عن تعاملهم مع المصارف التقليدية. إن غير المسلمين مفتونون بنا، وينجذبون إلينا أكثر من ذلك؛ لأننا نعتزم تقديم منتجات إسلامية، مع مراعاة البعد الأخلاقي».

كان ذلك قبل أربع سنوات. وفي غضون ذلك، ازدهرت الخدمات المصرفية الإسلامية ازدهاراً كبيراً في جميع أنحاء أوروبا، وازداد اهتمام غير المسلمين في أعقاب الأزمة المالية، التي يرى البعض، مثل صحيفة «الفاتيكان»، أنها ناجمة عن نموذج السوق الحرة واستفحاله «بصورة فاحشة وسيئة في العقدين الماضيين».

أمام ذلك، واصلت الحكومة البريطانية تشجيع بريطانيا لتكون مركزاً للعمليات المصرفية الإسلامية. وترحب الحكومات الغربية بالمصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، نظرا إلى ما تستقطبه من الأموال الكثيرة للمهاجرين المسلمين، وغير المسلمين والمستثمرين من الدول الإسلامية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2008، بحث مجلس الشيوخ الفرنسي النظر في السبل الكفيلة بالقضاء على العقبات القانونية التي تعترض سبيل المنتجات والخدمات المالية الإسلامية في فرنسا. وأعلنت كريستين لاجارد وزيرة المالية الفرنسية عن نية فرنسا لجعل باريس «عاصمة للتمويل الإسلامي»، وقالت إن العديد من المصارف الإسلامية ستفتح لها فروعا في العاصمة الفرنسية في عام 2009. وتقدّر المصادر الفرنسية هذا المجال من السوق المالية بقيمة تتراوح من 500 إلى 600 مليار دولار، ومن الممكن أن ينمو بمعدل 11 في المائة سنويا.

وفي يوليو(تموز) 2007، قال فاوتر بوس، وزير المالية الهولندي (وزعيم حزب العمل): «إن الحكومة الهولندية تشجع الأعمال المصرفية الإسلامية، على الرغم من خطورة هذه الخطوة التي يرى البعض هناك أنها تعمل كحصان طروادة في النظام المصرفي الغربي لصالح الجماعات المتصلة بالإرهابيين».

وأضاف وزير المالية الهولندي «يأتي هذا التشجيع لأن الخدمات المصرفية الإسلامية، في المقام الأول، تلبي حاجات المسلمين الذين يعيشون في هولندا. ثانيا، إنها فرصة بالنسبة للقطاع المالي في هولندا. والسبب الثالث هو أن حظر المصرفية الإسلامية من منظور مكافحة الإرهاب سوف تكون له نتائج عكسية. وإنكار وجود حاجة فعلية يمكن أن يؤدي إلى تدفق الأموال نحو قنوات بديلة، بعيداً عن أعين الحكومة».

سويسرا، أيضا هي الأخرى تريد حصتها في العمليات المصرفية الإسلامية. فقبل سنوات، فتحت المصارف السويسرية بالفعل فروعا لها في الشرق الأوسط، حيث تقدم منتجات مالية عالمية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لأثرياء العرب.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2006، منحت السلطات السويسرية رخصة مصرفية لأول بنك من سويسرا يعمل وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية. وبعد ذلك ظهرت هيئات أخرى في المجال نفسه. وقال جون ساندويك العضو المنتدب لشركة إدارة الأصول السويسرية «لم يوفر الغرب ما يكفي من المنتجات المالية لعملائه من المسلمين»، مضيفا «وإذا لم نبذل أي جهد على الإطلاق، أخشى أن العالم سيتجاوز سويسرا في سباقه للسيطرة على الجائزة الكبرى، وهي اليوم مئات المليارات، ولكن في المستقبل ستكون تريليونات الدولارات من الثروة الإسلامية».

ومن جهته، قال مايكل فؤاد شاهين من مؤسسة «كريديه سويس»: «كان تطوير الخدمات المصرفية الإسلامية يقتصر حتى الآن على البلدان التي لديها نسبة عالية من المسلمين، ولكن هذا الوضع بدأ يتغير مع تزايد عدد المنظمين العالميين الذين اقتنعوا بأهمية الشريعة. وتُعرف الآن بالمصرفية المسؤولة اجتماعيا».