الأزمة المالية تكشف المستور

لاحم الناصر

TT

كنت أحد الأيام في زيارة صديق لي يعمل في أحد المصارف العاملة في قطاع الصيرفة الإسلامية، فشاهدت على مكتبه درعا يشير إلى فوز المصرف بإحدى الجوائز التي تمنحها إحدى الجهات المشهورة في هذا المجال، فوجدت أنه من الجميل تهنئته بذلك. لكنني صدمت من ردة الفعل التي قابلني بها، حيث شكرني على التهنئة وأتبعها بنصحي بعدم الاكتراث لهذه الجوائز أو إلقاء بال لها، حيث إنها تمنح وفقا لعدد الطاولات التي يحجزها في حفل هذه الجهة، وبالتالي فهي جوائز غير مهنية. لا شك أن صاحبي قد أسدى إليّ معروفا بصنيعه هذا، حيث أكد شكوكي حول مصداقية الكثير من هذه الجوائز التي كانت تراودني منذ فترة طويلة، نظرا لكثرتها وتعدد الجهات المانحة لها وعدم وجود أي شفافية من قبل الكثير من المانحين في معايير الاختيار، بل إن البعض منها يعتمد في منحه لهذه الجوائز على أساليب لا يمكن أن يعتد بها. ومنها على سبيل المثال رسائل البريد الإلكتروني، حيث يرسل استبيان للقوائم البريدية المسجلة في قاعدة بياناته يطلب فيه ممن يتلقونه تعبئته، ومن ثم يقوم بمنح الجائزة هذه أو تلك لمن يحصل على غالبية أصوات المستطلعة آراؤهم مع أن الكثيرين منهم قد يكونون غير ذي دراية بما تم استطلاع آرائهم فيه. لقد جاءت الأزمة المالية العالمية لتكشف المستور في هذا الجانب كما كشفته في جوانب عدة مثل التصنيف الائتماني والعلاقة بين مؤسسات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية المصنفة التي وصفتها محللة أمريكية على موقع «السي إن إن» العربية بأنها علاقة سفاح وهو ما حدا بقمة العشرين أن تضع مسألة ضبط عمل مؤسسات التصنيف الائتماني على جدول أعمالها لما في عملها من تضارب للمصالح كان أحد أسباب الأزمة المالية العالمية. ولا ريب أن تضارب المصالح أوضح وأشد في مسألة الجوائز التي تمنحها هذه الجهات، خاصة إذا علمنا أن هذه الجهات المانحة للجوائز لا تحكم عملها أي قواعد مهنية ولا تعمل تحت أي مظلة رقابية أو جمعية مهنية مستقلة تضع لها المعايير وتراقب عملها. ولذا فكثيرا ما نجد أن الجهة الفلانية قد منحت المؤسسة الفلانية جائزة أفضل مؤسسة مالية لهذا العام، بينما منحت جهة أخرى جائزة بنفس المسمى لمؤسسة أخرى، وبالتالي فإن ما يحكم عمل الجهات المانحة لهذه الجوائز هو مصالحها الآنية، وهو ما أظهرته الأزمة المالية الراهنة. حيث تبين أن الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية وغير الإسلامية ممن حصلت على مثل هذه الجوائز، كانت من أكثر المؤسسات تأثرا بهذه الأزمة ومن ثم فإن العقل والمنطق يقول إنه لا يجب الوثوق بهذه الجوائز المقدمة والاحتفاء بها واعتبارها دليلا على أهلية هذه المؤسسة أو تلك للتعامل معها. فضلا عن أن يكون لها أي تأثير على قرار منح الائتمان لهذه المؤسسة أو تلك من قبل المؤسسات المالية المانحة. إلا أن الواقع خلاف ذلك، حيث أصبحت هذه الجوائز بمثابة الفخاخ للعملاء ومؤسسات التمويل، وهو ما دفع المؤسسات المالية الإسلامية للتزود من هذه الجوائز قدر المستطاع مع الاحتفاء بها وإبرازها. فتجد بعضها قد حصل على 30 جائزة والبعض على 20 جائزة في العام من مؤسسات مختلفة، فهذه جائزة لأفضل عملية تمويل، وهذه جائزة لأفضل هيكل وأخرى للتمويل الفردي إلى ما هنالك من جوائز تتكاثر كما يتكاثر الفطر أينما وجد من يدفع حتى أنك لا تستطيع أن تحصيها اليوم من كثرتها. فأصبح حال المؤسسات المالية الإسلامية مع هذه الجوائز كحال الشاعر العربي عندما قال: تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد. ومن ثم، فإنني أرى أنه يجب على الجهات الرقابية في العالم ومنها العالم الإسلامي تحديد المسئوليات القانونية التي تترتب على الجهات المانحة لهذه الجوائز في حال تبين عدم دقتها أو مصداقيتها أو تسببها في الإضرار بمصالح الآخرين. كما أرى أنه يجب على الجهات الرقابية كذلك عدم السماح للمؤسسات المالية بالترويج لنفسها عبر استخدام هذه الجوائز إلا بعد التأكد من صحة القواعد التي تم المنح بموجبها.

وبما أن الحديث عن المؤسسات المالية الإسلامية، فإنني أقترح على المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تبني تنظيم هذه الصناعة ووضع المعايير والأسس المهنية لها وإنشاء جمعية تحت مظلته تجمع المؤسسات المؤهلة لمنح مثل هذه الجوائز لأن هذه الجوائز هي بمثابة شهادة في الشريعة الإسلامية يجب أن تؤدى على وجهها. قال تعالى: «ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا». والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]