هل فشلنا في تقديم النظام المالي الإسلامي للعالم؟

TT

أصيب العالم الغربي، جراء الأزمة المالية التي حلت به، بصدمة عنيفة جعلته يفقد ثقته في النظام المالي القائم؛ فتنادى الكثيرون منهم بالبحث عن بديل لهذا النظام، ورأى البعض منهم، وعلى رأسهم الفاتيكان، أن البديل هو النظام المالي الإسلامي، حيث دللوا على صلاحية هذا النظام بصمود المؤسسات المالية التي تأخذ به في هذه الأزمة، وعدم تعرضها لما تعرضت له المؤسسات التقليدية من خسائر وإفلاسات، إلا أن رد فعل العالم الإسلامي على هذه الدعوات لم يتعد نطاق الاحتفاء بها إعلاميا وخطابيا، دون أن تكون هناك جهود تذكر لاستغلال هذا الانفتاح على النظام المالي الإسلامي. ويأتي ذلك عبر وضع خطة عمل تتكاتف فيها جهود المؤسسات المالية الإسلامية، والمؤسسات العلمية، والجمعيات المهنية، بحيث يتم تكوين فرق عمل متعددة تعمل على إيجاد نموذج عمل للأسواق المالية الإسلامية، ووضع أدلة ومعايير لكيفية عمل هذه الأسواق، ووضع خطط مفصلة لكيفية الترويج للنظام المالي الإسلامي، وشرح أصوله، وبيان قوته وأهميته في حماية المجتمعات من الأزمات. وقد سبق أن تكلمت عن هذا باستفاضة في مقالات لي سابقة، وحذرت من أن هذه الأزمة قد تمر دون أن نستفيد منها، إنْ لم ننتقل من الأقوال إلى الأفعال، وهو ما تحقق بالفعل، حيث زف لنا خبر هذا الفشل رئيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الشيخ صالح كامل في تصريح له لموقع الأسواق نت. والحقيقة أنني لم أفاجأ بهذا الفشل، ولكني كنت سأفاجأ بالنجاح لو حصل!، لماذا..؟، لعلمي بالواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص الصناعة المالية الإسلامية، حيث التشرذم والبحث عن المصالح الآنية الضيقة، والبعد عن العمل المؤسسي المنظم. وحتى لا يكون الكلام على عواهنه بلا خطام ولا زمام، سأضرب مثالا على هذا التشظي الحاصل في الصناعة المالية الإسلامية بمثالين، أولهما المعايير المحاسبية الإسلامية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي تعتبر استرشادية، وليست إلزامية، حيث لم تلتزم بتطبيقها سوى البحرين، وقطر، ومركز قطر المالي، ومركز دبي المالي الإسلامي، والسودان، وسوريا، والبنك الإسلامي للتنمية. ولولا أن أخذت هذه الأسواق مبدأ الإلزام بها؛ لما وجدت لها أثرا يذكر، حيث يتحاشى الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية تطبيقها، مع أن الكثير منها أعضاء في الهيئة!. والمثال الثاني على هذا التشظي هو تعدد المجامع الفقهية، ففي المملكة العربية السعودية وحدها يوجد مجمعان فقهيان، الأول تابع لرابطة العالم الإسلامي، والآخر تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إضافة إلى تعدد الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية مع مجابهة أي فكرة تدعو إلى وجود هيئة شرعية عليا أو موحدة للرفض من قبل أعضاء الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية؛ مما أدى إلى انتفاء المعيارية في النظام المالي الإسلامي، التي هي مطلب أساسي لدمج النظام المالي الإسلامي في المنظومة المالية العالمية. كما أن النظام المالي الإسلامي لا يوجد في الواقع العملي، إلا في قطاعين، هما الصيرفة والتأمين (مع ما يعتري هذا الوجود من إشكالات تتمثل في عدم تحقيقه للمقاصد الشرعية).. فلا يوجد تطبيق للنظام المالي الإسلامي كنظام متكامل في أي سوق من الأسواق المالية الإسلامية، وبالتالي فلا يمكن الحديث عن وجود نظام مالي إسلامي جاهز للتطبيق يمكن أن يكون بديلا عن النظام الحالي، ومن هنا يمكن ترديد المثل القائل (فاقد الشيء لا يعطيه). ومع فشلنا في تقديم النظام المالي الإسلامي للعالم، إلا أنني ما زلت متفائلا بأن هذا النظام سيجد له موطئ قدم في عالم المال والأعمال، ولو بشكل جزئي، وأنه سيشهد رواجا لم يسبق له مثيل في السنوات القادمة، لما يحققه من مصالح عديدة للكثير من الأسواق والشركات العالمية الباحثة عن السيولة، والأسواق النشطة الشابة الموجودة في العالم العربي، وعلى وجه الخصوص دول الخليج، إذ تتمتع المنطقة بفائض نقدي هائل ناتج عن الطفرة في أسعار النفط، إضافة إلى مشاريع التنمية والبنى التحتية الهائلة التي تقوم حكومات المنطقة بتنفيذها، ولا يمكن الفوز بحصة مجزية من هذه الأسواق، سوى بالعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، حيث يفضل أكثر من 90 في المائة من المستثمرين المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، حتى ولو كانت أقل في نسبة العائد من المنتجات التقليدية. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]