مؤتمر المصارف الإسلامية: التمويل الإسلامي قوي ومتين

الصيرفة الإسلامية عريقة في السعودية وقوية بدعم المودعين

مؤتمر المصرفية الإسلامية بدأ أعماله في دبي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

فيما ينوء النظام المالي التقليدي تحت وطأة ثقل ديون مهولة، وفي وقت أخفقت فيه القوة السحرية المالية لهذا النظام، بدا التمويل الإسلامي في وضع متين وقوي نسبيا، هذا القطاع الشاب السريع النمو أضحى في الوقت الحاضر عنصرا يجذب المزيد والمزيد من المؤيدين له، جاء بعضهم من مواقع غير متوقعة.

آفاق الصيرفة الإسلامية ومستقبلها في ظل الأزمة المالية العالمية وغيرها من القضايا التي تهم سوق الصيرفة الإسلامية، كانت من أبرز القضايا التي تناولها المشاركون في مؤتمر المصارف الإسلامية الذي افتتحه الشيخ ماجد بن محمد بن راشد، رئيس هيئة الثقافة والفنون بدبي صباح أول من أمس.

وأوضح الدكتور أحمد حميد لوتاه، مدير الفروع بمصرف دبي، أن المصارف الإسلامية تختلف عن البنوك التقليدية في أنها لا تتعامل بالإقراض والاقتراض فلا وجود للفائدة أخذا وعطاء، بل تعمل على أساس تحمل المخاطر والمشاركة في الربح، لذلك العلاقة بينها وبين متعامليها علاقة مشاركة ومتاجرة ولا تستخدم الأموال بصورتها النقدية، بل تتعامل بأعيان السلع والخدمات وعمليات المتاجرة فتمويلاتها عينية لا نقدية ورأس المال يشارك في المخاطر ويتحملها وحده إلا إذا ثبت تعد أو تقصير المضارب.

لذلك لجأ الكثير من المصارف التقليدية في الغرب إلى اعتماد أسس الصيرفة الإسلامية في تمويلاتها العقارية كمصرف دالتون الأميركي الذي يعد من أبرز المؤسسات المصرفية الأقل تأثرا بالأزمة المالية العالمية.

ويعلق بقوله:«يقيم في الولايات المتحدة أكثر من أربعة عشر مليون مسلم يقبل كثير منهم على التعامل مع مصارف إسلامية أو تقليدية تتبع أسس الاقتصاد الإسلامي في تعاملاتها ما أثبت نجاعة الأخير في تعاملاتها».

ويعزو الدكتور أحمد أهم أسباب خسارة الكثيرين لقيمة عقاراتهم بالبحث عن الربح السريع ويفصل هذا السبب بقوله: «على سبيل المثال من اشترى عقاره بسعر وصل لدى البعض إلى سبعة ملايين درهم فوجئ في ظل الأزمة بنزول السعر إلى مليونين، وسبب ذلك بالطبع هو المبالغة الكبيرة في الأسعار وعدم إدراك المرء بأنه يشتري عقارا أصله ضعيف ولا يختلف اثنان في أن الفائدة السريعة حتما تعقبها خسارة أسرع». وتوقع الدكتور أحمد أن يعقب هذه الأزمة تصحيح سعري يتيح للمقيمين في الدولة فرصا ذهبية واسعة للعمل والإقامة من دون اللجوء إلى بدائل كترحيل الأفراد لعوائلهم واللجوء للسكن المشترك، مستبعدا أن ترتفع أسعار العقارات في المرحلة الحالية على أقل تقدير فهي دورة اقتصادية لا مفر منها على حد تعبيره.

ورغم نجاح النظام الإسلامي المصرفي في جذب العديد من المؤسسات المالية، إلا أن الدكتور محمد الطبطبائي، عميد كلية الشريعة في الكويت، لم ينف هذا التأثر عن الشركات الإسلامية من دون المصارف ويفصل ذلك بقوله: «هناك نوعان من الأزمات، الأولى مست المصارف الإسلامية، والثانية مست الشركات الإسلامية، الأزمة بالنسبة للمصارف لم تكن على حد كبير يمس باستمراريتها إلا من بعض المصارف الصغيرة التي اعتمدت على بعض الاستثمارات مع شركات إسلامية، أما الشركات المالية الإسلامية الاستثمارية والعقارية فطالها النصيب الأكبر من التأثير من خلال تركيزها على المجال العقاري من دون الخدمي الذي استمر من دون تأثر كبير بالأزمة».

ويعتقد الدكتور الطبطبائي في أن الحل يكمن في قيام تلك الشركات بالتركيز على الجانب الخدمي بالتوازن مع العقاري والاستثماري. ويؤكد الدكتور الطبطبائي أننا لسنا أمام أزمة تشريعات، بل هي مشكل ضعف استثماري في سوق الخدمات أدى لتساقط كثير من الشركات المالية الإسلامية كأثر لتبعات الأزمة الإقتصادية العالمية. أخيرا شدد الدكتور الطبطبائي على ضرورة دخول تلك الشركات في مجال الخدمات المجتمعية كخدمات الاتصالات والتأجير العقاري وعدم الاكتفاء بدور التمويل والرهونات العقارية. ويعد الاقتصاد السعودي كما يصفه الدكتور يوسف عبد الله الشبيلي، الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء في الرياض، أنه من أكثر المناخات التي أثبتت نجاح النظام الإسلامي المصرفي كون البنوك والمصارف الإسلامية في المملكة لها امتداد عريق يعود إلى طبيعة المجتمع المتدين الذي يبتعد قدر الإمكان عن التعامل مع البنوك التقليدية، بمعنى آخر تمتاز المصارف الإسلامية في السعودية بأنها تتلقى دعما كبيرا من المودعين ما جعلها تسهم بقوه في استقرار الاقتصاد وابتعاده عن المخاطر. ويتفق الدكتور الشبيلي مع الدكتور الطبطبائي بوجود تشريعات للصيرفة الإسلامية، إلا أن الحاجة لتوحيد الأخيرة في هيئة تقدم خارطة تشريعية موحدة للمصارف الإسلامية يجب أن تكون على قمة الأولويات خلال المرحلة المقبلة للمسؤولين عن سوق المصارف الإسلامية.

معلوم أن الصيرفة الإسلامية شهدت نموا بوتيرة مذهلة خلال العقد الماضي، والبعض يقول إنها تجاوزت بالفعل حاجز الـ1000 مليار دولار الرمزي، كما يتوقع معظم المراقبين أن تواصل الصناعة نموها رغم الركود الاقتصادي، ومع ذلك لا يجب المراهنة على أن الرحلة لن تكون وعرة.