لائحة الصكوك

لاحم الناصر

TT

في جميع الدول المتقدمة تشريعيا والتي لديها تقاليد قانونية راسخة، نجد دائما أن التشريع دائما يعتبر مرحلة سابقة للتنفيذ، ومن هنا نجد أن الحكومة البريطانية عندما فكرت في وقت من الأوقات أنها قد تطرح صكوكا إسلامية سيادية سعت إلى طرح مسودة هذا المشروع على المختصين لاستمزاج الآراء حوله للوصول للصيغة التشريعية والتنظيمية المثلى لهذه الأداة المالية الحديثة النشأة. واستندت الحكومة البريطانية في ذلك لعدم وجود تشريعات لهذه الصكوك سوى في بضع دول. كما أن بعض هذه التشريعات لا ترقى إلى أن تكون قانونا مكتوبا بقدر ما هي إرشادات. ومن هنا فإنه يجب على هيئة السوق المالية السعودية وقد حزمت أمرها في إنشاء سوق مالية ثانوية للصكوك، أن تأخذ بالتجربة البريطانية وهي الدولة العريقة في مجال التقنين والتشريع في وجوب وجود لائحة خاصة بإصدار الصكوك وبعمليات التصكيك، بحيث تكون قانونا يمكن الرجوع إليه وتشريعا يمكن الركون إليه والتحاكم إليه، قانونا يقوم على الكتاب والسنة. ويجب أن يكون القانون مفصلا ودقيقا بحيث تتقلص المساحة التي يمكن للقاضي الاجتهاد فيها، ويا حبذا لو تم عرض القانون على مجلس الشورى لدراسته وإقراره، بحيث يكون القانون قد مر عبر القنوات التشريعية المتعارف عليها دوليا. كما أن على مجلس الشورى في حال تم عرض مشروع القانون عليه إعطاؤه الأولوية في الدراسة والمصادقة، بحيث يتم إطلاق سوق الصكوك في الوقت المحدد.

لا شك أن توفير البيئة القانونية المثالية لإصدار الصكوك يوجب التعاون والتنسيق بين جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة مثل وزارة التجارة ووزارة المالية ووزارة العدل ومجلس الشورى مع هيئة السوق المالية، حيث يتطلب توفير مثل هذه البيئة تعديل نظام الشركات مما يسمح بإنشاء الشركات ذات الأغراض الخاصة SPV والتي يعتبر وجودها أمرا ضروريا في هياكل الصكوك وفي عمليات التصكيك. حيث يتم نقل أصول الصكوك لها، وإعادة النظر من قبل وزارة المالية في نظام أملاك الدولة وإضافة بعض المواد التي تسمح ببيع أو تأجير بعض أملاك الدولة على المستثمرين بهدف إصدار الصكوك هذا في جانب التشريع.

أما في الجانب القضائي، فإنني أرى أنه قد آن الأوان ومع التنظيم القضائي والعدلي الحالي، أن يتم ضم جميع اللجان القضائية وشبه القضائية المنتشرة في الكثير من المؤسسات الحكومية، ومنها لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية المنضوية تحت هيئة السوق المالية والمعينة من قبل مجلس الهيئة للجسم القضائي العدلي حتى تكتسب الصفة القضائية العدلية التي تمنحها الاستقلالية. وهذا ما طالب به بعض أعضاء مجلس الشورى أخيرا، حيث إن الوضع القائم بوجود هذه اللجان يتعرض لكثير من الانتقاد في مجال عدالته لوجود تعارض للمصالح وعدم اليقين من استقلالية هذه اللجان عن الجهات المنضوية تحتها والمعينة من قبلها. أما في جانب الإجراءات فيجب على الهيئة أن تضع دليلا كاملا وواضحا ومفصلا بالسياسات والإجراءات والمتطلبات اللازمة لإصدار الصكوك، بحيث تستطيع أي شركة معرفة مدى إمكانية قيامها بذلك من عدمه بمجرد الرجوع لهذا الدليل، مما يقلل من هدر الوقت والمال بالنسبة للشركات والهيئة. وحيث إن الصكوك أداة مالية تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية فيجب على الهيئة حين صياغة لائحتها التنبه لما يلي: أولا: وجوب وجود موافقة الهيئة الشرعية على هيكل ومستندات الصكوك المراد إصدارها، ومن هنا تكمن أهمية وجود هيئة شرعية لهيئة السوق المالية، حيث إن غالبية الشركات عدا الشركات المالية لا يوجد لديها هيئة شرعية. كما أن وجود هذه الهيئة الشرعية مهم للموافقة على الإصدارات الحكومية.

ثانيا: في حال التصنيف الائتماني يجب على الهيئة تولي ذلك بحيث تتعاقد الهيئة مع الشركة، شركة التصنيف على حساب المصدر وذلك لضمان حيادية التصنيف أو على الأقل مراجعة التصنيف من قبل الهيئة، حيث أثبتت الأزمة المالية الأخيرة أن عدم الدقة في التصنيف الائتماني للأوراق المالية كان أحد أسباب الأزمة نتيجة لوجود تواطؤ في بعض الحالات بين شركات التصنيف والمصدرين.

ثالثا: يجب التفريق بين السندات والصكوك في حال التصنيف الائتماني حيث إنه في حال تصنيف السندات، فإن التصنيف يعطى للمصدر بغض النظر عن الأصول، أما في حال الصكوك فيجب إعطاء التصنيف للأصول وهو المهم حيث إن حقوق حملة الصكوك متعلقة بهذه الأصول، خصوصا في الصكوك المتداولة مع عدم إغفال التصنيف الائتماني للمصدر والذي يكتسب أهمية أكبر في الصكوك غير القابلة للتداول وهي الصكوك القائمة على المديونية كصكوك السلم والمرابحة والاستصناع، وهذا ما لم تأخذ به وكالات التصنيف في الوقت الحالي حيث تعامل الصكوك معاملة السندات وهذا خطأ جسيم.

رابعا: يجب على الهيئة الأخذ بعين الاعتبار الخلاف الفقهي في الهيكل الذي يقوم عليه الصك، بحيث تنص اللائحة على أنه يتعين على المصدر الإشارة إليه في نشرة الإصدار نظرا لأنه من أحد أهم العوامل المؤثرة في سيولة الصك وهذا ما أقرت به وكالات التصنيف أخيرا.

إننا في مرحلة بناء سوق مالية، أتمنى أن نجعل منه أنموذجا يمكن للعالم الاستفادة منه، ومن هنا أستمد قوتي في طرح وتكرار طرح هذا الموضوع دون كلل أو ملل حتى يتحقق لوطني ذلك بمشيئة الله تعالى. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]