«تطهير الأموال» من «الاختلاط» و«الأرباح المحرمة» يبرز في تساؤلات صناعة المصرفية الإسلامية

باحثون شرعيون سعوديون يؤكدون أن الصكوك تساهم في تنمية المجتمعات

جانب من ندوة «التخلص والتطهير في الأسهم والوحدات الاستثمارية» التي نظمها موقع الفقه الإسلامي في الرياض الأسبوع الماضي («الشرق الاوسط»)
TT

أعادت ندوة نظمت الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض تساؤلات حول واقع حال الأسهم والاستثمارات المختلطة بالمحرمات، وأثر ذلك على صناعة المصرفية الإسلامية، مشيرة إلى أهمية تطهير الأسهم والوحدات الاستثمارية في الصناعة المالية الإسلامية.

وأشار الدكتور عبد الرحمن الأطرم، الأمين العام للهيئة العالمية للاقتصاد والتمويل الإسلامي، في ندوة «التخلص والتطهير في الأسهم والوحدات الاستثمارية» إلى أن أهمية تطهير الأسهم والاستثمارات من شوائب المحرمات تكمن في تبرئة ذمة الإنسان، طالما يطالبه الإسلام بتطييب مكسبه.

وأوضح الأطرم أن الشرع يشدد على أهمية التخلص والتطهير في الأسهم والوحدات الاستثمارية، وأن تنظيم الندوة كان هدفه مخاطبة الناس بالتخلص مما دخل عليهم من محرمات، وبالتالي منوط بها أن تساهم في توعية الناس بمخاطر الكسب المحرم كهدف رئيس، لأنها تقود الشركات إلى أن تتحوط من أن يدخلها محرم، وتصحح أوضاعها.

ويعتقد الأطرم أن هناك عددا من الآليات التي يمكن أن تحول ما دار حول موضوع التطهير والتخلص من المحرمات في الأسهم والاستثمارات، منها ممارسة نوع من الحوار والنقاش مع عدد من الجهات التي تملك القرار، لما لذلك من حاجة ماسة إلى قرار نافذ يحسمه، ولا بد أن تصدره جهة إشرافية رقابية أو جهة سياسية تملك القرار وتجعل تنفيذه ممكنا.

ويرى أن تفعيل الحوار مع الجهات التي تصنع القرار، أو تملكه مهم من أجل حماية الصناعة المالية والاقتصادية في السعودية؛ لأنها أمر شرعي. ومن الآليات التي اقترحها الدكتور الأطرم أن تفعّل مراكز البحث العلمي، الذي من شأنه الإسهام في إنتاج الأدوات وإيجاد البدائل، بجانب عامل التثقيف والتوعية سواء على مستوى العامة، أو حتى على مستوى القيادات وصناع القرار. وأوضح الأطرم، أن لكل توعية وضعا يناسبها، سواء كان بالأحكام أو ببيان الأبعاد أو ببيان مترتبات الأحكام، وهكذا دواليك، لما لكل هذا وذاك من أثر عملي سيجعل من التطهير واقعا ملموسا في جميع المعاملات المالية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، قال الأطرم، إن السندات التي يطلق عليها «سندات القروض» التي يتم الاقتراض فيها من الجمهور أو الاقتراض من المؤسسات بفائدة، سواء كانت الفائدة ثابتة أو متغيرة أو على شكل جوائز، إنما هي معاملة ربوية من بدئها إلى منتهاها، لأنها تنشئ قروضا لمصدر السندات بفائدة.

وأضاف أن مثل هذا النهج «ربا» لأن القرض النقدي الذي يشترط فيه الزيادة عند الردّ، أيا كان نوعها فهي ربا محرّم، ثم إنها ربا في التداول، لأنه يتم فيها التداول أو بيع السندات، وهي مؤجلة ما يعني أن استحقاق السند مؤجل، علما بأنه يشترط في الاستحقاق المؤجل بنقد حال، وهو شراء بالدين النقدي المؤجل بنقد حال.

وأكد الأطرم، أن ذلك محرّم في الشريعة الإسلامية، بل من بديهيات الشريعة، ومحرّم إجماعا، وعليه فإن السندات تكون في سوقها الأولية وفي سوقها الثانوية محرّمة، مشيرا إلى أنه صدر في ذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي والهيئات الجماعية ومجامع الفتاوى قاطبة في كل مكان من العالم.

وفي تعليقه على أهمية موضوع تطهير الأسهم والاستثمارات من الشوائب المحرمة، أوضح الدكتور خالد الدعيجي عضو الهيئة التأسيسية لموقع الفقه الإسلامي، أنه من الأسئلة التي ترد عليهم في الموقع حول الكيفية التي يمكن من خلالها التخلص من الأسهم التي اكتشفت فيما بعد أنها غير مباحة.

وقال الدعيجي، إن مثل هذه الأسئلة وغيرها هي السبب الرئيسي الذي دفع بهم لتنظيم ندوة «التخلص والتطهير في الأسهم والوحدات الاستثمارية» للإجابة على الاستفسارات الملحة في مثل هذه المواضيع، خاصة أنه لا توجد فتوى جماعية محرّمة لها.

ومن وسائل المحرمات التي تلحق بالأسهم والاستثمارات بحسب الدعيجي، الاقتراض بالربا والإيداع بفائدة والاستثمار في السندات والاستثمار في شركات محرمة كتلك التي تستثمر في أسهم بنوك مثلا، في ظل غياب عقود التحوط والتأمين التكافلي والتعاوني بشكله الصحيح.

وعن واقع وأثر مثل هذه الشوائب المحرمة في الأسهم والاستثمارات وضرورة تطهيرها منها، قال الدعيجي إنه سنويا تخرج قائمة من العلماء المشهورين توضح الشركات التي تتعامل بتلك الطريقة، وتدعو إلى التخلص منها، مشيرا إلى أن نسبة الشركات النقية التي سلمت من هذه التجاوزات لا تزيد على 40 شركة من أصل 127 شركة تعمل بالسوق السعودي يختلط فيها الحلال بالحرام.

ويرى الدعيجي أن الكثير من المصارف تأخذ الأموال وتستثمرها سواء في الأسهم أو في صناديق أخرى أو غيرها، ثم تبين للمتعاملين معها أن معاملتها يشوبها شيء من الحرام، فبينما يجتهد بعض منهم في طريقة التخلص منها بغير علم أو دراسة يهتدي بها، ويتبين للجميع انه ليس من قرار مجمعي يحسم لهم هذه الأمور، إذ إن هناك رأيا بأن ينتظر العميل ثلاثة أشهر للتخلص من المحرمات، في الوقت الذي يقضي فيه رأي آخر بالتخلص الفوري من السهم المحرّم.

من جانبه، قال الدكتور إبراهيم الميمن، نائب مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة، إن تنقية الأسهم والاستثمارات يهم كافة شرائح المجتمع، موضحا، أن ما يدعو للاهتمام بمسألة تطهير الأسهم والاستثمارات من المحرمات، أن السوق المالية المتمثلة في أسواق الأسهم فتح المجال على مصراعيه لعدد كبير من السعوديين والمقيمين للاستثمار في الأسهم، دون الاكتراث إلى ما يشوبها من محرمات.

وأضاف الميمين، أن الهزات التي حصلت في سوق المال السعودي، وما حصل للناس في مجال استثمارهم في الأسهم، لهو مؤشر على مدى حجم ابتلاء الناس بهذا النوع من الاستثمار، حيث تهور الكثيرون منهم في الاكتتابات وصور الاستثمارات كافة، علما بأن ذلك اشتمل على أسهم نقية وأخرى مختلطة بحكم العلماء الذين محصوها وشخصوها ونظروا في قواعدها المالية.

ومع ذلك أقرّ الميمن بأن الدراسات الفقهية في هذه المسائل محل خلاف واختلاف بين الفقهاء، وكل منهم يستند على دليل، غير أن الخطاب يختلف من متخصص عن غيره من غير المتخصصين، ما يعني الحاجة الملحّة إلى خلاصة وزبدة القول الراجح فيها.

وطالب الميمن العلماء الخروج بتوصيات تدرس تطهير الأسهم والاستثمارات من المحرمات، ومن ثم الخروج بآليات حاسمة يتعامل بها الناس في معاملاتهم المالية والاقتصادية، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة رأي الأغلبية من الفقهاء والعلماء والمجمعات الفقهية ومجمعات الفتاوى.

وفي السياق نفسه، قال نواف يوسف أبوحجلة، باحث ومدرب في التمويل الإسلامي، إن تطهير أرباح هذه الأوعية الاستثمارية يتم بناء على قدرة المستثمر أو معرفته بقيمة الأرباح أو الإيرادات الناتجة عن العمليات غير المشروعة، فإذا كانت ناتجة عن عمل غير مشروع فإنه يتخلص من قيمة رأس ماله (حصته) وربحه، أما إذا كانت هذه الأرباح ناتجة عن عمليات مقابل فوائد ربوية، فيتم استخراج نسبة صافي الربح من هذه العمليات مع بقاء رأس المال أو الحصة فيها، وأما إذا لم يستطع المستثمر معرفة قيمة هذه الأرباح أو الإيرادات الناتجة عن العمليات غير المشروعة، فعليه العمل وبذل الجهد لمعرفه قيمتها، ويخرج في هذه الحالة ما غلب على ظنه مما يجب إخراجه. وإن لم يتمكن فله إخراج نصف الأرباح.

أما الصكوك برأي أبو حجلة فهي وعاء للاستثمار له ذمة مالية منفصلة، إذ يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات محددة، وتديرها شركة استثمارية تمتلك تشكيلة من العمليات، وأن هذه الصكوك ساهمت مساهمة كبيرة في تنمية المجتمع الإسلامي من خلال الوصول إلى العديد من مقاصد الشريعة الغراء ومنافعها المتعددة، من أبرزها أنها من أفضل صيغ التمويل للمشروعات الكبيرة، وتقدم قناة استثمارية جيدة للمستثمرين ذوي الفوائض المالية.

ويعتقد أبو حجلة أن تصنيف الصكوك من حيث المخاطر يعتمد على صيغة العقد القائم بين مصدر الصكوك وحملة تلك الصكوك، ففي صكوك الإجارة تتأثر مخاطر وتصنيف هذه الصكوك بالوضع الائتماني للمصدر، نظراً لكونه مدينا لحملة الصكوك بالأجرة التي تمثل العائد الدوري، كما أنه ملتزم بالوعد بالشراء في نهاية العقد، والوفاء بهذا الالتزام مرتبط أيضا بالوضع الائتماني للمستأجر.

وتابع أبو حجلة أنه يضاف إلى ذلك المخاطر السوقية، حيث إن حملة الصكوك هم ملاك الأصل المولد للعائد، وهذا عرضة لتقلبات الأسعار أي المخاطر السوقية، أما الصكوك القائمة على المضاربة والمشاركة فهي أكثر تعقيدا من حيث تصنيفها الائتماني، ولعل استعمال المضاربة المقيدة في مجال استثماري معين وإن كان يزيد من المخاطر بسبب تركز هذه المخاطر في مجال واحد، إلا أنه من ناحية أخرى يزيد من دقة متابعة الاستثمار ومراجعته الدورية تلافيا لأي مخاطر محتملة.