مجمع الفقه الإسلامي وظلم ذوي القربى

لاحم الناصر

TT

أنشئ مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي تنفيذا للقرار الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في مكة المكرمة عام 1401هـ الموافق 1981م وانعقد مؤتمره التأسيسي في عام 1403هـ الموافق 1983م، وقد بلغ عدد الدول الممثلة في المجمع 43 دولة من بين 57 دولة من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويقع مقر المجمع في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وقد عقد المجمع منذ إنشائه وحتى اليوم تسع عشرة دورة صدر عنها 185 قرارا جميعها منشور على موقع المجمع على الإنترنت http://www.fiqhacademy.org.sa/، ويشمل هيكل المجمع الأعضاء وهم العلماء الذين تم تعيينهم من قبل دولهم لتمثيلها تمثيلا رسميا، والأعضاء المعينين وهم العلماء الذين يتم تعيينهم في المجمع بناء على تزكية الأعضاء والخبراء وعددهم 121 خبيرا في مختلف العلوم، ويعتبر المجمع إحدى مؤسسات الاجتهاد الجماعي التي دعت حاجة العصر إلى وجودها نظرا لتشعب العلوم ودقتها فلم يعد في وسع عالم واحد الإحاطة بها إحاطة تمكنه من الحكم عليها إضافة إلى ندرة المجتهدين اجتهادا مطلقا في هذا العصر، حيث يغلب اليوم وجود المجتهد اجتهاد مسألة وليس اجتهادا مطلقا مما يدعو إلى محاولة جمع هؤلاء المجتهدين تحت قبة واحدة للوصول للأحكام المختلفة، بحيث يمكن للعالم الإسلامي والأقليات المسلمة الاستفادة من هؤلاء العلماء بالنظر في مشكلات العصر وإعطاء رأي الشرع فيها، ومن ثم الوصول إلى فتوى واحدة يتم العمل بها من قبل عموم المسلمين في شتى بقاع الأرض مما يزيد من مظاهر الوحدة في العالم الإسلامي ويقلل من مظاهر الخلاف والتناحر المذهبي التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم نظرا لأن جميع المذاهب الإسلامية ممثلة في هذا المجمع، كما أن وجود المجمع يؤسس لانتقال الأمة للعمل المؤسسي الجماعي الذي يفتقده العالم الإسلامي، ومن ثم فيجب على جميع العلماء دعم هذا المجمع وأمثاله من مؤسسات الاجتهاد الجماعي بنشر ما يصدر عنه من قرارات وتعزيز الثقة فيها لدى العامة، وهذا لا يعني عدم الاختلاف مع ما يصدر عنه، ولكن يجب أن يبقى الاختلاف في نطاقه العلمي القائم على المحاجة بالدليل والبرهان مع حفظ حق المخالف في الخلاف وعدم الحط من قدره بالتعريض أو التصريح، لأن هذا مما يسقطه من أعين العامة الذين يسعى العلماء اليوم لتعزيز قيمة الاجتهاد الجماعي لديهم.

لقد فوجئت كما فوجئ الكثيرون بردود أفعال بعض مشايخنا الفضلاء على ما صدر عن المجمع في دورته التاسعة عشرة المنعقدة في الشارقة بخصوص التورق المصرفي المنظم، حيث صدر قرار المجمع بتحريمه ليأتي قراره هذا منسجما مع قرارات مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي التي سبق أن حرمت هذا النوع من المعاملة، فقد خرجت ردود الأفعال هذه عن نطاق النقاش العلمي إلى التجريح والتهكم فوصف القرار بأنه سقيم وأنه وسوسة فقهاء.

إن هذه الأوصاف ليست من النقاش العلمي في شيء، بل هي نتاج للتعصب للرأي بمحاولة الحط من قدر المخالف لإسقاط قوله من أعين العامة، ولا شك أن هذا الأمر غير مقبول في حال كون المخالف فردا فكيف ونحن نتحدث عن هيئة تمثل عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتضم في عضويتها وخبرائها نخبة من علماء الأمة الإسلامية ومنهم هؤلاء المخالفون، ومن ثم فإن تنقصها أو الحط من قدرها هو حط من قدر هؤلاء العلماء ولا شك أن هذا من ظلم ذوي القربى الذي يصدق عليه قول الشاعر «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ـ على النفس من وقع الحسام المهندِ»، ووشائج القربى هنا ليست الدم أو النسب، وإنما قرابة العلم والدين والتي توجب على المخالف التأدب مع من خالفه والتواضع له، وقد حث القرآن الكريم على ذلك مع الكفار فكيف بالمسلمين قال تعالى «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» سبأ 24، وقال تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» العنكبوت46.

إن العلماء هم ورثة الأنبياء وهم القدوة والأسوة، فيجب عليهم أن يراعوا جانب الحكمة فيما يأتون ويذرون لما لهم من أثر على عامة المسلمين، ومن ذلك عدم محاولة إسقاط هيئات الاجتهاد الجماعي من أعين الناس بسبب الخلاف معها حول رأي فقهي معين لما في ذلك من إضرار بمشروع الأمة المؤسسي.

والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]