تقرير دولي: الفترة المقبلة اختبار حقيقي للبنوك الإسلامية

«آر جي إي مونيتور»: صناع القرار لا بد أن يدفعوا إلى الشفافية والسلامة المالية وزيادة الأدوات النقدية

اوضح التقرير أن المصرفية والتمويل المتوافقين مع الشريعة الإسلامية يواجهان كثيرا من المخاطر التي يواجهها التمويل التقليدي («الشرق الأوسط»)
TT

وضع تقرير مصرفي صدر حديثا الفترة المقبلة كاختبار حقيقي للمصارف الإسلامية، حيث يرى أنه من الممكن أن تتجه حالات التخلف عن السداد إلى مستويات أعلى من القروض غير العاملة.

وأشار التقرير الصادر عن مؤسسة «آر. جي. إي مونيتور» RGE Monitor الأميركية للتحليلات الاقتصادية والمالية العالمية، إلى أنه ربما يواجه كثير من المؤسسات المالية الإسلامية ضغوطا لتخفيض قيمة بعض من قروضها آخذين في الاعتبار الأمر القرآني بأن تتم إعادة التفاوض، بحيث يتمكن المقترضون من سداد ديونهم دون أن يعانوا من إكراه بالغ. جاء ذلك في خضم بحث التقرير لتنبؤاته بأن المصرفية والتمويل المتوافقين مع الشريعة الإسلامية يواجهان كثيرا من المخاطر التي يواجهها التمويل التقليدي. فهذه المؤسسات المالية ـ البنوك الإسلامية والبنوك التي تطرح منتجات استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية ـ عرضة للتغيرات في السيولة وظروف النمو عالميا وفي المناطق المستهدفة. كما تتواصل أيضا المعاناة من نقص السيولة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي هي مصدر من مصادر النمو في الطلب على المنتجات المالية الإسلامية.

وتناول تقرير حديث بعض هذه المخاطر، مسلطا في الوقت نفسه الضوء على الفرص التي تنتظر التمويل الإسلامي، من أجل مناقشة كيف يمكن للمرء اختبار هذا النموذج المالي، حيث ركز التقرير على الديناميكيات في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لا سيما فيما يتعلق بمستثمريها ـ سياديين أو قطاع خاص ـ وبالبنوك الإسلامية العاملة في منطقتي مجلس التعاون والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإن كان جزء من هذا التحليل ذا صلة أيضا بمنطقة جنوب شرقي آسيا.

وقال التقرير إنه من الضروري أن يتم إجراء هذه الاختبارات بناء على سيناريوهات الضغط المعقولة القابلة للحدوث، مضيفا أن تفاؤل سيناريوهات الإجهاد الأميركية نسبيا من حيث توقعات البطالة يمكنها أن تعني ضمنا أن الاحتياجات الرأسمالية للبنوك أكبر مما هو معلن في أسوأ سيناريو محتمل. وأفاد التقرير حول المؤسسات المالية الإسلامية في هذا الصدد، بأن أي سيناريو معقول يعي أن يؤخذ في الاعتبار الانكماش المحتمل في العديد من الاقتصادات، التي كانت تمثل مراكز للتمويل الإسلامي، علاوة على حدوث تصحيحات كبيرة في أسواق الأصول، التي من شأنها أن تضعف الميزانيات العمومية الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية. وأضاف التقرير أن التقديرات الأولية لهذا القطاع ـ بكامله وليس البنوك الفردية ـ تشير إلى أن معظم البنوك تتمتع برسملة جيدة نسبيا، وإن كان معظمها ما زال يستحوذ على حصص سوقية صغيرة نسبيا، موضحا أنه علاوة على أن معدل نمو أصول البنوك الإسلامية والأموال الموضوعة في أوراق مالية وصناديق متوافقة مع الشريعة الإسلامية سيكون على الأرجح أبطأ مما توقع كثيرون في عام 2008؛ ذلك لأن بطء النمو وقلة السيولة يحدان من الأموال المرصودة للاستثمار.

وتتنبأ خدمة «آر. جي. إي مونيتور» في توقعاتها العالمية المنشورة مؤخرا حدوث انكماش في النشاط الاقتصادي في ماليزيا في عام 2009، مع تزايد احتمال حدوث انكماش طفيف في النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مفيدة أنه ربما تكون الإمارات والكويت الأكثر عرضة لهذا الخطر، حيث أدى الحراك السياسي في الكويت إلى تأخير الاستجابة الاقتصادية، واستمرار الاعتماد على الهيدروكربونات. وزاد: «الإمارات لا تواجه تراجعا في إنتاج الهيدروكربونات فحسب، بل انخفاضا في الطلب على المنتجات غير النفطية، في ظل تعرض الأسواق العقارية والصادرات وغيرها من القطاعات الأخرى للضغوط، نتيجة لضعف الطلب الخارجي»، مضيفا: «من الممكن أن ينكمش سكان الإمارات والأصول المصرفية نتيجة لرحيل الوافدين. ولكن هذه المسألة يمكن أن تثير قلقا أكبر بالنسبة للبنوك التقليدية». وذكر التقرير، أن التخفيضات الحادة التي أعلنتها منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وتباطؤ نمو القطاع غير النفطي سيزيدان التوقعات سوءا بالنسبة للسعودية، التي تعدّ ثاني أكبر دولة من حيث الأصول المصرفية الإسلامية بعد إيران. وبحسب التقرير ستحد التوقعات الاقتصادية المتفاقمة، التي تسهم في فقدان المزيد من الوظائف من بين عوامل أخرى، من الأرباح التي تفترض إعادة استثمارها، حيث من المحتمل أن يضعف الميزانيات العمومية الخاصة بالمؤسسات المالية في ظل ارتفاع نسبة التخلف عن السداد. وحتى الآن نجد أن القروض غير العاملة بدأت تتزايد عن مستوياتها شديدة الانخفاض في معظم الدول (حوالي واحد في المائة).

وأشار التقرير إلى أنه كان هناك اعتقاد بأن البنوك الإسلامية ستكون بمنأى عن أسوأ ما تحمله الأزمة المالية العالمية؛ وذلك نتيجة لقلة تعرض هذه البنوك لأصول الرهون العقارية عالية المخاطر والتزامات الدين المضمونة. ولكن جوهر التمويل الإسلامي ـ كما يشير التقريرـ يقتضي أن تكون المعاملات المالية مدعومة بأصول حقيقية، والمعتاد أن تكون هذه الأصول عقارات وأحيانا تكون سلعا. نتيجة لذلك فإن البنوك الإسلامية معرضة بشدة للركود الحالي في القطاع العقاري ولمرحلة من تصحيح الأسعار، لا سيما في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حسبما أفاد التقرير. وذهب التقرير إلى القول إن أي سيناريو إجهاد ينبغي أن يأخذ في الاعتبار على الأقل انخفاضا بنسبة 40 في المائة في أسعار العقارات في دبي وانخفاضات كبيرة في الأسواق الأخرى. كما أن البنوك الإسلامية العاملة في الاقتصادات المتقدمة مثل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة عرضة أيضا لهذا التراجع في أسواق العقارات. ولكن على الأقل في الولايات المتحدة الأميركية، ربما تعاني البنوك المجتمعية التي تركز على التمويل الإسلامي من حالات أقل التخلف عن السداد مقارنة بنظيراتها، آخذين في الحسبان رغبة هذه البنوك عن تقديم قروض للمقترضين مرتفعي المخاطر وعدم اتباعها لنظام التوريق.

وأوضح التقرير، أن البنوك الإسلامية هي الأخرى عرضة ـ ولكن بدرجة أقل ـ لحدوث تصحيح في أسواق الأسهم في المنطقة، وذلك من خلال تدهور المحافظ الاستثمارية وثقة المستثمرين، ما أدى إلى صعوبة جمع الأموال. ويقدر معهد نومورا للأبحاث، أن البنوك الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي خسرت حوالي 45 في المائة من رأسمالها السوقي منذ ذروة الأسعار النفطية في منتصف 2008 مقابل خسارة بنسبة 39 في المائة تكبدتها البنوك التقليدية، ولكن ارتداد هذه البنوك كان أيضا أعلى هامشيا.

ولكن تقرير «آر جي إي مونيتور» توقع أن تستمر أسواق العقارات في دبي باعتبارها الأكثر تضررا في ظل احتمال انخفاض أسعار العقارات إجماليا بنسبة 80 في المائة عن ذروتها، علما بأنها انخفضت حتى الآن بنسبة 40 في المائة. وقال التقرير: حتى الأسواق التي تتمتع بطلب أقوى وعرض محدود مثل أبوظبي وقطر كانت مفرطة التضخم نوعا ما بفعل المضاربين الذين زادوا استثماراتهم من خلال الاستدانة، وسوف تواجه عمليات تصحيح في الأسعار وإن كانت محدودة. وزاد: «إذا أخذنا في اعتبارنا المعروض الجديد الذي سيصل إلى السوق ووتيرة الطلب الجديد الأبطأ نسبيا، نجد أن هذه الأسواق العقارية يمكن أن تستمر في تعرضها للضغط، لا سيما إذا بقيت القيود على منح الائتمان».

ولفت التقرير إلى أن زيادة مخاطر الخسائر الاستثمارية من جهة، وارتفاع القروض غير العاملة من جهة أخرى، تضيف إلى المخاطر التي تواجهها البنوك الإسلامية. فهي الآن تحول إيراداتها إلى مخصصات الخسائر المحتملة، مضيفا أن كثيرا من المؤسسات المالية الإسلامية لا تزال لم تتعرض لحالات من التوقف عن السداد، كما أن إجراءاتها الخاصة بتشارك الخسائر غير مجربة نسبيا. وألمح التقرير إلى أنه رغم التحسينات التي طرأت على العمليات التنظيمية وإجراءات الرقابة على المخاطر منذ انهيار بعض المؤسسات المالية الإسلامية إبّان الركود الذي شهده عقد الثمانينات، فإن معظمها لم يواجه بيئة خارجية بمثل الصعوبة التي نراها حاليا. واعتبر التقرير أن الأرباع المقبلة ستكون اختبارا حقيقيا؛ إذ من الممكن أن تتجه حالات التخلف عن السداد إلى مستويات أعلى من القروض غير العاملة، مفيدا أن إجراءات السيطرة على المخاطر تتباين بشكل كبير فيما بين المؤسسات المالية. وبين التقرير: إذا أخذنا في الاعتبار أن كثيرا من هذه المؤسسات معتمة نسبيا، فإن المخاوف بشأن سلامتها يمكنها أن تثير شبح انتقال العدوى. ولكن كما هو الحال مع نظرياتها التقليدية، استفادت المؤسسات المالية الإسلامية من اشتراطات السيولة الحكومية.

وأشار التقرير إلى أنه ربما يواجه كثير من المؤسسات المالية الإسلامية ضغوطا لتخفيض قيمة بعض من قروضها آخذين في الاعتبار الأمر القرآني بأن تتم إعادة التفاوض، بحيث يتمكن المقترضون من سداد ديونهم دون أن يعانوا من إكراه بالغ، مستطردة أن مسألة حبس الرهن أو إعادة الاستيلاء فستبدو غير واردة بالمرة. ومع ذلك ـ كما يبين التقرير ـ فإن مثل عمليات إعادة التفاوض هذه يمكن أن تقلل من عدم اليقين في أسواق الأصول وفي التوقعات الاقتصادية الكلية، مركزا على واقع السيولة البترودولارية والزيادة في الثروة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أسهمت بشكل رئيس في تطور المصرفية والتمويل المتوافقين مع الشريعة الإسلامية.

وبحسب نص التقرير: «كثير من المؤسسات المالية العالمية سعت إلى الاستحواذ على حصة من السوق، في ظل سعي المسلمين من أصحاب الثروات المتنامية إلى امتلاك أصول مجازة شرعا. بل إن الحكومات الوطنية في دول مجموعة السبعة وكثير من الاقتصادات الآسيوية شرعت في إصدار سندات إسلامية سيادية».

من ناحية أخرى، قالت وكالة مودي للتصنيف، في تقرير لها صدر مؤخرا: «السيولة النفطية محرك رئيس لنمو البنوك الإسلامية؛ لأن هذه البنوك الإسلامية تسهم في إعادة تدوير هذه السيولة في الاقتصاد، إذن فانخفاض الإيرادات النفطية سيعني إقبالا أقل على الأوراق المالية التي تصدرها البنوك، كما أن نفور المستثمرين من المخاطر وجّه هؤلاء المستثمرين نحو الأسواق العالمية الأكثر سيولة. وتحتاج سوق الصكوك إلى مزيد من الإصدارات كي تصبح ذاتها أكثر سيولة وتعاني بدرجة أقل من تشوهات الأسعار».

وذكر التقرير أنه عند المستوى الحالي لأسعار النفط، سوف يتم استيعاب معظم الإيرادات النفطية محليا، وذلك في ظل العجز الذي تشهده معظم الدول في الحسابات الجارية. فبعض هذه الأموال المستوعبة محليا من خلال الإنفاق والاستثمارات المحلية ربما تجد طريقها إلى المؤسسات الإسلامية، ولكن تدفق البترودولارات إلى الأسواق الرأسمالية الدولية سوف يكون على الأرجح أقل كثيرا منه في عام 2008 أو 2007. ويشير أحد خبراء «آر. إي. جي» في ورقة عمل مؤخرا، أن الزيادة في الإنفاق المحلي ـ لا سيما من قبل حكومات مجلس التعاون الخليجي ـ تشير إلى أنه حتى عودة أسعار النفط إلى مستواها البالغ 100 دولار للبرميل في السنوات المقبلة ربما تقلص الأموال، التي سيتم استثمارها في الخارج، مما يؤدي إلى احتمال تقليص الأموال التي يمكن استثمارها في الأوراق المالية الإسلامية.

ومع ذلك، رأى التقرير أن الخسارة العالمية يمكن أن تكون منفعة إقليمية؛ حيث إن المستثمرين الحذرين من الاستثمارات الأجنبية ربما يفضلون الاستثمارات المحلية بل والإقليمية أيضا. ولكن الثروة البترودولارية المفاجئة التي أغرت بعض البنوك العالمية بالمجيء إلى المنطقة ربما لا تكون بنفس الحجم الكبير الذي كان يأمله البعض.

وبين التقرير أن قلة السيولة تحد من نمو البنوك الإسلامية على الأقل في دول مجلس التعاون الخليجي، كما تحد من نمو التمويل التقليدي. ورغم وجود بعض البوادر الضئيلة على أن السيولة بدأت تعود إلى الإمارات أخيرا (تحسنت السيولة من قبل في السعودية)، فإن استعادة السيولة إلى مستوياتها الفائقة فيما قبل الأزمة ليس بالمرجح، بل وهناك من لا ينصح به. وزاد نمو القروض في الإمارات عن 50 في المائة في أوائل عام 2008، إذْ كانت البنوك تقوم بإعادة إقراض تدفقات الأموال الساخنة، وهو استحقاق غير متوائم من الدرجة الأولى. علاوة على ذلك، ففي ظل ارتباط السياسة النقدية بالولايات المتحدة بسبب ارتباط عملات هذه البلاد بالدولار الأميركي والتضخم، كانت أسعار الفائدة المتصاعدة شديدة السلبية من منظور عقاري، مما زاد من تشجيع الفقاعة.

وشدد التقرير على أن هذا التكيف مع الوتيرة الأبطأ للنمو الائتماني يجب أن يحدث في الوقت الراهن في ظل ضيق الأحوال العالمية، وانكماش النمو العالمي (وذلك بنسبة تقارب 2 في المائة بحسب آخر تنبؤات خدمة آر. جي. إي)، وسوف يكون النمو في دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا عند حده الأدنى في أحسن الأحوال.

وقال التقرير رغم الإجراءات الجريئة التي اتخذتها الحكومات في منطقة مجلس التعاون الخليجي بهدف زيادة السيولة، فإن السيولة التي تضخ في اقتصاداتها تيسر المزيد من نشاط الإقراض ليس غير، حيث إنها تعمل كأداة لتحل محل الودائع التي ترحل عن النظام المصرفي. وتنشط البنوك الآن في استقطاب الودائع من خلال رفع أسعار الفائدة التي تقدمها، ولكن حتى الآن نجد أن أكبر دفعة رأسمالية جاءت من الحكومات التي زادت الودائع المجمّعة.

غير أن الأمل، من وجهة نظر التقرير، هو أن يعترف صناع السياسة بالحاجة إلى زيادة الشفافية فيما يتعلق بالسلامة المالية للمؤسسات وزيادة أدوات الإدارة النقدية. ورغم عدم توافر البيانات كاملة، نشرت حكومة الإمارات تقارير تظهر أرقاما أكثر اعتدالا للنمو في الإقراض في بداية 2009 (زيادة بنسبة 10 في المائة مقارنة بالعام الماضي). فإذا كانت هذه الأرقام دقيقة واستمرت كذلك، فإنها تمثل بادرة طيبة بشأن العرض والطلب الائتماني تبدو أكثر تفاؤلا مما يمكن أن تظهره الأدلة الظرفية. وسوف يسهم تباطؤ وتيرة النمو الائتماني في انخفاض النمو، ولكن ربما يكون هذا النمو مستداما رغم بطئه.

وطبقا للتقرير، فإنه في بعض الحالات تكون الأوراق المالية الإسلامية في المقام الأول صورا معدلة من منتجات تقليدية مماثلة بهدف تجنب مخالفة تعاليم الشريعة الإسلامية، مما يعني أنها سوف تعاني من بعض الضغوط ذاتها. علاوة على ذلك، ورغم حقيقة أن انتشار عمليات غربلة الأسهم لضمان التزامها بالشريعة الإسلامية زاد الآفاق الاستثمارية للمستثمرين في الأسهم، فإن مجمّع الأوراق المالية المجازة يظل أصغر، وبعضا من الصناديق ذاتها تمتلك سيولة أقل. ولكن في ظل الزيادة في عمليات الإدراج في البورصة، يمكن تقليص بعض هذه المخاطر إلى الحد الأدنى.

ولفت التقرير إلى أن بعض المنتجات الإسلامية شبيهة تماما بالمنتجات التي تقدمها البنوك التقليدية. وهكذا فإن البنوك الإسلامية تعمل من خلال قنوات متطابقة مما يعني نمو الصلات ـ إن لم يكن علاقات الارتباط ـ مع النظام المالي التقليدي. وفي هذه الحالة، ينبغي ألا تأتي الصعوبات التي تواجهها كمفاجأة لأي واحد؛ لأن أداءها كان شبيها نسبيا بأداء البنوك التقليدية. وبطبيعة الحال تختلف ممارسات الإقراض من بنك إلى آخر. علاوة على ذلك، باعتبار أن التصحيحات التي تحدث في أسواق الأصول والانخفاض في الطلب الخارجي ضعفا تدريجيا في الشرق الأوسط، فإن مزيدا من الضغط ربما يكون في الانتظار. وبحسب التقرير، سوف يأتي الاختبار الحقيقي لوتيرة تطور القروض غير العاملة في نتائج الربعين الأول والثاني بل والربع الثالث. ولكن المؤسسات المالية الإقليمية ربما تستفيد من استمرار التحسن في السيولة الإقليمية والمحلية الناشئ عن الاستجابات المالية والنقدية غير المسبوقة علاوة على تدبير الحكومة لرأس المال وجمع الدين.

وتشير العوائد على الأصول الإسلامية الواردة أدناه إلى أنها تتوافق مع العديد من الصناديق الاستثمارية التقليدية، مما يعني أن دورها التنويعي محدود. والواقع أنه في عام 2008 وأوائل العام الجاري 2009، لم تقلّ الخسائر في المؤشرات الإسلامية عن الخسائر في المؤشرات التي تحتوي أيضا على أسهم أخرى إلا بدرجة طفيفة، ولعل هذا يرجع إلى كونها تحظر الشركات ذات المديونية الكبيرة جدا. لقد حاول الذين أنشأوا الصناديق والمؤشرات الإسلامية أن يضمنوا أن تكون عوائدها مماثلة (مرتفعة) لعوائد الصناديق غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، غير أن هذا يعني أن كلا النوعين كان أيضا متماثلا في عام 2008، ولكن من حيث الانخفاض. وهذا التشابه ربما يدفع إلى العودة إلى الأساسيات للنظر في نوعية الاستثمارات التي من شأنها أن تحقق عوائد طويلة المدى.

وأفاد التقرير أن إصدارات الشركات عرضة بشكل خاص لضيق الظروف الائتمانية في السوق وتخوف المستثمرين، رغم تجدد الإقبال على المخاطر مؤخرا. وربما يؤدي ضعف مشاعر المستثمرين وتوقع ضعف أرباح الشركات، واحتمال ارتفاع تكاليف التمويل لبعض الوقت، إلى زيادة صعوبة جمع الشركات للأموال مباشرة، ولكن بعضها ربما يحصل على أموال بطريق غير مباشر. ورغم أن المؤسسات المالية ـ وأغلبها بنوك ـ والشركات سوف تكون أقل ميلا إلى إصدار سندات بنوعيها الإسلامي والتقليدي، فإن إصدار الصكوك السيادية في ازدياد. البحرين أحد الأمثلة على هذا، حيث خططت الدولة إلى بيع صكوك قيمتها 500 مليون دولار في نهاية مايو (أيار) الماضي 2009، علاوة على سندات تقليدية أخرى. وهناك دول أخرى من بينها سنغافورة وإندونيسيا وتايلاند ربما تلجأ إلى إصدار الصكوك أيضا، حتى مع تأجيل الشركات لإصدار السندات.

وأكد التقرير على أن هناك تكلفة مرتفعة نسبيا تترتب على تصميم وإصدار الصكوك مقارنة بإصدار السندات في النظام المصرفي التقليدي، مما قد يكون بمثابة عائق آخر يقف في طريق إصدار الصكوك، حتى النوع السيادي منها. غير أن بعض الدول مثل المملكة المتحدة رأت بعض المنافع الاقتصادية والسياسية من وراء المضي في هذه المسارات.

وأوضح التقرير أنه يمكن التغلب على بعض هذه العقبات من خلال المزيد من التنسيق بين الجهات التنظيمية داخل الدول التي بها مؤسسات مالية إسلامية. وكما ذُكر في مؤتمر حول التمويل الإسلامي انعقد مؤخرا، ربما يتعين على المصرفيين الإسلاميين والجهات المنظمة أن يبادروا بشكل جماعي بوضع لوائح تنظم عملهم وإلا فإن آخرين سوف يقومون بهذه المهمة نيابة عنهم، وليس بالضرورة أن يكون ذلك على النحو الذي يرضيهم. وفي حين أن منظمين دوليين مثل منتدى الاستقرار المالي لديهم حاليا أشياء أخرى تشغل بالهم بخلاف التمويل الإسلامي، فإنهم ربما يوجهون مرة أخرى اهتمامهم إلى هذه المؤسسات. وأبان التقرير أن غياب أي جهة تنظيمية فوق وطنية تحكم عمليات مؤسسات التمويل الإسلامي يظل عقبة أمام تحقيق مزيد من النمو؛ حيث إنه هذا يتطلب من المُصدِرين إدارة نظم ضريبية وتنظيمية مختلفة وهو ما يحدّ من وفورات الحجم. ورغم وجود مسألة الازدواج الضريبي في العديد من الدول، فإن حكومات كثيرة تسعى إلى تجنب مثل هذه العقبة.

وأبان التقرير أن عدم وجود فئات من الأصول السائلة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يوجد تحديا أمام إدارة السيولة بين المؤسسات المالية الإسلامية. علاوة على ذلك، كثير من الأوراق المالية يستند في عائده إلى سعر الفائدة السائد بين بنوك لندن، مما يجعلها عرضة لظروف الائتمان العالمية. وفي أعقاب الضائقة الائتمانية، قيل إن إصدارات الصكوك العالمية حول العالم تراجعت إلى 20 مليار دولار في عام 2008، وذلك بالمقارنة بما يزيد على 40 مليار دولار قبل ذلك بعام واحد. ومع ذلك، ورغم أن أزمة السيولة لعام 2008 والضغط الذي تواجهه معظم أسواق الأصول أسهم في انخفاض المستوى العالمي لإصدار السندات ـ كما هو الحال مع إصدارات السندات التقليدية وطرح الأسهم للاكتتاب ـ لم يكن هذا هو العامل الوحيد. فالمخاوف بشأن مدى الالتزام الشرعي للعديد من أشكال الصكوك أسهمت في تخفيض الطلب عليها، حتى قبل أن تتفاقم ظروف السيولة في منطقة الخليج. وسوف يمثل عدم اليقين، إلى جانب القضايا التنظيمية الأخرى، عائقا أمام النمو حتى يتم حلها، حسبما أفاد التقرير.

وخلص التقرير إلى أن هناك العديد من الاتجاهات طويلة المدى التي تدعم التمويل الإسلامي، ومن ضمنها الاتجاهات الديمغرافية وتنويع المحافظ داخل الأقاليم المستهدفة، رغم الأوقات العصيبة المتوقعة على المدى القصير. ومع ذلك، وكما هو مبين في مراجعة «فاينانشال تايمز» الأخيرة المتميزة للتمويل الإسلامي، فإن أحد جوانب أزمة الثقة يتمثل في تجميد بعض المنتجات المبتكرة تماما، لا سيما التأخيرات في المشتقات المالية الإسلامية وصناديق التحوط.

ووفقا للتقرير؛ فإن إصدار السندات الإسلامية والتدفقات على الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ربما يكونا فعلا أقل من المتوقع لهذا العام رغم عودة الشهية إلى المخاطر مؤخرا. علاوة على ذلك، فإن بعض المخاوف التنظيمية المذكورة أعلاه سوف يعمل مع التوقعات الاقتصادية الكلية للحد من الاستثمارات. وإلى أن يأتي الوقت الذي يتم التغلب فيه على العقبات التنظيمية، سوف تظل هناك قضايا متعلقة بالتوسع، لا سيما في ظل مواجهة عديد من المؤسسات المالية الإسلامية ضغوطا على ميزانياتها العمومية كتلك التي تواجه المؤسسات التقليدية.

وذكر التقرير أنه مع تقدم الابتكار المالي، ربما توفر الآفاق طويلة المدى الخاصة بالتمويل الإسلامي كثيرا من الحوافز للمستثمرين لدخول هذا السوق. فضلا عن ذلك، ما زال في الدول الإسلامية كثير من الأصول الخاملة المستثمرة في الخارج، التي من الممكن أن تجد طريقها إلى الاستثمار المحلي مع تطوير هذه الأسواق. كما أن حدوث مزيد من التطور المالي من شأنه أن يجتذب حصة من هذه الأموال. والمستثمرون الحكوميون من بين هؤلاء، حيث أعلن المستثمرون السياديون عن خطط للاستثمار في المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية، لا سيما في أفريقيا وجنوب آسيا. وهكذا فإن الفرص، برأي التقرير، ربما تكمن فعلا في ضمان أن تكون المنتجات التي تقدمها المؤسسات المالية الإسلامية مميزة، بحيث تقدم مثل هذا التنويع وتستجيب لاحتياجات المستثمر ورغباته طويلة المدى. أيضا سوف تكون هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية، ومقاربة ملائمة أكثر لهيكلة المنتجات، وانخفاض تكاليف المعاملات، وقواعد وتنظيمات أكثر صرامة. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق أمام زيادة الاعتراف الدولي بالتمويل الإسلامي وتحسين عوائده وتقليص الأخطار المرتبطة به.