قال هينغ سيوي كيات، محافظ سنغافورة المركزي، إن اختيار مجلس الخدمات المالية الإسلامية لسنغافورة؛ لاحتضان أحداث فعاليات مؤتمرها السادس، يؤكد أهمية سنغافورة في صناعة المصرفية الإسلامية في هذا الموقع من العالم، كونها عضوا أساسيا بالمجلس، وأحد النمور الآسيوية التي تولي المصرفية الإسلامية وصناعتها وتطويرها أهمية قصوى. ويرى كيات أن سنغافورة تعمل على استقطاب الكثير من المستثمرين الآسيويين للاستثمار في صناعة التمويل الإسلامي، مشيرا إلى أن مناقشة مستقبل صناعة المصرفية الإسلامية، في ظل الأزمة المالية العالمية، التي ما زال العالم يعاني من ويلاتها، يعرف غير المسلمين على أهمية التخلص من التعامل بالربا، الذي ما زال يتسبب في امتداد الانعكاسات المترتبة على الأزمة على امتداد رقعة واسعة من العالم.
وقال كيات في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنه آن الأوان لاستثمار الفرصة الذهبية، التي خلقتها الأزمة المالية في إبراز جدارة المصرفية الإسلامية في تحمل الأخطار ومعالجة علل النظام المالي الرأسمالي في تسويقها والاستفادة من مزاياها المتعددة، معتقدا أن الثقة متوفرة تجاه صناعة المصرفية الإسلامية، ما جعل واقعها في سنغافورة مريحا ومتطورا، مؤكدا على أن السنوات القليلة الأخيرة شهدت نموا وتطورا نوعيا وكميا ملحوظا في المؤسسات المالية الإسلامية، نافيا أي استثناء من التحديات التي تواجه هذه الصناعة بسنغافورة.
وطالب محافظ بنك سنغافورة المركزي، بتأسيس مرجعية مصرفية إسلامية واحدة للمراجعة والمراقبة، وتحديد المعايير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. إلى تفاصيل الحوار:
* كيف تنظر إلى أهمية انعقاد المؤتمر السادس لمجلس الخدمات المالية الإسلامية في بلدكم سنغافورة؟
ـ ينبع اختيار مجلس الخدمات المالية الإسلامية لسنغافورة، لأن تكون موقع أحداث فعاليات مؤتمرها السادس، تقديرا من هذا المجلس العميق لسنغافورة، وتأكيدا لأهميتها في صناعة المصرفية الإسلامية في هذا الموقع من العالم، كونها عضوا أساسيا بالمجلس، وأحد النمور الآسيوية التي تولي المصرفية الإسلامية وصناعتها وتطويرها أهمية قصوى. وأرى في هذا الاختيار توفيقا كبيرا للجانبين، حيث إن سنغافورة تستطيع اجتذاب واستقطاب الكثيرين من المستثمرين والعاملين في هذا الحقل من وسط وشرق آسيا وجنوبها.
وأنا فخور بانعقاد هذا المؤتمر في بلدي سنغافورة، وسعيد بهذه الحشود المشاركة من محافظي بنوك مركزية، ورؤساء بنوك إسلامية وغير إسلامية، ومديري مؤسسات إسلامية وخبراء في المال والاقتصاد على مختلف التيارات والوجهات من شتى أنحاء العالم، بما في ذلك السعودية والبحرين والسودان والإمارات وماليزيا واندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان والصين وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، وغيرها من بلاد العالم الأخرى.
وثمة أهمية أخرى، وهي مناقشة مستقبل صناعة المصرفية الإسلامية، في ظل الأزمة المالية العالمية، التي اجتاحت العالم أغلبه وانهار كثير من مؤسساته المالية، التي كانت تعمل وفق المصرفية التقليدية، وتحديدا الربا الذي ما زال يتسبب في امتداد الانعكاسات المترتبة على الأزمة على امتداد رقعة واسعة من العالم.
وفي ظني أن هذا المؤتمر أتاح فرصا ذهبية للمصرفية لتسويقها في العالم، الذي أخذ ينتبه لمزاياها المتعددة، أولها قدرتها على الوقوف أمام عاصفة الأزمة، مع تأكيد أهمية تطويرها وعدم الركون على ما هي عليها حتى لا تكون عرضة هي الأخرى لآثار هذه الأزمة.
كما أنه أتاح فرصة مهمة أخرى للمؤسسات المالية والاستثمارية والتجارية الآسيوية والعالمية على حد سواء للاستفادة من التعرف على مزايا المصرفية الإسلامية والاستفادة منها، وبالتالي الدخول في استثمارات المنتجات الإسلامية التي تعتبر أكثر أمنا وسلامة من غيرها في الوقت الراهن على الأقل. ويعكس المؤتمر أيضا مدى التعاون الذي تتمتع به الدول الآسيوية في هذا الجانب من جهة، ومع الدول الإسلامية والعربية الأخرى، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي.
* ما واقع المصرفية الإسلامية في سنغافورة؟
ـ أعتقد أن الثقة المتوافرة لدينا حول صناعة المصرفية الإسلامية تفيد بأن واقع الصناعة في سنغافورة مريح بل متطور، إذ إن السنوات القليلة الأخيرة شهدت نموا وتطورا نوعيا وكميا ملحوظا في المؤسسات المالية الإسلامية وشكل وعدد المنتجات المصرفية الإسلامية، التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية، التي بلغت 20 منتجا إسلاميا من أبرزها الصكوك.
ولذلك نستطيع القول بأن سنغافورة بدأت فعليا في تهيئة نفسها لأن تكون قبلة ومركزا مهما للموارد والمنتجات والاستثمارات الإسلامية، كما تسعى في ذات الوقت لتكون سوقا منفتحا على المستثمرين الآسيويين وغيرهم ممن يرغب في استغلال الفرص الذهبية، التي توفرها صناعة المصرفية الإسلامية. ونعمل مع مجموعة من المستثمرين في هذا المجال، خاصة ماليزيا صاحبة التجربة الكبيرة في المصرفية الإسلامية لتحقيق وتطوير هذه الصناعة.
ومن المساعي التي تُحمد لسنغافورة في هذا الاتجاه، شروع بنك سنغافورة المركزي في وضع تشريعات تسهّل طريقة عرض منتجات التمويل الإسلامي. كما قامت مجموعة (دي.بي. إس) وهو اكبر مصرف في جنوب شرقي آسيا بتوقيع اتفاقية مع مجموعة من المستثمرين من منطقة الشرق الأوسط؛ لتأسيس أول مصرف إسلامي في سنغافورة.
ويعد مصرف سنغافورة المركزي إجراءات وقواعد لتسهيل عرض منتجات التمويل الإسلامي. أيضا، يتم الآن العمل على ترويج لمشاريع تمويل إسلامي في منطقة آسيا عبر مبادرتين هما «مبادرة أسواق السندات الآسيوية ومبادرة ممر آسيا»، بهدف مساعدة تأسيس سوق تمويل إسلامي موحد في آسيا. كذلك يسعى المصرف إلى جذب استثمارات خليجية في مشاريع استراتيجية ومشاريع البنية الأساسية في الدول الآسيوية، علما بأنه لدى سنغافورة عقارات قيمتها 1.32 مليار دولار و500 مليون دولار من صناديق التأمين الإسلامي متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
* إلى أي حد يمكن أن يساهم هذا التوجه في تطوير صناعة المصرفية الإسلامية مستقبلا؟
ـ هذا الواقع الذي تشهده سنغافورة في هذا المنحى، يعكس بالطبع مدى اهتمام سنغافورة بهذه الصناعة بحجم كبير، ما يعني وجود أرضية طيبة بها لصناعة المزيد من المنتجات المالية الإسلامية، ولذلك لا بد من تكثيف مزيد من الجهود لإنتاج منتجات مالية إسلامية جديدة، بالإضافة إلى العمل على خلق فرص استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية داخل سنغافورة وللدول الآسيوية الأخرى المهتمة بهذه الصناعة.
ولذلك لا أعتقد أن هذا التوجه من الأهمية بمكان، يجعل من المنتجات الإسلامية الأكثر حظا من بين مثيلاتها من المنتجات غير الإسلامية في الانتشار والتوغل في أسواق آسيوية جديدة، كما أن هناك العديد من المؤسسات الاستثمارية تتطلع للجديد من المنتجات الإسلامية التي تناسب استثماراتها.
* ما التحديات التي تواجهها سنغافورة في الاستثمار والاستصناع في المنتجات الإسلامية؟
ـ لا أعتقد أن هناك تحديات خاصة بسنغافورة في هذا الصدد، ولكن هناك تحديات تواجه صناعة المصرفية الإسلامية بشكل عام، أهمها تحديد جهة رقابية وتشريعية ومرجعية واحدة تضبط هذه المنتجات وطريقة الاستثمار فيها ومن ثم تسويقها، بالإضافة إلى وضع معايير منسجمة تماما مع الفتاوى التي تحكمها دون ممارسة نوع من الحيل عليها؛ حتى لا تفقد مصداقيتها فتكون عرضة للسقوط.
كذلك، يجب العمل على إشاعة المعلومات الكافية، التي تساهم بشكل كبير في تثقيف الناس بشكل عام عن أهمية ومزايا المنتجات الإسلامية، من خلال توفير مراكز بحوث خاصة بذلك، تعمل وفق ضوابط إسلامية ذات مرجعية واحدة تستطيع توفير إجابات لكافة الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن، بالإضافة إلى العمل على تأهيل وتدريب العاملين في هذا الحقل ليكونوا قادرين على استيعاب الواقع ومواكبة المستجدات.
كما يجب توفير كافة التسهيلات، التي تعين المودعين والمستثمرين على حدا سواء، والتي تساعدهم على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، مع تمليك المهارات والقدرات التي تمكن صاحب أو مدير المؤسسة من إدارة المخاطر التي تواجهه بكل ثقة واقتدار.
وأعتقد أن العمل على خلق نظام مالي يربط الدول الإسلامية بدول وسط وشرق آسيا سيزيد من فرصة محاصرة التحديات، التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية.
* ما الخطط التي يزمع بنك سنغافورة العمل عليها للمساهمة في تطوير المصرفية الإسلامية؟
ـ يشرع بنك سنغافورة المركزي في تعديل بعض القوانين المصرفية وتحديد إطار لدفع الضرائب؛ لتسهيل عملية تطوير النظام المالي الإسلامي، في الوقت الذي يبذل فيه جهودا كبيرة في سبيل استقطاب استثمارات خليجية وغير خليجية بصيغ تمويلية إسلامية؛ ليتمكن بذلك من تحديد مستويات المخاطر في ظل الأزمة المالية العالمية بشكل أكثر فعالية. كما نسعى في سنغافورة للاستفادة من الخبرات الكبيرة، التي يتمتع بها عدد من الدول الآسيوية في صناعة المصرفية الإسلامية والإدارة الاقتصادية والتجارية، إضافة إلى الشبكات التقنية.
كما يبذل بنك سنغافورة المركزي جهودا مقدرة؛ لتطوير نظام رقابي معافى في صناعة المنتجات الإسلامية، حيث أصدر البنك توجيهات تعنى بكيفية تطبيق الرقابة المصرفية على المصارف الإسلامية، والتأكيد على المساواة الضريبية والتنظيمية، ومعالجة السيولة من خلال الصكوك عبر سندات حكومة سنغافورة، كما يعمل البنك على تطوير الكوادر البشرية من خلال الدراسة والتدريب.
* كيف تنظر إلى المصرفية الإسلامية كأحد الحلول والبدائل المطروحة في الدول الغربية لمعالجة الإشكالات التي سببها طبيعة النظام الرأسمالي العالمي؟
ـ من المعروف أن الأزمة المالية العالمية تسببت فيها ارتفاعات أسعار الفوائد في البنوك الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، وانهارت بسببها كبريات المؤسسات المالية وتسببت في إفلاس أخريات، فكان لا بد من البحث عن البديل المكمل، ما أبرز أهمية المصرفية الإسلامية ومزاياه المتعددة، حيث إن النظام المالي الإسلامي أثبت قدرته على الادخار والإنتاج بشكل عام، رغم الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي.
وبرأيي فإن مؤتمر الخدمات المالية الإسلامية، الذي انعقد مؤخرا في سنغافورة جاء في وقته تماما، حيث وفر للشركاء في صناعة المصرفية فرصة نادرة لدراسة السلبيات التي تعاني منها الأنظمة الإشرافية للاقتصاديات والتمويل التقليدي في الوقت الراهن.
ولذلك فإن الكثير من الدول الغربية سعت جاهدة للاستفادة من هذه المزايا، حيث بدا ذلك واضحا في كل من بريطانيا وفرنسا وغيرها.