«مسحوق غسيل» وسيلة مواجهة الالتزامات المالية بطريقة شرعية في السعودية

مكاتب تقسيط ومستثمرون يرون أنها متوافقة مع الصيغ الإسلامية

ينتشر باعة مساحيق الغسيل بالتقسيط في السعودية بين ذوي الدخل المحدود للترويج لعمليات البيع (تصوير: خالد الخميس)
TT

أن تجد طريقةً تُعينك على تجاوز أي أزمة مالية تطرأ عليك، بعيدةً عن البنوك وجهات التمويل المالية، فهذا أمرٌ ربما يكون من النادر، أو من الصعب حدوثه إن حدث.

في السنوات الأخيرة، ابتكر السعوديون عمليات شراء عدة، لمواجهة أزماتهم المالية، تُمكنهم من الحصول على تسهيلات وقروض مالية بطريقة شرعية، لكنّها بعيدة عن البنوك ودور التسهيل المالي العاملة في البلاد.

ولجأ السعوديون لـ«مساحيق الغسيل»، والتي يعمل بالترويج لها عدد من رجال الأعمال من ذوي الطبقة المتوسطة، عن طريق عمليات بيع بالتقسيط، تُمكن المشتري من الحصول على مبلغ مالي، يتم سداده بطريقة شهرية، بضمانات مُعينة، قريبةً نوعاً ما من ضمانات البنوك.

ونشط عدد ممن يُسمون في السعودية بتجار اطلق عليهم اسم أحد مساحيق الغسيل الشهيرة، عبر الترويج لبيع كميات كبيرة من تلك المساحيق بطريقة التقسيط الشهري، ليحصل المشتري في ذات الوقت من خلال تلك العملية، على المبلغ المطلوب بطريقة الكاش. وتنتشر في العاصمة الرياض على وجه التحديد ومناطق أخرى وتحديدا في شمال البلاد، متاجر الترويج لمساحيق الغسيل، والتي تستهدف بدورها، ذوي الدخل المحدود، أو أصحاب الدخل المُتدني، أو من يواجهون إيقافاً من حيث إمكانية تلقي القروض من البنوك في البلاد. وتشترط إتمام تلك الأنواع من عمليات البيع، وهو ما يُتعارف عليه في السعودية بـ«مساحيق الغسيل»، تحويل مبلغ السداد الشهري من مرتب المشتري إلى البائع، بنسبة مُعينة، تُشكل أرباحاً من قيمة البيع الأصلي.

فيصل المطيري أحد من ينشطون في ذلك النوع من التجارة، والتي زاد الإقبال والطلب عليها، مع إقبال إجازة نهاية العام الدراسي، للراغبين في السفر للخارج، يرى أن مواجهة الديون والالتزامات المالية، أحد أهم أسباب نشاط هذا النوع من التجارة. المطيري أكد لـ«الشرق الأوسط» أن عمليات البيع تلك تسير وفق الشريعة الإسلامية، وهي التي تلقى إقبال ذوي الدخل المحدود على تلك الأنواع من الأنشطة التجارية، والتي تتطلب وفقاً لرأيه، اشتراطات أقل مستوى من الضمانات، على عكس ما تشترط البنوك في السعودية، بالإضافة إلى اشتراط شيكات شهرية، كضمان للأقساط الشهرية المستحقة. وخلال الأشهر الماضية، باتت تلك العمليات طبقاً للمطيري، تتطلب عمليات تحويل مُستقطع من حساب المشتري البنكي، لضمان سير عمليات السداد دون تعثّر، باتفاقٍ يتم قبل إتمام عملية الشراء.

المراقبون بدورهم، رأوا أن تلك الأنشطة التجارية غير نظامية، بل ويتطلب استمرارها وبقاؤها، أنظمة واضحة، تضمن حق المشتري بالدرجة الأولى، والبائع بالدرجة الثانية.

نبيل المبارك مدير عام الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية في السعودية «سمة»، أرجع أسباب انتشار تلك الأنواع من الأنشطة التجارية المرتكزة على عمليات بيع غير واضحة الملامح، إلى تدني مستوى الثقافة لدى الطرفين، وخلفته أنظمة القطاع المصرفي، والذي رأى المبارك عدم قبوله لهذه الطرق من البيع.

السنوات الخمس الماضية، شهدت ازدياداً في انتشار من أسماهم المبارك بـ«تُجار التايد»، الذين يشترطون أرباحاً عن قيمة البيع الأصلية تصل إلى 50 في المائة كأرباح، مُستغلين بذلك، والحديث لمدير عام «سمة» ثغرات بعض البنوك السعودية، وحاجة الناس.

وبلغ حجم الأموال المتداولة في عمليات البيع تلك، طبقاً للمبارك قرابة 500 مليار ريال (133.3 مليار دولار) منذ ظهورها في البلاد، وذلك وفقاً لدراسة مالية أجريت مؤخراً، وهي العمليات التي رأى المبارك عدم تأثر حركة الاقتراض والتمويل في البنوك السعودية بها. وتجري عمليات البيع، عبر تخزين السلع في مخازن كُبرى، وتشترط وضع المشتري يده على السلعة المراد بيعها، لتبقى في موقعها، لتلاقي مشترياً آخر، ومستفيد آخر من التمويل المالي الناتج عن هذه الأنواع من البيع.

ويعمل تُجار مساحيق الغسيل عبر تصاريح رسمية، لمكاتب خدمات عامة، أو تصاريح أخرى من وزارة التجارة، لممارسة تقسيط السلع، دون تحديد السلع لدى الجهات الرسمية، وهو ما يُعطي الحق في عمليات البيع تلك. وعاد نبيل المبارك هنا، وطالب بتنظيم واضح، وتحديد الأرباح في الترخيص الرسمي، لمنع أي عمليات بيع قد تكون مشبوهة، أو ذات مصادر غير نظامية، ربما يدخل بعضها في عمليات غسيل أموال. وبدأت تنشط هذه العمليات للبيع بالتقسيط قبل سنوات، عبر بيع سلع منزلية، بالإضافة إلى بعض المواد الغذائية التي تتحمل أكبر قدر من توقيت التخزين، إلى أن تحولت السلع المستهدفة من خلال عمليات البيع، إلى مساحيق الغسيل، والتي باتت وسيلةً لمواجهة أزمات ذوي الدخل المحدود المالية.