الإيجابية في التعاطي مع قرار إنشاء سوق للصكوك

لاحم الناصر

TT

لا يختلف اثنان على أهمية الخطوة التي اتخذتها هيئة السوق المالية بإطلاق السوق الثانوية لتداول الصكوك في تحفيز القطاع الحكومي وشبه الحكومي والخاص على إصدار الصكوك، مما سيجعل من المملكة العربية السعودية لاعبا رئيسا في هذه السوق الواعدة التي تتوقع لها الدراسات أن تشهد في الفترة القادمة طفرة غير مسبوقة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ حجم الإصدارات في عام 2010م حوالي 200 مليار دولار؛ مما سيمكن القطاع الحكومي وشبه الحكومي والخاص من الاستفادة من هذه الأموال، بدلا من بحثها عن الفرص الاستثمارية خارج السعودية، إذ تعتبر المملكة الدولة الثانية بعد إيران من حيث حجم أصول صناعة الصيرفة الإسلامية، وفق تقرير التنافسية لماكينزي. كما أن وجود السوق الثانوية لتداول الصكوك هي إحدى الخطوات المهمة لتأهيل الرياض لتكون أحد أهم المراكز المالية لصناعة الصيرفة الإسلامية، وهي المكانة التي تستحقها، وتأخرت كثيرا في تبوؤها، نتيجة لعدم قناعة البعض بهذه الصناعة في فترة سابقة، مما أعطى بعض العواصم المجاورة، بل حتى الغربية والآسيوية، الفرصة لأخذ هذا الدور، فأصبحت المنافسة بين الرياض وبين هذه العواصم صعبة، إذ إن هذه العواصم قد سبقت الرياض بأشواط في سبيل ترسيخ أقدامها في هذا المجال، ومع ذلك فإن مهمة السعودية ليست مستحيلة، متى ما تضافرت الجهود ووضعت الاستراتيجيات والخطط المناسبة لذلك، بعيدا عن البيروقراطية العقيمة. ومن هنا، فإنني أرى أن الخطوة التي اتخذتها الهيئة بإطلاق السوق الثانوية لتداول الصكوك يجب أن تدعم من قبل جميع الأطراف المهتمة بوضع الرياض على خريطة مراكز الصناعة المالية الإسلامية، وإن كان هناك بعض الملاحظات، سواء كانت شرعية أو فنية على هذا القرار، مهما بلغ حجمها، فيجب أن تناقش مع الهيئة بشكل هادئ، بعيدا عن التشنج والتصعيد الإعلامي الذي لن يؤدي إلا إلى سد منافذ الحوار، وتمسك الهيئة بقرارها، وهذا ما أثبتته الكثير من التجارب السابقة مع بعض الهيئات الحكومية، حيث لم تؤد مثل هذه الأساليب الانفعالية إلى أي تغيير يذكر، بل زادت من إصرار هذه الهيئات على قراراتها. ومن هنا، فإنني أهيب بأصحاب الفضيلة المشايخ الجلوس مع الإخوة في الهيئة، ومناقشتهم في ملابسات القرار وظروفه، وإمكانية تعديله أو تحييده، لا سيما أنه لا يتداول في السوق اليوم سوى الصكوك المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، التي لم تكن لترى النور لولا توفيق الله، ثم وجود هيئة السوق المالية التي سهلت إصدار الصكوك، بل إن هيئة السوق المالية يحسب لها أنها أول هيئة رقابية مالية سعودية تخص الصيرفة الإسلامية بالذكر في لوائحها، حيث خصت صناديق الاستثمار الإسلامية ببعض المواد في لائحة الصناديق الاستثمارية.

إنني أرى أن إطلاق سوق الصكوك والسندات في هذا الوقت بالذات هو تشجيع من الهيئة للجهات الحكومية والخاصة لإصدار الصكوك، ودفع منها بهذا السوق إلى الأمام، لا سيما أن التداول في السوق مقصور على الطرح العام، الذي نعلم ـ بحكم الأمر الواقع ـ أنه لن يكون إلا متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية، بسبب رفض غالبية المستثمرين في المملكة العربية السعودية لأي أداة استثمارية لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

إن قولي هذا لا يجوز أن يُفهم منه أنه دعوة إلى عدم بيان الحلال من الحرام في المعاملات التي تجري في هذا السوق، ولكنني أدعو أن يكون هذا البيان مقتصرا على ما تدعو الحاجة إلى بيانه بالحكمة والموعظة الحسنة المشتملة على الرفق واللين وحسن الخطاب، بعيدا عن التشهير والتقريع. قال تعالى «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» سورة النحل 125. كما أن هذا هو الهدي النبوي الشريف، حيث ورد في صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أَمَّ الناسَ فليوجِز، فإنَّ مِن ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة». وكان هذا دأبه (صلى الله عليه وسلم) في الإنكار، حيث كان يقول «ما بال أقوام..»، فيوري ولا يصرح، وهذا من حكمته وكمال خلقه (صلى الله عليه وسلم).

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]