حالات الإخفاق تكشف عن المخاطر القانونية للصكوك

لاحم الناصر

TT

لأول مرة منذ ظهر أول إصدار للصكوك في ماليزيا عام 2001م، تظهر هذا العام حالات إخفاق في الدفع من بعض مصدري الصكوك في الكويت وأميركا وماليزيا، حيث تجاوز عدد الإصدارات المصنفة قانونيا على أنها في حالة إخفاق ما يقرب من خمس حالات. كما أن هناك بعض الإصدارات تعتبر في حال إخفاق فني، وبالتالي يتوقع أن يعلن في أي وقت وصولها لمرحلة الإخفاق القانوني. ومن هنا بدأت تتكشف المخاطر القانونية التي تكتنف هذا النوع من الأوراق المالية التي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية في هيكلتها وعقودها، حيث إن غالبية إصدارات الصكوك تنص على أن الاختصاص القضائي هو للمحاكم البريطانية وأن القانون المحكم هو القانون البريطاني على أن لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. كما أن الكثير من مصدري الصكوك يلجأون لإنشاء شركات ذات أغراض خاصة في بعض الأماكن لأغراض قانونية أو ضريبية مثل جزر كايمن بغرض نقل أصول الصكوك لها. فكيف سيتم التعامل مع حالات الإخفاق هذه، هل ستتم معاملتها على غرار السندات التقليدية؟. وكيف سيتعامل القضاء مع حالات التعارض بين الشريعة الإسلامية والقانون البريطاني؟ ومدى إلزامية شرط عدم تعارض الأحكام مع الشريعة الإسلامية للقضاء؟. وفي حالات الإفلاس كيف سيتعامل القضاء مع الأصول المكونة للصكوك؟ هل باعتبارها أصولا مملوكة لحملة الصكوك أم ستدخل في التفليسة، ومن ثم يستوي حملة الصكوك مع غيرهم من الدائنين في قسمة الغرماء؟. وفي حال الصكوك غير المضمونة بأصول مثل بعض صكوك المنافع، هل لحملة الصكوك الحق في وضع اليد على أصول الشركة المنتجة لهذه المنافع أم تتم معاملتهم أسوة بغيرهم من الدائنين؟ وما هو تعريف الإخفاق في الوفاء بالالتزام في الشريعة الإسلامية؟ ومتى يمكن وصف المصدر في الشريعة الإسلامية بأنه أخفق في الوفاء بالتزاماته؟. وهل يمكن إعادة هيكلة التزامات الصكوك أو التعويض عن التأخير في الدفع؟ وهل القضاء المحلي وبالذات في دول الخليج مؤهل للفصل في قضايا الصكوك؟. هذه الأسئلة وغيرها الكثير هي ما يشغل بال حملة الصكوك والقانونيين اليوم حيث الكل يبحث عن إجابات لهذه التساؤلات في حين كان الجميع في فترة الازدهار الاقتصادي غافلا عن ذلك حيث كان الجميع يظن أن الصكوك بمنأى عن حالات الإخفاق. ومن هنا لم يلق هذا الجانب أي عناية من قبل جميع الأطراف الناشطة في سوق الصكوك سواء الحكومات أو المؤسسات المالية والمستثمرين الأفراد مع كثرة الدعوات من قبل المتخصصين للعناية بهذا الجانب وبالتالي فرب ضارة نافعة، حيث أتوقع أن تؤدي حالات الإخفاق هذه وما سيصاحبها من إشكالات قانونية إلى سعي الحكومات، ممثلة في الهيئات التشريعية والتنظيمية، لإيجاد الأطر القانونية والتشريعية المناسبة للصكوك مع تأهيل المؤسسات القضائية في هذا الجانب حتى تستطيع النظر في هذه القضايا، وذلك حتى تستطيع سوق الصكوك الاستمرار في نموها. حيث إن بقاء هذه الإشكالات القانونية دون حل سيؤدي إلى انصراف المستثمرين عنها نظرا لما تمثله من مخاطر كبيرة على حملة الصكوك.

ومن ثم فإنني اقترح على مجلس الخدمات المالية الإسلامية أخذ زمام المبادرة والعمل مع مجمع الفقه الإسلامي الدولي لوضع مسودة قوانين لأحكام المعاملات في الفقه الإسلامي حتى يمكن للقضاء الاستناد عليها مع العمل مع الدول الأعضاء في المجلس على تبني هذه المسودة في مجال المعاملات المالية الإسلامية. إذ إن عدم وجود قوانين مكتوبة للشريعة الإسلامية يحول دون إعمال شرط عدم تعارض الأحكام الصادرة عن القضاء البريطاني مع الشريعة الإسلامية في المحاكم البريطانية. كما اقترح على المجلس وضع مسودة تشريعات خاصة بالصكوك تغطي جميع الجوانب القانونية الخاصة بجميع هياكل الصكوك مثل حالات الإخفاق في الدفع والإفلاس ومتى يحق لحملة الصكوك الرجوع على الأصول المكونة للصكوك ومتى لا يجوز ذلك بشكل مفصل ودقيق.

لقد بلغت سوق الصكوك الرشد ولا ينبغي أن تبقى دون تشريعات وقوانين تناسب خصوصيتها وتوفر البيئة القانونية المناسبة التي تشجع المستثمرين على اقتنائها حيث لا أهمية لوجود أسواق ثانوية لتداولها إذا لم توجد القوانين والتشريعات التي تضمن حقوق جميع الأطراف بكل وضوح وشفافية والنظام القضائي الفاعل والمؤهل، حيث إن مثل هذه القضايا لا تحتمل التأخير أو المماطلة.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]