خبراء ينتقدون سياسات شركات التأمين وملاءتها للأحكام الفقهية.. ومستثمرون يحتكمون لهيئات شرعية

مختصون لـ «الشرق الأوسط» : نطالب بإنشاء جهاز حكومي مستقل وزيادة تثقيف الجمهور

تطرق ملتقى التأمين التعاوني الذي عقد في الرياض إلى الكثير من القضايا التأمينية («الشرق الأوسط»)
TT

انتقد خبراء شرعيون في مجال التأمين التعاوني، سياسة معظم شركات التأمين التكافلي في استثمار أموال المشاركين في الصناديق التأمينية، لا سيما ما لا يتوافق منها مع أحكام الشريعة الإسلامية، مستغلة عدم وجود ضوابط محددة للتأمين التعاوني في السعودية. في وقت أرجع مدير عام شركة تأمين، السبب إلى عدم استيفاء اللائحة التنفيذية للنظام متطلبات الأحكام الشرعية في التأمين، الصادرة من المجامع الفقهية، بينما يؤكد المدير التنفيذي لشركة تأمين أخرى، أن جميع العمليات الاستثمارية تتفق وتعليمات مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية.

وقال خبراء شرعيون إن شركات التأمين لا تستثمر أموال المشاركين وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، إذ إنها تجاهلت مبدأ منح أصحاب رأس المال نسبة محددة من أرباح الاستثمار مقابل إدارتهم للشركة، واستفرد الملاك بالتصرف بأموال المشاركين في صناديق التأمين، في استثمارات وصفقات تجارية، تكون الأرباح المخصصة منها للمشاركين أقل من 10 في المائة.

وبموازاة التطور الذي تشهده أعمال التأمين التكافلي في السوق السعودية، والتوقع له بالصعود خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا أن هنالك انتقادات تجاه الكثير من أنشطة التأمين التعاوني، ومطالبات بتطوير لوائح وأنظمة التكافل التعاوني وتثقيف الجمهور بأنواعه وأهدافه وآلياته.

وبحسب خبراء، فإن التأمين الإسلامي لا يزال قطاعا ناشئا في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى أن السوق الآن بحاجة ملحة إلى إنشاء هيئة حكومية منفصلة، وتثقيف الجمهور وتوعيته بجدوى وفائدة التأمين التكافلي.

الدكتور يوسف الزامل، خبير اقتصادي ومهتم بالمصرفية الإسلامية، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن نسبة مطابقة أعمال شركات التأمين لأحكام الشريعة الإسلامية لا تتجاوز 10 في المائة، مرجحا السبب في ذلك إلى أن شركات التأمين لا تصرف للمشتركين سوى 10 في المائة من الأرباح كحد أقصى، بينما تبقى الـ90 في المائة من الأرباح تجارية.

وأكد الزامل، على وجوب الفصل بين أموال مالك شركة التأمين وأموال المشتركين في صندوق المشتركين للتأمين، حيث إن هنالك شركات تأمين يقوم ملاكها بالتصرف بأموال المشتركين بغرض الدخول في مضاربات وصفقات تعود نتائجها وأرباحها على الملاك أنفسهم.

لكن لطفي الزين، المدير التنفيذي لشركة «ميدغلف» للتأمين، التي يتم تداول أسهمها في السوق المالية السعودية، يرى أن شركات التأمين هي من يقوم بالمخاطرة برؤوس الأموال، بينما تضمن للمشاركين في صناديقها التأمينية سلامة سير برامجهم التأمينية، مؤكدا أن ذلك يتم تحت إشراف مؤسسة النقد وهيئة سوق المال.

وأكد لطفي الزين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك شركات تأمين لديها هيئات شرعية تشرف على العمليات الاستثمارية، التي تقوم بها مدللا على ذلك بأن الهيئة الشرعية لشركته تقوم بالمصادقة على جميع البرامج التأمينية التي تقدمها، واصفا ذلك بالمتطابق مع الأحكام الشرعية في التأمين. فيما يخالف الدكتور الزامل، ما تقوم به بعض شركات التأمين من نشاطات، معتبرا ذلك بأنه ظلم وغرر وعدم كفاءة في التنظيم وتصريف أموال المشتركين، واصفا التزام شركات التأمين بلوائح نظام التأمين، بالالتزام الورقي وليس الجوهري، حيث إن معظم شركات التأمين لا تطبق ما جاءت به تلك اللوائح.

وحمل الزامل، الجهات المسؤولة عن قطاع التأمين في السعودية مسؤولية عدم التزام شركات التأمين بأنظمة التأمين المعمول بها، مطالبا إياها بتطوير أنظمة التأمين التعاوني وإلزام شركات التأمين بتطبيق ما ورد في لوائح تنظيم شركات التأمين، تطبيقا عمليا.

ووصف الخبير الاقتصادي، المنافسة بين شركات التأمين بالمنافسة التجارية البحتة، حيث إن أخطاء شركات التأمين باتت كثيرة، في الوقت الذي يعتبر موقف المالك لشركة التأمين أقوى من عامة الناس الذين يفتقدون لممثلين يقومون بالدفاع عن حقوقهم.

وقال يوسف الزامل، إن سوق التأمين يفتقد لفتاوى شرعية تؤكد شرعية برامج الشركات العاملة فيه، مشيرا إلى أن لوائح نظام التأمين، تفتقر في طياتها إلى الكثير من النقاط المهمة، والمتمثلة في استيفاء متطلبات الأحكام الشرعية، والجوانب الموضوعية للتأمين، وتطوير أنظمة التكافل التعاوني، وتفعيل دور الرقيب على نشاط شركات التأمين. من ناحيته، أكد لـ«الشرق الوسط» عبد الرحمن الصعب، خبير شرعي في التأمين التعاوني، أن العلاقة بين المشتركين فيما بينهم وبين صندوق التأمين تقوم على أساس التعاون والتبرع، وعلاقة المستأمنين فيما بينهم لا تعد معاوضة، وإن وجد فيها عنصر التبادل، لأنها من باب المشاركات لا من باب المعاوضات، مضيفا أن ذلك لا يزال يحتاج إلى مزيد من الدراسة.

وطالب الصعب بإنشاء هيئة حكومية منفصلة، تكون هي الجهة الإشرافية والرقابية على أعمال التأمين التعاوني وتطويرها، مضيفا أن إدارة استثمار أموال الصندوق عن طريق الاستثمار والمضاربة من خلال الوكالة بأجر أو غيره من الصيغ الشرعية، هي من مهمة شركة التأمين، التي تقوم بإدارة عمليات التأمين من خلال ضوابط محددة تحفظ الحقوق للطرفين. من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عمر حافظ، مدير عام شركة «أسيج» للتأمين وهي إحدى الشركات التي يتم تداول أسهمها في سوق الأسهم السعودية، أن بعض وجهات النظر التي تصدر من بعض الفقهاء والمشائخ المتخصصين في سوق التأمين، حول عدم مطابقة أعمال شركات التأمين لأحكام الشريعة الإسلامية، ترجع إلى أن اللائحة التنفيذية للنظام لم تستوفي متطلبات الأحكام الشرعية في التأمين الصادرة من المجامع الفقهية.

وطالب حافظ، مؤسسة النقد العربي السعودية بأن تصدر بيانا لعامة الناس توضح فيه مدى التزام شركات التأمين بأحكام الشريعة الإسلامية، معتبرا أن المؤسسة تمتلك دورا كبيرا في طمأنة الناس تجاه توافق برامج شركات التأمين مع الشريعة الإسلامية، حيث إن الشركات المرخص لها تعمل بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وفق اللائحة التنظيمية لسوق التأمين في السعودية. وتوقع حافظ أن يستمر سوق التأمين السعودي في النمو خلال الخمس سنوات المقبلة بمعدل 10 في المائة سنويا. ويبلغ عدد شركات التأمين المرخص لها بالعمل في السوق السعودية في الوقت الحالي 22 شركة، تعمل جميعها وفق التأمين التعاوني، الذي ألزمها به نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني. وكان تقرير قد نشر مؤخرا عن مؤسسة «ستاندرد اند بورز»، أوضح أن لدى سوق التأمين التكافلي بدول مجلس التعاون، الذي ينمو حاليا بنسبة تقارب 40 في المائة سنويا، القدرة على النمو ليبلغ 4 مليارات دولار في السنوات القليلة القادمة. ويبلغ حجم أقساط التأمين التكافلي في دول مجلس التعاون الخليجي 10 في المائة من حجم أقساط التأمين التقليدي، بينما في ماليزيا التي سبقت دول مجلس التعاون الخليجي بخمسة عشر عاما في التأسيس لصناعة التكافل.