نتائج أكل الثمرة المحرمة على الصيرفة الإسلامية

جانب من العاصمة القطرية الدوحة (رويترز)
TT

يقوم نموذج الصيرفة الإسلامية نظريا على استحقاق الربح نتيجة المشاركة في المخاطر عبر استخدام عقود المضاربة والمشاركة والإجارة والسلم وغيرها من عقود المعاملات الإسلامية مع البعد عن عقود المداينات بحيث يجب أن لا تشكل ثقلا في محفظتها الاستثمارية لما فيها من مخاطر على الأفراد والمجتمعات. إذ تؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي قلة قليلة من المجتمع وهي الفئة القادرة على تقديم الضمانات الكافية وذات الملاءة المالية الجيدة، فيما يحرم السواد الأعظم، من المجتمع من متوسطي الدخل وأرباب الحرف والمهنيين والمبدعين والشركات المتوسطة والصغيرة، من الاستفادة من هذه الأموال المكدسة في المصارف في تمويل مشاريعهم لتحقيق النمو والانتشار، مما يؤدي إلى خنق الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فتفشل لتفلس في وقت لاحق، وهو ما يؤدي إلى خسارة اقتصادية جسيمة. ويأتي ذلك نظرا لأن هذه المشاريع تمثل حوالي 90 في المائة من الشركات في العالم. كما أنها توفر ما بين 40% و80% من فرص العمل. فعلى سبيل المثال تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة 85% من الناتج المحلي البريطاني و51% من الناتج المحلي الأميركي، وفقا لدراسة نشرها «مركز الشرق العربي». كما أن 75% من الوظائف المولدة في الولايات المتحدة الأميركية من عام 1979م إلى عام 1995م ولدها قطاع الأعمال الصغيرة.

كما أن اعتماد التمويل على المداينات سيجعل من توفر التمويل اللازم للمخترعين لكي ترى اختراعاتهم النور، ضربا من الخيال فتقتل روح الاختراع والإبداع لدى الأمة، وبما أن التمويل هو الحبل السري المغذي لكل ذلك، وعندما يكون السبيل الوحيد للحصول على التمويل هو المداينة، فإن هذا الحبل ينقطع ويتركز المال في يد فئة قليلة من الناس، وهو ما حذر منه القرآن في سورة الحشر آية 7 قال تعالى (....... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). إلا أن الصيرفة الإسلامية في تطبيقها العملي خالفت النظرية التي تقوم عليها فتحولت من مصرفية قائمة على المشاركة إلى مصرفية قائمة على المداينات، حيث تصل نسبة المرابحات في بعض المصارف الإسلامية إلى 92% من حجم محفظتها التمويلية ومن استخدام معدل الربح إلى استخدام معدل الفائدة، مما جعلها لصيقة بالمصرفية التقليدية، حيث تستخدم أدواتها في إدارة المخاطر وتحديد الربحية والسياسات الائتمانية، فأصبحت عرضة للأمراض الناتجة عن ذلك مثلها مثل الصيرفة التقليدية. ولم تعد ذلك الملاذ الآمن للمستثمرين، فهي معرضة لمخاطر الانكشاف على المديونيات المتعثرة نتيجة للتركيز في المنح الائتماني لعدد محدود من الأفراد ذوي الملاءة المالية الجيدة والشركات الكبيرة بناء على القدرة على تقديم الضمانات أو الجدارة الائتمانية دون النظر في جدوى المشاريع الممولة أو أين تذهب هذه الأموال الممنوحة بالتورق أو المرابحة وهذا ما كان ليحدث لو تم التمويل بالمشاركة أو المضاربة. كما أنها معرضة لإخفاق حملة الصكوك في الوفاء بالتزاماتهم نظرا لما كانت هذه الصكوك تعانيه من خلل شرعي، حيث لم يكن نقل الأصول لحملة الصكوك حقيقيا في الكثير من هذه الصكوك. كما أن حرص الكثير ممن يهيكلون هذه الصكوك على تضمينها تعهدا من المصدر لحملة الصكوك بشراء الصكوك عند أي حالة من حالات الإخفاق دون الإشارة إلى أي مخارج أخرى، جعل من إخفاق مصدر الصك في دفع الربح إخفاقا في الوفاء بقيمة الصك نظرا لعدم قدرة مصدر الصك على الوفاء بالتزامه بشراء الصك، مما زاد من عمليات إخفاق الصكوك وهو ما رفع من نسبة المخاطر التي تتعرض لها الصكوك. وأصبح تعرض الصيرفة الإسلامية لمخاطر إفلاس المدينين الأفراد نتيجة لتوسعها في منح الائتمان الاستهلاكي القائم على التورق أكبر من ذي قبل.

إذا أضفنا إلى كل ذلك فقدان الصيرفة الإسلامية لهويتها ومبادئها التي قامت عليها، حيث لم تعد ذلك العامل الذي تعول عليه المجتمعات الإسلامية للنهوض بها والمساهمة في تطورها، استطعنا تقدير الضرر الذي أحدثته المداينات في نموذج الصيرفة الإسلامية. إذ لم تعد ذلك النموذج القائم على المشاركة في الأرباح والخسائر الناتجة عن نشاط حقيقي يسهم في زيادة الإنتاجية وخلق الوظائف ومن ثم فلم تعد ذلك النموذج الذي يمكن أن يحدث فرقا عند تقديمه للعالم. لقد كانت المداينات بمثابة الثمرة المحرمة التي لا يجوز للصيرفة الإسلامية الاقتراب منها فأكلتها.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]