محكمة كويتية ترفض قرارا حكوميا وتسمح لمصرف إسلامي بالتعامل في قطاع الإسكان

في ظل جدل قانوني يمنع تملك البنوك الإسلامية للعقار

قد يؤثر قانونا 8 و9 في نمو السوق العقارية في الكويت («الشرق الأوسط»)
TT

أعلنت محكمة التمييز في الكويت أمس، عن رفض الاستشكال المقدم من قبل الحكومة الكويتية لوقف حكم محكمة الاستئناف، الذي يقضي باستثناء بيت التمويل الكويتي من تطبيق قوانين صدرت العام الماضي تمنع البنوك الإسلامية أن تمتلك أو تتعامل في قسائم ومباني السكن الخاص داخل الكويت.

ويتوقع أن يبدأ بيت التمويل الكويتي إجراءاته البدء لعمليات الرهن العقاري خلال الفترة المقبلة، في ضوء رفض محكمة التمييز استشكال الحكومة، والذي يعتبر آخر درجات التقاضي.

وكان قانونان يحملان رقم «8 و9» أصدرهما البنك المركزي الكويتي العام الماضي، أثار جدلا واسعا لدى الشركات والبنوك الإسلامية والتقليدية العاملة في البلاد، حيث جاء إصدار القانونين في إطار محاربة التضخم في قطاع العقار بهدف تقليل المضاربة. وينص القانونان على منع البنوك الإسلامية من التملك أو التعامل في قسائم ومباني السكن الخاص داخل الكويت.

وكانت وزارة التجارة والصناعة الكويتية أعدت دراسة ورفعتها إلى مجلس الوزراء الكويتي مطالبة فيها المجلس باتخاذ إجراءات سريعة وحازمة لوقف التضخم في العقار، والذي وصل إلى نحو 11.5 في المائة، مما جعل البنك المركزي الكويتي يصدر القانونين رقم 8 و9 لسنة 2008 مطالبا وزارة العدل بعدم تسجيل عقود العقار السكني والخاصة بالبيع والشراء من قبل الشركات والبنوك الإسلامية.

ودفع هذا القانون بيت التمويل الكويتي إلى رفع قضية ضد وزارة العدل باعتبار أنه من أكثر البنوك المتضررة من هذه الإجراءات، وتضامن مع بيت التمويل البنوك الإسلامية الأخرى في الكويت وهي بنك الكويت الدولي وبنك بوبيان.

واستغرقت القضية وقتا طويلا تزامن مع إجراءات النظر فيها حدوث الأزمة العالمية التي أدت إلى انخفاض أسعار العقار في الكويت بنسب تراوحت ما بين 30 ـ 40 في المائة، إلا أنه رغم الانخفاض الكبير في أسعار العقار والتي كانت سببا في إصدار قانوني رقم 8 و9 لم تتخذ الدولة أي إجراءات لأبطال هذين القانونين.

وقال حامد الياقوت المستشار القانوني في بيت التمويل الكويتي، إن المحكمة الكلية ألغت قرار وزارة العدل بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات الخاصة بعقارات السكن الخاص في البيع والرهن، وعدم خضوع بيت التمويل الكويتي والبنوك الإسلامية لأحكام قانوني 8، 9 اللذين أصدرا في العام الماضي.

وأكد الياقوت أن الدائرة الإدارية الأولى بالمحكمة الكلية سبق وأصدرت في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2008 حكمها في الدعوى المقامة من بيت التمويل بطلب إلغاء قرار وزارة العدل السلبي بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات والسير نحو التسجيل أو قيد التصرفات الواردة على العقارات موضوع الدعوى، والمتضمنة بيع أو شراء أو رهن عقارات السكن الخاص محل هذه التصرفات وما يترتب على ذلك من آثار.

وأوضح الياقوت أن الحكم الذي صدر أخيرا حسم الجدل حول مدى خضوع البنوك الإسلامية لأحكام القانونين رقم 8، 9 لسنة 2008 بشأن منع الشركات من التعامل في قسائم السكن الخاص من عدمه. وبين أن المحكمة ساقت في بيان وتطبيق هذا المبدأ النصوص القانونية الواردة في قانون بنك الكويت المركزي، وأشارت بشكل خاص إلى ما يتعلق بنص المادة (99) التي أجازت استثناء للبنوك الإسلامية في تملك أو التعامل أو الرهن في قسائم أو مباني السكن الخاص لأغراض تنفيذ عمليات التمويل التي يتم الاتفاق عليها مع العملاء، وفقا لأساليب وصيغ التمويل التي تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية.

ولفت أن القانون ألغى المادة رقم (70) من قانون الشركات التي كانت تحظر أن يكون من أغراض الشركة المساهمة الاتجار بقسائم السكن الخاص، وذلك فيما عدا الأعمال الخاصة بتمويل شراء تلك المساكن ولم يلغ القانون أو يتعرض لنص المادة (99) سالفة الذكر، وكان يملك المشرع لو أراد أن يلغي هذه المادة.

وأشار المستشار القانوني في بيت التمويل الكويتي إلى قانون الشركات التجارية، الذي يعتبر قانونا عاما، وتمثل نصوصه الشريعة العامة التي تسود أحكامه على كافة الشركات بصفة عامة، وأنه لا مراء في أن بيت التمويل الكويتي بنك إسلامي يندرج تحت قائمة البنوك الإسلامية الخاضعة للقانون رقم 32 لعام 1968، بشأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية، والمعدل بالقانون رقم 30 لعام 2003 بشأن إضافة قسم خاص بالبنوك الإسلامية إلى الباب الثالث الذي يعتبر ـ كما بينت المحكمة تفصيلا على نحو ما سلف ـ تشريعا خاصا بالبنوك فقط دون باقي الشركات.

وأضاف أن ما يؤكد ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون التي قررت أن البنوك بصفة عامة هي مؤسسات ذات طبيعة خاصة، كما استفاض الحكم ببيان الأسانيد والأسباب التي تقرر وبحق في أن القانونين رقمي 8 و9 لا تنطبق أحكامهما على البنوك الإسلامية.

وذكر أن الهيئة القضائية وفقت في بيان وإيضاح الأدلة القاطعة في إجازة البنوك الإسلامية في تعاملها بالتملك أو التمويل أو الرهن لعقارات وقسائم السكن الخاص وفقا لصيغ التمويل الشرعية.

وأكد أن ذلك هو عمل بيت التمويل الكويتي ببيانه وتفصيله لإدارة التسجيل العقاري، إلا أنها قد تذرعت بتطبيق أحكام القانونين رقمي 8 و9 على البنوك الإسلامية مما اضطر بيت التمويل الكويتي إلى إقامة هذه الدعوى التي تكللت بصدور الحكم بما يتفق وأسباب رفع الدعوى.

وأخيرا فإن منطوق الحكم قد قضى بأن إدارة التسجيل العقاري، قد امتنعت عن اتخاذ إجراءات تسجيل وقيد تلك العقود والتصرفات متذرعة بما ورد في القانون رقم 9 لسنة 2008، وذلك بشأن تعديل قانون الشركات وسحبت به على البنك المدعي، بأنها تكون بذلك قد خالفت صحيح القانون وطبقت الحظر الوارد به على البنك المدعي في غير محله، وبما يكون معه قرارها سالف البيان غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون ويتعين على المحكمة إلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار.

ومن جهته أوضح توفيق الجراح رئيس اتحاد العقارين في الكويت أن ما أثير حول القانونين رقم 8 و9 يتعلق بتعديل بعض أحكام قانون الشركات التجارية رقم 15 لعام 1960، أو توزيع الأراضي الفضاء، قد حظر على جميع الشركات والمؤسسات الفردية التعامل بالبيع والشراء أو الرهن للقسائم أو بيوت السكن الخاص.

وأشار إلى أن الحكم الصادر لصالح بيت التمويل الكويتي يعيد الأوضاع إلى نصابها، ويساهم في تحريك سوق العقار الذي شهد حالة ركود شديد وتراجع كبير في قيم الأصول العقارية لدى الشركات العقارية التي تمر بأزمة حادة جراء عدم قدراتها على الوفاء الالتزامات المالية، والتي تقدر بنحو 6 مليارات دينار لجميع الشركات العقارية في الكويت.

وأضاف الجراح أن عملية الرهن والتمويل يجب أن تكون متاحة للجميع، باعتبار أنها حق متفرع من الملكية التي رهنها الدستور الكويتي للأفراد، مشيرا إلى أن هناك توجها لدى الحكومة الكويتية ومجلس الأمة لمراجعة القانونين، وذلك لمساعدة القطاع العقاري في الخروج من أزمته، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن حجم الاستثمار في قطاع العقار في الكويت تقدر بأكثر من 100 مليار دينار.

وذكر أن القطاع الخاص الكويتي ساهم في السنوات الماضية بشكل كبير في حل المشكلة الإسكانية، إلا أن هذين القانونين أديا إلى إيقاف عمليات البيع والشراء، موضحا أن الهدف من إصدار هذين القانونين لمحاربة التضخم في أسعار العقار والأراضي السكنية.

وبين أن هذا الارتفاع لم يكن بسبب المضاربات التي وجهت للشركات العقارية والاستثمارية والبنوك الإسلامية بل بسبب الحكومة الكويتية التي لم تقم في السنوات الماضية بطرح أراضي سكنية.

وأضاف رئيس اتحاد العقارين في الكويت أن من ضمن بنود القانونين رقمي 8 و9 لسنة 2008 أن توفر الحكومة 100 ألف قطعة أرض سكنية لمواطنيها للقضاء على ظاهرة الارتفاع المبالغ في أسعار أراضي العقار السكني، إلا أن الحكومة خالفت ذلك القانون ولم توفر هذه الأراضي حتى الآن.

ومن جانب آخر قال مصدر مسؤول في بنك الكويت الدولي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ إنه رغم صدور الحكم لصالح بيت التمويل الكويتي، فإنه سيتم سريانه على باقي البنوك الإسلامية في الكويت، مشيرا إلى أن تصدر بيت التمويل الكويتي لهذه القضية يعود إلى سيطرته على حوالي 70 في المائة من حجم التمويل العقاري في الكويت.

وأضاف المصدر أن الحكم جاء تماشيا مع قانون إنشاء البنوك الإسلامية الذي نصت بعض بنوده على السماح للبنوك الإسلامية بتسجيل العقار السكني باسمها كون طبيعة العمل الإسلامي في هذه البنوك يتطلب تسجيل العقارات المباعة باسمها. وأشار إلى أنه منذ أزمة 2002، كان بيت التمويل الكويتي يعمل من خلال نشاطي المرابحة والإجارة لتمويل العقار السكني والرهن العقاري، بعيدا عن المضاربات التي تؤكد الجهات الحكومية أنها سببا أساسيا في تضخم العقار في الكويت.

وفي الوقت نفسه، قال قيس الغانم أمين سر اتحاد ملاك العقار إن الحكم صدر لصالح البنوك الإسلامية دون البنوك التقليدية وشركات التمويل، فالقانون ما زال يمنعها من الإقراض ورهن وتمويل العقار، وطالبت الحكومة بإلغاء القانونين رقمي 8، 9 لسنة 2008، كاشفا وجود دعوة أمام المحكمة الدستورية حول مدى دستورية القانونين.

وأضاف الغانم أن القانونين حدا من الدور الحيوي الذي يقوم به القطاع الخاص لمعالجة أزمة الطلبات الإسكانية المتراكمة، والتي تقدر بنحو 80 ألف طلب إسكاني، مشيرا إلى أنه من الضروري على الحكومة أن تتكاتف مع القطاع الخاص لمعالجة الأزمة الإسكانية في الكويت في ظل ارتفاع نسبة الشباب من إجمالي سكان دولة الكويت.