خبراء يدعون لكشف أوجه صرف أموال «غرامة التأخير» في البنوك الإسلامية

مؤسسات تخصصها لتكاليف الترويج عن نفسها.. وآخرون يضخونها في المؤتمرات

كثير من البنوك الإسلامية مطالبة بالإفصاح عن أوجه صرف مبالغ الغرامات («الشرق الأوسط»)
TT

دعا خبراء في المصرفية الإسلامية، إلى أهمية وجود لائحة داخلية في البنوك الإسلامية، توضح كيفية توجيه ريع غرامات تأخير سداد أقساط القروض وبطاقات الائتمان، لأوجه الخير والبر وآلية توزيعها.

وتأتي تلك الدعوات في وقت أكد فيه آخرون، على ضرورة استحداث إدارة رقابة لمراجعة عمليات صرف المبالغ المحصلة من غرامات التأخير، وضمان عدم دخولها ميزانيات تلك البنوك وعدم صرفها لصالح أنشطتها الدعائية والإعلامية.

وتواجه المصارف الإسلامية بعض الانتقادات المتعلقة بالشفافية والإفصاح حول آلية صرف الأموال الخبيثة، أو ما يعرف بالمكاسب غير المشروعة، التي لا تدخل في حسابات البنك الإسلامي. وتتمثل المكاسب غير المشروعة في غرامات التأخير التي تفرضها البنوك الإسلامية على بعض العملاء، الذين وقعوا معها عقود مرابحة أو إجارة بغرض الحصول على تمويل، أو لجوء المصارف الإسلامية إلى استغلال حساب المكاسب غير المشروعة في الصرف على مصالح المصرف، سواء عن طريق رعاية الندوات والمؤتمرات أو عن طريق الاستفادة من مبالغ هذا الحساب في برامج التسويق والترويج والإعلام. وأمام ذلك فإن كثيرا من المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية، تسعى بين فترة وأخرى للإعلان عن رعايتها ودعمها لبعض الفعاليات والمؤتمرات، وهذا الدعم يأتي في الغالب من الأموال المستقطعة من (الكسب غير المشروع).

وفي الوقت نفسه فإن الهيئات الشرعية تشدد على ضرورة أن يكون صرف هذه المبالغ في أوجه الخير والبر، التي قد لا يكون من ضمنها الرعايات والدعاية والإعلام. ويرى بعض الخبراء أن الهيئات الشرعية تلزم البنوك الإسلامية بتوضيح مصدر الأموال وجهات صرفها، وأن كثيرا من علماء ومشايخ الوقت الحاضر أجازوا للبنوك فرض غرامات تأخير على العملاء المتهاونين في التسديد، مبينا أن هذه الإجازة تشمل «العميل المماطل وليس الماطر»، بمعنى أن تكون الغرامة على من يتهاون ويتساهل في الالتزام بتسديد ما عليه من مبالغ لدى البنك الإسلامي. وأضافوا أن الهيئات الشرعية اشترطت ألا تدخل المبالغ المتحصلة من غرامات التأخير وغيرها في حسابات وميزانية البنك الإسلامي أو في أي مصلحة للبنك، وأنها تدقق في هذه المبالغ والأوجه التي صرفت فيها، نافيا أن تكون الهيئات الشرعية متهاونة في هذا الجانب مع إدارة المصرف الإسلامي. كما أوضحوا أن هناك تعاملات تحصل بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية، وأن بعض هذه التعاملات يحصل من ورائها مبالغ كفائدة للبنك الإسلامي، مفيدا أنه يحق للبنوك الإسلامية أن تحصل على هذه الفوائد بشرط أن تصرف في أوجه الخير والبر. وأجمع خبراء في المصرفية الإسلامية، على أهمية وجود لائحة داخلية في البنوك الإسلامية توضح كيفية توجيه ريع غرامات تأخير سداد أقساط القروض وبطاقات الائتمان، لأوجه الخير والبر وآلية توزيعها.

وقال نظام يعقوبي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين، وعضو العديد من الهيئات الشرعية في البنوك، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن البنوك الإسلامية ما زالت بحاجة إلى لائحة داخلية تبين توجيه وآلية صرف المستحقات المالية، الناتجة عن تأخر عملاء البنك في سداد القروض أو البطاقات الائتمانية، حيث يتم صرفها في أوجه الخير والبر بإشراف مسؤولين، يقومون بتوزيع الأموال لجهات معروفة ومسجلة لدى الدولة على أنها جهات خيرية غير مشبوهة.

وبين عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين، أن الهيئات الشرعية اشترطت على البنوك الإسلامية أن صرف الأموال الناتجة عن تأخر العملاء في سداد الأقساط، يقتصر على أوجه البر، مضيفاً أنه من الممكن للبنوك أن تستفيد من هذه الأموال، بشكل غير مباشر، بحيث تغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، كأن يقيم البنك مؤتمرا للتوعية بالبنوك الإسلامية ويدعو إليه البنوك الأخرى وعامة الناس.

وزاد نظام يعقوبي أنه لا يجوز للبنوك أن تستفيد بشكل منفرد من هذه الأموال كأن تقيم دورات خاصة بموظفيها، وإقامة مؤتمرات خاصة بها من دون غيرها، مشيراً إلى أن الهيئة الشرعية للبنك هي التي تفتي في مدى استفادة البنك من تلك الأموال، لكن بطريقة غير مباشرة يتم فيها تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة للبنك.

إلى ذلك دعا الدكتور محمد الغامدي، رئيس المصرفية الإسلامية في بنك الجزيرة، إلى إيجاد إدارة رقابة في البنوك الإسلامية تقوم بمراجعة آلية صرف المبالغ المحصلة من الأقساط المتأخرة، وإجراء تقارير دورية تقدمها للبنك وللهيئات الشرعية، مشدداً على أن تكون مراجعة النواحي الشرعية في البنوك الإسلامية، بنفس المستوى الذي تتم فيه مراجعة وتدقيق الحسابات المالية. وأكد الدكتور الغامدي لـ«الشرق الأوسط»، أن تحصيل الأموال الناتجة عن التأخير في سداد الأقساط وصرفها، لا يتم إلا بموافقة الهيئة الشرعية، مبيناً أن الهيئة الشرعية ملزمة بمراجعة آلية صرف تلك المبالغ، حيث لا يجوز إنفاقها إلا في أوجه الخير والبر. وأوضح أن الأصل في تحصيل مستحقات مبالغ الأقساط المتأخرة هو عدم جواز صرفها والاستفادة منها في الرعايات والإعلان والإعلام، والتدريب، ورعاية المؤتمرات وغيرها، بل يقتصر صرفها على أوجه الخير، مؤكداً أن بعض البنوك السعودية تطبق ضوابط صارمة في عملية صرف تلك المكاسب غير المشروعة، بحيث لا تستفيد منها تلك البنوك في أنشطتها الدعائية والتجارية.

وأعتبر رئيس المصرفية الإسلامية في بنك الجزيرة، أن أي بنك يقوم بوضع تلك المبالغ غير المشروعة ضمن ميزانيته، أو صرفها في الإعلان أو التدريب أو أي أنشطة أخرى تخدم البنك، يكون قد ارتكب مخالفة شرعية، مشيراً إلى أن الهيئات الشرعية اشترطت ألا تدخل المبالغ المتحصلة من غرامات التأخير وغيرها في حسابات وميزانية البنوك الإسلامية أو في أي مصلحة للبنك، إضافة إلى إجراء تدقيق في تلك المبالغ والأوجه التي صرفت فيها.

ويأتي ذلك في وقت تعرضت فيه المصارف الإسلامية خلال الفترات الماضية، إلى بعض الانتقادات المتعلقة بالشفافية والإفصاح عن ميزانياتها، وآلية صرف الأموال التي أقر العملاء بالتبرع بها في حال تأخرهم عن سداد أقساط قروضهم وبطاقاتهم الائتمانية، بحسب عقد إسلامي تقدم من خلاله البنوك تبرعات لطرف ثالث بينها وبين العميل، حيث يتم صرف أي غرامة مستحقة على التأخر في السداد لجهات خيرية في المجتمع.

وتتمثل الانتقادات الموجهة إلى البنوك، في أن البنوك الإسلامية تستخدم غرامات التأخير التي تفرضها على بعض العملاء الذين وقعوا معها عقود مرابحة أو إجارة بغرض الحصول على تمويل أو بطاقات ائتمان، في الصرف على مصالح المصرف، سواء عن طريق رعاية الندوات والمؤتمرات أو عن طريق الاستفادة من مبالغ هذا الحساب في برامج التسويق والدعاية والإعلام.

وعلى الرغم من أن الهيئات الشرعية تلزم البنوك الإسلامية بتوضيح مصدر الأموال وجهات صرفها، إلا أن كثيرا من المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية، تسعى بين فترة وأخرى للإعلان عن رعايتها ودعمها لبعض الفعاليات والمؤتمرات، من خلال الأموال المستقطعة من غرامات التأخير.

وباتت بعض البنوك تدرج رعاياتها الاجتماعية التي تتحصلها من غرامات التأخير ضمن مسؤوليتها الاجتماعية، بل وتصر على أنها شريك في المجتمع في الوقت الذي يؤكد عاملون من داخل هذه البنوك أن مصروفات المسؤولية الاجتماعية ما هي إلا أموال تم تحصيلها من العملاء المماطلين.

من جهته طالب إبراهيم الصعب، خبير في المصرفية الإسلامية، بتشديد الرقابة والمتابعة على صرف أموال مستحقات الأقساط المتأخرة وضبط عملية صرفها، موضحاً أن البنوك الإسلامية فرضت غرامات تأخير على العملاء المتهاونين في التسديد، من خلال عقد شرعي يلتزم به العميل بالتبرع لطرف ثالث تكون جهة خيرية، في حال تأخر في سداد أقساطه لدى البنك.

وأضاف أن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية البنوك الإسلامية من المتلاعبين من بعض العملاء، مشيرا إلى أن البعض قد يستغل ثبات المديونية ولا يلتزم بسداد ما عليه، وأن هذه الخطوة هدفها الحد من هذا التلاعب، حيث إن كثيرا من الناس ينظر إلى المصارف الإسلامية على أنها مؤسسات خيرية، بينما أنها في الأصل مؤسسات مالية تسعى إلى الربح.

من جانب آخر، أوضح الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، رئيس هيئة الرقابة الشرعية في البنك الإسلامي الأردني، أنه لا يصح للبنك من الناحية الشرعية أن يتملك غرامة التأخير التي يلتزم المدين المماطل بأدائها، ويجب عليه صرفها في وجوه البرِّ والإحسان بالترتيب مع هيئة الرقابة الشرعية للبنك.

وأضاف الكيلاني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الفقهاء أجازوا صرف هذه الأموال أو المكاسب (الخبيثة) غير المشروعة في بناء المساجد؛ حيث نص الغزالي ووافقه النووي على أنَّ من معه مال حرام ثم تاب، ينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة؛ كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون في نفعه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء، كما لا يجوز عند بعض الفقهاء إنفاق المال الحرام على طباعة المصحف الشريف.

وأوضح الدكتور الكيلاني أن المعيار الشرعي الذي اعتمدته بعض الهيئات الشرعية بشأن المدين المماطل الصادر عن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على البند التالي، الذي اشتمل على انه (يجوز أن ينص في عقود المداينة مثل المرابحة، على التزام المدين عند المماطلة بالتصدق بمبلغ أو نسبة بشرط أن يُصرف ذلك في وجوه البرِّ بالتنسيق مع هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة).

وفيما صدر عن ندوة البركة الثانية عشرة للاقتصاد الإسلامي التي تقيمها سنوياً مجموعة البركة المصرفية الفتوى (1/8) ونصها «يجوز اشتراط غرامة مقطوعة، أو بنسبة محددة على المبلغ والفترة، في حال تأخر حامل البطاقة (بطاقة الائتمان) عن السداد دون عذر مشروع، وذلك على أساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر، ولا يتملكها مستحق المبلغ».

وعاد الكيلاني ليؤكد أن مبدأ تعويض الدائن عن ضرره نتيجة لتأخير المدين في سداده مبدأ مقبول، يُتجنَّب به أخذ الربا ويوصَل به إلى منع المماطلة، وليس فيه أخذٌ للربا ولا أكلٌ له، ولا أكلٌ لأموال الناس بالباطل، وهو من قبيل الزواجر وليس من الجوابر؛ لأنه لا يترتب عليه تعويض ما قد يلحق الدائن من ضرر بالمماطلة؛ حيث إنَّ ما يلتزم المماطل بأدائه زيادةً على الدين لا يتملكها البنك، لكن تجنب وتصرف في وجوه الخير بمعرفة الهيئة الشرعية للبنك للتأكد من طريقة صرفها. وأضاف الكيلاني أن المستند الشرعي لهذا الالتزام قوله الرسول صلى الله عليه وسلم:«مطل الغني ظلم» وفي رواية «ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته». وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»؛ وتأخر المدين للوفاء بالدين في موعده يلحق بالدائن ضرراً والضرر تجب إزالته شرعاً.

وبين أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم، وهو يندرج من قبيل الالتزام بالتبرع؛ حيث إنَّ التبرع كما يكون بمبادرة من الشخص، قد ينشأ عن الالتزام به فيصبح واجباً كالالتزام بالنذر، وقد أسماه فقهاء المالكية (الالتزام بالتبرع)، ونقل ذلك عن فقيهين مشهورين منهم،: أبو عبد الله بن نافع، وأبو عبد الله بن دينار.

وأكد الدكتور الكيلاني أن هنالك بعض المكاسب غير المشروعة (أموال خبيثة)، تتأتى من الاستثمارات في أسهم شركات أصل نشاطها حلال، لكنها تودع أحياناً أو تقترض بفائدة، فالأصل في الأرباح الموزعة من هذه الشركات أن يتم تطهيرها بحيث يتم صرف المكاسب غير المشروعة في وجوه الخيرات وحسبما ورد في معيار الأوراق المالية الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية. من جانبه قال مسؤول في البنك الإسلامي الأردني أن البنك لم يكن يتقاضى رسوم تأخير في السابق، وانه كان بالمتابعة والاتصال يتم تسديد المستحقات، إلا أنه في الآونة الأخيرة، أصبح بعض العملاء يماطلون في تسديد التزاماتهم، ما حدا بالبنك أن يفرض غرامة تأخير وهذه العوائد تودع في حساب خاص، إما يصرف على المحتاجين والفقراء أو يصرف على المؤتمرات أو المؤتمرات أو الضيافة أو غير ذلك.

ويعزو بعض الخبراء أسباب هذه الإجراءات إلى أنها لحماية البنوك الإسلامية من المتلاعبين من بعض العملاء، لأن «الدين ثابت ولا يتغير بين العميل والبنك»، وأن البعض قد يستغل ثبات المديونية ولا يلتزم بسداد ما عليه، وأن هذه الخطوة هدفها الحد من هذا التلاعب. في الوقت الذي ينظر فيه الكثير من الأفراد إلى المصارف الإسلامية على أنها مؤسسات خيرية ليس لديها أهداف، وأنه بات على العملاء أن يعوا أن البنوك الإسلامية هي في الأصل مؤسسات مالية تسعى إلى الربح، وأنها تعمل ضمن فكر إسلامي يدخل فيه الاقتصاد ضمن مناحي الحياة العامة. ويمكن للبنوك والمصارف الإسلامية أن تزيل اللبس والغموض الذي يكتنف مثل هذه الأشياء من خلال الإعلان والإفصاح عن مصادر هذه المبالغ والمحصلة من الكسب غير المشروع، وأوجه صرفها، وأن هذه الخطوة من شأنها أن تعطي صورة واضحة لدور البنوك الإسلامية الاجتماعي.