خبير مصرفي أردني: نجاحات البنوك الإسلامية لن تغني عن الحاجة للمصارف التقليدية

محيسن الرئيس التنفيذي لشركة الإسراء الاستثمارية: النقلة التي قامت بها الصناعة المالية الإسلامية غير مسبوقة

فؤاد محيسن
TT

أكد خبير مصرفي أردني، أن النجاحات التي حققتها البنوك الإسلامية خلال الفترة الماضية، لن تغني عن الحاجة للمصارف التقليدية، مرجعاً ذلك إلى حاجة المستثمرين والمشاريع إلى كلا النوعين من البنوك، التي تمول الاستثمارات. وأشار الدكتور فؤاد محيسن، الرئيس التنفيذي لشركة الإسراء للاستثمار والتمويل الإسلامي إلى أن البنوك الإسلامية تمول الاستثمارات عن طريق المشاركة وغيرها من الوسائل التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، والبنوك التقليدية تمول الاستثمارات عن طريق القروض وغيرها من الوسائل، مشدداً على أن وجود هذين النوعين من البنوك معاً في الدولة يعطي الخيار لأصحاب المقاولات والشركات في التعامل مع النوع الأول، الذي سيشاركهم في أرباحهم أو اللجوء إلي النوع الثاني الذي يأخذ منهم نسبة معينة من هذه الأرباح.

الدكتور فؤاد محيسن، صاحب العديد من المبادرات في مجال العمل المصرفي والمالي الإسلامي، الذي تقلد العديد من المناصب القيادية المهمة في هذه المجال، وترتبط علاقته بالقطاع المصرفي الإسلامي علاقة ممتدة لسنوات طويلة، فبعد عمله في البنك العربي لمدة 10 سنوات، كان ضمن الفريق الذي أشرف على تأسيس البنك العربي الإسلامي الدولي عام1997، ثم انتقل للعمل في هذا وعزز من خبرته العملية بدراسته الأكاديمية، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في المصارف الإسلامية، تحدث مع «الشرق الأوسط» حول مستقبل الصناعة المصرفية الإسلامية، فإلى نص الحوار:

* مضى على بداية عمل المصارف الإسلامية ما يزيد على 36 عاماً، كيف تنظرون لتطور عمل المصارف الإسلامية خلال هذه الفترة الزمنية؟

تعد الثورة التي شهدتها الصناعة المصرفية الإسلامية منذ نشأتها في بداية السبعينات، لتصل إلى صناعة يقدر حجمها بمليارات الدولارات، بأنها غير مسبوقة في التاريخ المالي المعاصر. والعمل المصرفي الإسلامي اليوم أثبت حضوراً متميزاً، منذ أن كان تجارب فردية هنا وهناك، حتى غدا جزءاً رئيساً من النظام المصرفي المالي العالي، وأصبحت المصارف الإسلامية اليوم لها معاييرها وضوابطها، التي تحكم أعمالها وتنظم سير عملياتها.

* كيف تطورت نشأة المصارف الإسلامية في الأردن؟

تزامن ظهور البنوك الإسلامية في الأردن مع ظهور حركة البنوك الإسلامية في الوطن العربي. ويعتبر الأردن من رواد العمل المصرفي سواء في مرحلة التنظير والدعوة إلى إنشاء بنوك تمارس أعمالها على غير أساس الفائدة المصرفية المحرمة شرعا، ومن هؤلاء الرواد الدكتور سامي حمود ـ رحمه الله ـ، وكانت رسالته «تطوير الأعمال المصرفية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية»، التي أنجزها عام 1976، وطبعت في كتاب أصبح فيما بعد مرجعا أساسيا لعمل المصارف الإسلامية. ويعتبر عقد المرابحة للآمر بالشراء كشفا وابتكارا للدكتور سامي، الذي عمل مع ثلة من رجال الأعمال، بدعم ومؤازرة من أعلام الفقه والاقتصاد الإسلامي في الأردن. وعملوا على استصدار قانون البنك الإسلامي الأردني المؤقت عام 1978، وتم تأسيس البنك الإسلامي الأردني، الذي بدأ العمل عام 1979، ثم تلا ذلك تأسيس عدد من المؤسسات المالية الإسلامية مثل بيت التمويل الأردني، وبيت الاستثمار الإسلامي، الذي تحول فيما بعد إلى البنك الإسلامي الوطني، إلا انه لم يكتب له النجاح بسبب غياب الرسالة.

وفي ضوء نجاح تجربة البنك الإسلامي الأردني وتعديل قانون الشركات، فقد عمدت إدارة البنك العربي عام 1997، إلى تأسيس البنك العربي الإسلامي الدولي كبنك إسلامي مستقل في غاياته وأهدافه، كما أن الأردن كان من أوائل الدول، التي نظمت عمل البنوك الإسلامية من خلال إصدار قانون البنوك الأردني عام 2000.

ثم شهد الأردن في السنوات الأخيرة ظهور جيل جديد من المؤسسات المالية الإسلامية، منها الشركة الأولى للتمويل، وشركة الإسراء للاستثمار والتمويل الإسلامي، التي قمت بتأسيسها بالاشتراك مع رجل الأعمال الأردني محمد طه الحراحشة، وبمساهمة عدد من رجال الأعمال والمؤسسات الأردنية والخليجية واليمنية والفلسطينية. وهي شركة استثمار وتمويل لا تخضع لمظلة البنك المركزي الأردني؛ بسبب عدم رغبة البنك المركزي في الوقت الحاضر منح تراخيص لإنشاء بنوك جديدة.

* يقال بأن الواقع والتطبيق العملي أظهرا نوعا من المفارقة بين النظرية والتطبيق خلال مشوارها الطويل مما أعاقها بعض الشيء عن تحقيق الأهداف والآمال بالدرجة المرجوة. فما هي أهم الشروط أو المقومات التي يجب توافرها لضمان تحقيق الأهداف والآمال المرجوة من إنشاء المصارف الإسلامية؟

هناك مجموعة من المقومات التي لو توفرت فإن إنشاء هذه المصارف الإسلامية سوف يتجاوز تحقيق الآمال إلى إحداث اكبر تغيير اقتصادي واجتماعي يمكن في عالمنا المعاصر، وتتمثل أهم هذه المقومات في 4 بنود، وهي أولا: توافر رأس المال البشري، الذي يجمع بين الإخلاص العقائدي والاستعدادات والقدرات اللازمة للنجاح، في عمل هو أقرب إلى أعمال الدعوة إلى الله منه إلى أي عمل آخر، وليس هذا الطلب قاصراً على القيادات ولكنه حتمي على المستويين القيادي والتنفيذي.

ثانيا: أن يكون هناك وضوح كاف في كل أعمال وأنشطة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، بحيث يستطيع المسلمون، جميع المسلمين، أن يروا بوضوح أين وكيف تستثمر هذه الأموال.

ثالثا: أن توجه طاقات وجهود أموال المسلمين لتنمية بلاد المسلمين، بمعني ألا يكون تنمية المال بالطرق الحلال هو الأساس الوحيد، وإنما أن يكون ذلك في مجتمع إسلامي.

رابعا : مساندة السلطات والحكومات لهذه المؤسسات المالية. بمعني آخر نستطيع أن نقول انه حتى لو تحقق الالتزام بالمبادئ الإسلامية والالتزام بالاستثمار في المجتمعات الإسلامية، وفهم المسلمون أن السبيل لطرح فكرهم وفرضه هو العمل الكبير وليس العمل الجزئي الصغير، وقاد هذا العمل وعمل فيه من توافرت فيهم المواصفات التي تؤدي إلى النجاح. وكذلك تنظيم عمل البنوك الإسلامية بشكل أفضل ومشاركة هذه البنوك معا في تمويلات تجمع بنكي إسلامي، على غرار ما نراه من تعاون في هذا الصدد في البنوك التقليدية.

فلو تحقق ذلك كله يلزم تأييد السلطات النقدية والمالية على حد سواء لدعم مسيرة هذه المؤسسات من خلال إصدار التشريعات الحاكمة، التي ترعى وتسهل ممارستها لأعمالها بعيدا عن البيروقراطية. وانه إذا لم تتوفر هذه المقومات فإن احتمالات النكسة التي قد تؤدي إلى تعطيل زحف الفكر الاقتصادي الإسلامي واقعة لا محالة، بل وقد تخسر الأرض والمواقع التي اكتسبها الفكر الإسلامي الاقتصادي وتطبيقاته.

* وما دور الاقتصاد الإسلامي عموما والصناعة المالية الإسلامية على وجه الخصوص في مجال المساهمة في الحلول المناسبة للأزمة المالية العالمية؟ الأزمة المالية العالمية أزمة مبادئ وأزمة هياكل، نحتاج إلى مراجعة المبادئ التي قام عليها النظام المالي العالمي، وبعد مراجعتها نحتاج إلى مراجعة الهياكل القادرة على تطبيق هذه المبادئ بالشكل الصحيح. إن الرأسمالية العالمية تحتاج إلى أن تجدد وتصحح نفسها، عليها أن تنتقل من شكلها النقدي المتفرد إلى شكلها العالمي الاجتماعي والاقتصادي. ويجب أن تكون هذه المبادئ محايدة متجردة لا تحقق مصلحة فرد على آخر، ولا مصلحة جماعة على جماعة، ولا مصلحة دولة على غيرها من الدول، ويجب أن تتضافر جهود البشرية جمعاء من أجل الاتفاق على هذه المبادئ والدفاع عنها والترويج لها، إنها مبادئ تتسم بالعالمية، وتتصف بالوسطية الاقتصادية، وحتى تكون كذلك لا بد من مراعاة منظومة القيم والأخلاق والأسس التي جاءت بها الأديان السماوية؛ لما تتميز به من توازن وعدل وإنصاف واستقامة.

* ما المدى الذي تتوقعه لانتشار الصيرفة الإسلامية؟

لقد بدأنا نلحظ توسعا جيدا في دول مثل سورية ولبنان، والآن مصر مقبلة على نهضة مصرفية إسلامية، وكذلك دول شمال إفريقيا، كما أن عددا كبيرا من دول إفريقيا الجنوبية مهتمة بالصيرفة الإسلامية، حيث هناك صفقات كبيرة في هذا المجال. أما في أوروبا، فقد أصبحت لندن مركزا للصيرفة الإسلامية، في حين بدأت فرنسا تخطو خطوات في الاتجاه للحاق بمنافستها وشقيقتها لندن، وهناك مجال كبير للتوسع المصرفي الإسلامي في دول أميركا الشمالية والجنوبية. وكل هذا التوسع هو نتيجة لزيادة الطلب على الصيرفة الإسلامية من قبل المسلمين والجاليات الإسلامية، إضافة إلى نجاح المشروع المصرفي الإسلامي اقتصاديا واجتماعيا.

* هل تعتقد أن أدوات التمويل الإسلامي في العالم، قلّصت من حجم التعامل بالربا؟

ذلك أمر لا شك فيه، ويمكننا الاستشهاد بمثال عن البحرين رغم أنها سوق صغيرة، حيث قامت البنوك الإسلامية بتمويل مشاريع البنية التحتية مثل مرفأ البحرين المالي، وجزر أمواج، والعرين، وذلك كله له أثره في التنمية. ولقد امتد نشاط البنوك الإسلامية إلى دول أخرى، مثل الهند وقطر وكازاخستان والجزائر، حيث قامت البنوك الإسلامية بتمويل قطاعات حيوية وأساسية فيها مثل مدينة الطاقة في الهند!، وفي هذا الإطار تقدمت الصين لبعض البنوك الإسلامية لتأسيس تنمية معاصرة تستثمر فيها شركات الطاقة وتستقطب مؤسسات عالمية ومكاتب تمثيل.

* كيف ترى اقتران اسم البنوك أو المؤسسات المالية بالإسلام؟

 الاهتمام بهذه النقطة يعود إلى التنوع الذي لوحظ في تسمية هذه المؤسسات المالية بالإسلامية، وربط تسمية البنوك بالإسلامية هناك من رأيي انه كان ضرورياً وسليماً، بالنظر إلى الفترة التي ظهرت فيها هذه البنوك، وباعتبار أنها جاءت كنوع من أنواع التحدي، ودليل على أن النظام الإسلامي يمكن أن يطبق من خلال البنوك. إن ارتباط البنوك، بمسمي الإسلامية أثار جدلاً، وهو ما دفع الحاضرين في اجتماع الخرطوم في أكتوبر عام 1988 لدراسة استراتيجية البنوك الإسلامية، إلى اتخاذ قرار يقضي بضرورة التخلي مؤقتاً عن اللافتة الإسلامية، واستبدالها بلافتة أخرى تعبر عن الدور التنموي والإنتاجي للبنوك الإسلامية. وللبنوك الإسلامية مثال واقعي في مجموعة دله البركة، التي رغم أنها تضم بنوكاً وشركات إسلامية، فإن اسم أي منها ليس فيه كلمة تشير إلى ذلك، إذ لم تجعل هويتها تتحدد من اسمها، وهي مسألة اختيار، وهناك من يعتقد بأن الإسلام أكبر من أن يُزج به في هذه الأمور، أو أن يوضع في موضع يعرض للحرج، إذا فشلت التجارب أو أسيء استخدامها. إلا أنني أرى انه لا ضير من اقتران اسم البنوك بالإسلامية في ظل عمل هذه البنوك في اقتصاد مختلط؛ وذلك لتمييزها عن البنوك والمؤسسات المالية التقليدية.

* كيف ترى أرقام المصرفية الإسلامية؟

عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية اليوم والعاملة في أكثر من 60 دولة في القارات الخمس، يقارب نحو 300 مؤسسة ومصرف إسلامي حول العالم، ويتركز نحو 40 في المائة منها في الدول العربية، وتحديداً في دول الخليج، وتوسعت قاعدة موجوداتها لتصل اليوم إلى أكثر من 520 مليار دولار، تشكل حصة دول الخليج منها نحو 90.8 في المائة من إجمالي الأصول لمجموع المصارف الإسلامية في الدول العربية عام 2007، والسعودية وحدها تشكل حصة نسبتها 49.5 في المائة من إجمالي حصة دول الخليج، والإمارات نحو20 في المائة، بينما الكويت نحو 17.4 في المائة.

* بالنظر إلى عدد المصارف والمؤسسات المالية والإسلامية الآن وما حققته من نتائج إيجابية، هل هناك مؤشرات تدل على استمرارية تطورها إيجابيا؟

 يعتقد الكثير من الباحثين، ونحن معهم، أن واقع هذه البنوك يدل علي إمكانية استمرارها، ولكنها لن تكون أهم ممول في هذه الدول، لأنه رغم نموها السريع وأرباحها الهائلة التي تقل عن أرباح البنوك التقليدية، وهذا يعني أنه رغم كل ما قامت به البنوك الإسلامية، وما وصلت إليه من نتائج، فإنها لن تغني عن وجود البنوك التقليدية في الظروف الراهنة، فكلا النوعين من البنوك يمول الاستثمارات، البنوك الإسلامية تمول الاستثمارات عن طريق المشاركة وغيرها من الوسائل التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، والبنوك التقليدية تمول الاستثمارات عن طريق القروض وغيرها من الوسائل، ووجود هذين النوعين من البنوك معاً في الدولة يعطي الخيار لأصحاب المقاولات والشركات في التعامل مع النوع الأول، الذي سيشاركهم في أرباحهم، أو اللجوء إلى النوع الثاني الذي يأخذ منهم نسبة معينة من هذه الأرباح. وفي ضوء ما سبق، فإننا نذهب مع من يري بأن استمرارية هذه البنوك مرتبطة بعدة أمور: أولا: تصحيح البنوك الإسلامية للأخطاء التي وقعت فيها، واتخاذها تدابير وإجراءات تنوع بها الأدوات التي تمول بها، واهتمامها بالمشروعات الصغرى بشكل أكبر، وإيجادها لسندات خاصة لتمويل المشروعات، ومحافظتها على التوازن في توزيع مداخيلها بين المساهمين وأصحاب الودائع.

ثانيا: حسن اختيار من يراقب أعمالها من الناحية الشرعية، والتزامها بوظيفتها الأساسية في الوساطة بين الادخار والاستثمار، مستفيدة في ذلك من تجربتها الحالية، ومن تجارب كل أنواع البنوك وتقوم بتطوير تقنياتها. ثالثا: رفع كفاءة أداء العاملين بها باستمرار، وأن تبتعد عن استغلال الإسلام والتستر وراءه وأن تقنع بأعمالها وليس باسمها أو صفاتها، وأن تبرهن بأنها جديرة بتحقيق المهام التي أنشأت من أجلها. رابعا: ضرورة اهتمام المصارف الإسلامية بتطوير منتجاتها التي تلائم احتياجات العملاء، شريطة أن تكون هذه المنتجات تلتزم الأحكام الشرعية في المقاصد ومآلات الأفعال وليس في الصورة وحسب، وألا تكون الصورة الشرعية ساترة لقصد آخر. مواجهة المتغيرات والتحديات العالمية التي أفرزتها العولمة أو النظام العالمي الجديد، وتمثل هذه المطالب مجتمعة هيكل وموضوع استراتيجية العمل الموحد، التي تتوقف عليها استمرارية هذه البنوك الإسلامية. ثم التقليل من الاعتماد على تمويلات المرابحة والتركيز على المشاركة والمضاربة والإجارة.