أيها المصرفيون الإسلام كل متكامل لا يتجزأ

TT

الإسلام هو خاتم الأديان وأكملها، وأيسر الشرائع وأشملها، فقد جاءت أحكامه لتشمل جميع مناحي الحياة، كوحدة متكاملة لا يمكن فصل العقيدة فيها عن الشريعة، ولا الأحكام عن الأخلاق، فهو بناء متكامل لا يمكن أن يقوم على ركن دون الآخر، ومن هنا جاءت التوجيهات الربانية في القرآن الكريم وعلى لسان النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، لتبين أهمية هذا التكامل وهذه الوحدة في قيام الدين وسيادته، فنجد القرآن الكريم زاخرا بهذا التكامل والربط بين العقيدة والشريعة والأخلاق، ومنها قوله تعالى في آيات تحريم الربا الواردة في سورة البقرة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279) وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (280)» كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري، «رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى»، بل إن الإسلام جعل إنظار المعسر والتيسير عليه من موجبات مغفرة الله ودخول الجنة، ففي الحديث الصحيح «عن أبي مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلا موسرا يخالط الناس فيقول لغلمانه: تجاوزوا عن المعسر، فقال الله لملائكته: فنحن أحق بذلك منه، فتجاوزوا عنه» وهو كذلك من أسباب استحقاق العبد للاستظلال في ظل العرش يوم القيامة، ففي الحديث الصحيح «عن ربعي قال: حدثني أبو اليسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظل عرشه»، فأين هي المصرفية الإسلامية من ذلك اليوم، إن الناظر في واقع الصيرفة الإسلامية وممارساتها ليرها أشد ما تكون بعدا عن هذه المبادئ والأخلاق، بل إنك لا تكاد ترى لها أثرا في سياساتها وإجراءاتها أو ما يتعلق بكتيب أخلاق الموظفين، فلقد أصبح كل ذلك أثرا بعد عين بل إنها تكاد أن تبز الصيرفة التقليدية في بعض الممارسات، التي تستغل ضعف موقف العميل الناشئ من عقود الإذعان، التي وقع عليها في بداية الأمر وهي العقود التي أرى أنها لا تحقق الرضا، الذي هو مناط حل أموال العباد في الإسلام، ولعلني أسوق هنا حادثتين تبينان ذلك بحيث لا يكون الكلام على عواهنه بلا خطام ولا زمام، وكلتا الحادثتين لبنكين احتفظ باسمهما لدي، فأما الحادثة الأولى فوقعت من مصرف سعودي وجرت الحادثة لأحد أصدقائي، حيث روى لي أنه أراد أن يعجل في سداد المرابحة التي لهذا المصرف قبل أوانها بثلاثة أشهر دون أن يطالب المصرف بالخصم من الربح، مقابل تعجيل السداد، إلا أنه فوجئ أن المصرف طالبه بأن يدفع زيادة على الدين مبلغ 750 ريال وذلك مقابل السماح له بتعجيل السداد، وكأن المصرف هنا يعاقبه على تعجيله للسداد، وكان الأولى بالمصرف أن يشكره على ذلك وأن يخصم له من المديونية مقابل التعجيل، وهنا يقف المرء حائرا أمام هذا التصرف الغريب، إذ كيف يعاقب المرء على مبادرته لتسديد ما عليه إبراء لذمته، وهو ما حث عليه الإسلام ودعا إليه، فكان الأولى للمصرف وهو يدعي أن هذه المعاملة هي مرابحة إسلامية أن يعينه على ذلك تحقيقا للمطلب الشرعي، بل إن هذا التصرف لا يمكن أن يقره القانون الوضعي فضلا عن الشرع الرباني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، إلا أنه إذا أهمل الرقيب دوره وأصبح الخصم هو الحكم فستجد العجب العجاب، وسينتشر الظلم وتعم الفوضى وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأما الحادثة الأخرى فوقعت من بنك إسلامي في الإمارات، حيث استغاث بي صاحب المشكلة لنصرته، والحقيقة أنه إن صح ما ذكره صاحب الرسالة في رسالته فلا شك أن ما تم ليس من الإسلام في شيء، وتتلخص القصة في أن صاحب الرسالة قد أخذ سيارة من المصرف الإسلامي وقام بدفع بعض الأقساط بشيكات لم يكن لها رصيد، فقام المصرف بحجز السيارة لدى المرور «وكل هذه الإجراءات لا اعتراض عليها» وعندها قام العميل بمراجعة المصرف وسداد ما عليه، وأخذ خطابا من المصرف للمرور لاستلام السيارة، إلا أنه عندما ذهب لاستلامها وجد أن المصرف قام باستلامها وبيعها بعد إجراء المخالصة، وعند مراجعة المصرف أخذ المصرف في المماطلة وحتى الآن لم تحل مشكلته، فمرة يطالبونه بدفع مبلغ لإعادة شراء السيارة، ومرة يطالبونه برسوم باهظة، وهكذا دوامة لا تنتهي، إن هذه القصص وأمثالها هي ما يشوه صورة الصيرفة الإسلامية، ويسيء لمبادئ الإسلام الخالدة، وبالتالي فلا يمكن لتجربة الصيرفة الإسلامية القائمة اليوم أن تقدم على أنها مثال لكمال الشرع وحكمة المشرع، ولا يمكن لها أن تنقل رسالة الإسلام الخالدة كما نقلها التجار المسلمون الأوائل، فانتشر الإسلام بسببهم في بلاد لم تطأها خيل المسلمين، كدول شرق آسيا، ومن هنا فإنني أدعوا القائمين على الصيرفة الإسلامية والهيئات الشرعية إلى تضمين أخلاق ومبادئ التعامل الإسلامي، ضمن السياسات والإجراءات المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وأخذ الإسلام ككل متكامل وعدم تجزئته، حتى لا يؤتى الإسلام من قبلها وحتى يمكن لها أن تكون إحدى أدوات التعريف بهذا الإسلام الخالد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]