قراءة في تقرير «موديز» عن المصارف الإسلامية

لاحم الناصر

TT

في الأسبوع الماضي أصدرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تقريرا حول المصارف الإسلامية رصدت فيه الكثير من مظاهر الضعف التي تهدد المصارف الإسلامية في المستقبل ومن الممكن أن تؤثر على تصنيفها الائتماني. والحقيقة أن التقرير لم يأت بجديد في ما يخص أوجه القصور والضعف التي تعاني منها المصارف الإسلامية حيث تطرق لها الكثيرون من المختصين في هذه الصناعة. وقد جرى بيان الكثير منها في هذه الزاوية حيث إنها لا تخفى على أي مهتم ومتابع لصناعة الصيرفة الإسلامية فهي ليست سرا من الأسرار. فعلى سبيل المثال ذكر التقرير أن المصارف الإسلامية تعاني مشكلة إدارة السيولة المفرطة، وهذه حقيقة، خصوصا في جانب إدارة السيولة قصيرة الأجل وهو ما يسمى «الأوفر نايت» أو «الإيداع لليلة واحدة»، حيث تعاني المصارف الإسلامية اليوم عدم وجود أداة متطابقة مع الشريعة الإسلامية تكون بديلا عن القرض المحرم في الشريعة الإسلامية والذي تستخدمه المصارف التقليدية في مثل هذه الحالة. إذ إن المرابحة تُعتبر ذات كلفة مرتفعة في مثل هذه الحالات، فهي لا تصلح لها، إضافة إلى طول إجراءاتها التوثيقية. ومن هنا لجأت بعض المصارف الإسلامية إلى القروض المتبادلة لإدارة هذه السيولة. والحقيقة أن هذه الأداة غير فعّالة كذلك في أسلوب عملها، إضافة إلى أن الكثير من العلماء يرى أنها غير شرعية، ومن هنا فإن إدارة السيولة قصيرة الأجل لدى هذه المصارف تُعتبر في كثير من الأحيان غير كفأة، وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم بل هي بعمر المصارف الإسلامية. كما ذكر التقرير أن المصارف الإسلامية تعاني ضعف إدارة المخاطر، لا سيما في ما يتعلق بالتناسق بين الأصول والخصوم من حيث آجال الاستحقاق، وهذه المشكلة كذلك ليست وليدة اليوم حيث إن الكثير من المصارف الإسلامية يعتمد على الحسابات الجارية كمصدر رئيسي للودائع، وهي مصدر قصير الأجل، بل هي من أخطر أنواع الودائع التي يمكن أن تستخدم للتمويل خصوصا إذا كان هذا التمويل طويل الأجل كالتمويل العقاري ومشاريع البنى التحتية التي هي في صلب عمليات التمويل الإسلامي. ومن أجل اعتماد الكثير من هذه المصارف على الحسابات الجارية كأهم مصدر من مصادر الودائع لديها نجد أن الكثير من هذه المصارف لا يهتم بتغطية مخاطر تغير سعر الفائدة لأن هذه الحسابات هي حسابات مجانية، أي لا يعطي المصرف لأصحابها أي أرباح وبالتالي فهي دون تكلفة على المصرف، وهذا يمكن أن يفسر لنا ولوكالة «موديز» عدم حرص المصارف الإسلامية على إيجاد منتجات يمكن أن تحقق التناسق بين آجال استحقاق الأصول والخصوم. إلا أنني أرى أن هذا الوضع لن يستمر بل إن بوادر انقضاء عصر الأموال المجانية بالنسبة إلى المصارف الإسلامية قد أوشك على الزوال حيث دخلت المصارف التقليدية وبقوة مجال الصيرفة الإسلامية. كما أن عدد المصارف الإسلامية في تزايد وهذا يزيد من حمى المنافسة على هذه الأموال بحيث تتعدد طرق جذبها. وقد رأينا بوادر هذه المنافسة في المملكة العربية السعودية حيث طرح بنك البلاد حسابا جاريا يخول لصاحبه الحصول على جزء من أرباح البنك، إذا أضفنا إلى ذلك الضغط الذي يمكن أن تمارسه وكالات التصنيف الائتماني على المصارف الإسلامية لإيجاد تناسق بين آجال الأصول والخصوم في هذه المصارف للحد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها نتيجة لهذا التباين في الآجال وتأثير هذا التباين على التصنيف الائتماني للمصرف نجد أنه سيكون لزاما على المصارف الإسلامية تطوير منتجات يمكن أن تحقق هذا التوازن.

إلا أن الجديد في التقرير هو إشارته إلى أن القطاع المصرفي الإسلامي رغم الأزمة المالية قد حافظ على استقراره بفضل تمتعه بالسيولة الكافية والمديونية المحافظة وهوامش الربح المرنة، وهو ما أتى ليضع النقاط على الحروف بخصوص مدى تأثر صناعة الصيرفة الإسلامية بالأزمة كي يضع حدا لكل من يشكك في صلابة هذه الصناعة وعدم تأثرها المباشر بالأزمة والذي كنا نقوله منذ بداية الأزمة. وهذه الشهادة هي من وكالة عالمية مرموقة ومحايدة بناء على معلومات دقيقة درستها بعناية ومن ثم فلا مجال لطعن الطاعنين ولا لتشكيك المشككين، فالحمد لله من قبل ومن بعد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية