وقف ندوة دلة البركة

TT

عقدت دلة البركة يومي 5-6 رمضان الموافق 26-27 أغسطس (آب) ندوتها السنوية للاقتصاد الإسلامي والتي بلغت من العمر اليوم ثلاثين عاما منذ ولادتها عام 1984م في مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم. ولم تكن لتولد لولا أن قيض الله لها رجلا كان ولا يزال همه التعريف بالاقتصاد الإسلامي ومحاولة إنزاله من بطون الكتب إلى واقع يعيشه العالم عبر المؤسسات الاقتصادية والمالية المختلفة بحيث تتحول النظرية إلى تطبيق. وقد رأى بثاقب نظره أنه لا يمكن أن يتأتى هذا الأمر إلا بإيجاد الظروف الملائمة ومنها جمع رجال الأعمال والمهنيين من جهة مع علماء الشريعة من جهة أخرى ليلتقي الطرفان فيعرض رجال الأعمال والمهنيون المشاكل التي تواجههم والمقترحات التي يرونها لحلها على علماء الشرع ليدرسوها ومن ثم يجتهدون في الحكم الشرعي المناسب في هذه النوازل. وبمرور الوقت أصبحت هذه الندوة أكثر تخصصا في المجال الأكثر تعقيدا وهو الصناعة المالية فبات أهل هذه الصناعة يترقبون هذه الندوة كما يترقب الخل خليله فهي المناسبة التي تجمع المهتمين بهذه الصناعة من كل المشارب فيتم تبادل الخبرات وعقد الصفقات وعرض المشكلات. كما أنها المنهل العلمي الذي يتيح لرواده من طلبة علم وعلماء ومهنيين النهل من معينه، فكم من الأبحاث الفقهية التي أصلت للمسائل المالية المعاصرة وكم من الفتاوى والقرارات التي أظهرت وكشفت عن الحكم الشرعي لهذه المسائل فأصبحت الكثير من هذه الفتاوى والقرارات الصادرة عن هذه الندوة مرجعية للكثير من المفتين والعاملين في صناعة المال الإسلامية. بل إن هذه الندوة وبما يطرح فيها من مسائل ومشكلات كانت السباقة إلى بيان الخلل في بعض المنتجات المالية الإسلامية سواء كان هذا الخلل ناتجا عن سوء التطبيق أو عن أخطاء في إنزال الحكم الشرعي على الواقعة، ولعل من أشهر هذه المنتجات التي لفتت الندوة إلى ما يعتريها من خلل شرعي ناتج عن التطبيق والممارسة الخاطئة منتج التورق المصرفي المنظم والذي تبنت هذه الندوة في دورتها الثالثة والعشرين (إن لم تخني الذاكرة) قرارا بإحالته إلى مجمع الفقه الإسلامي لدراسته وإصدار قرار بشأنه وذلك بعد أن استعرضت الندوة العديد من الأبحاث والدراسات الفقهية والتطبيقية حول هذا المنتج ولم تصل لقرار بشأنه ففضلت إحالته للمجمع للمزيد من البحث والدراسة والذي أصدر فيما بعد قرارا بتحريمه.

إنني ومن واقع كوني مهتما بهذه الصناعة لا أعلم أن لهذه الندوة مثيلا في العالم الإسلامي من حيث الديمومة والاستمرار حيث استمرت في الانعقاد سنويا ولمدة ثلاثة عقود كما أنه ليس هناك ما يدانيها في البذل والعطاء فهي تتيح الحضور للجميع دون أي رسوم، وتقوم بتوزيع الكتب التي تحوي قراراتها والكثير من الكتب المختصة بصناعة الصيرفة الإسلامية مجانا.

لقد أدرك الرعيل الأول من هذه الأمة أهمية استمرار أعمالهم الخيرة بعد وفاتهم فوقفوا عليها الأوقاف التي تضمن استمرارها والتي نجد بعضها ينتفع به المسلمون حتى اليوم رغم مضي مئات السنين عليها، ومن هنا فإنني اقترح على الشيخ صالح كامل (أمد الله في عمره على طاعته) وهو راعي هذه الندوة وابن بجدتها أن ينشئ وقفا للندوة تكون نواته من ماله الخاص على أن يجعله أسهما لكي يفسح المجال لمن أراد من المسلمين أن يشارك فيه. وبهذا العمل لن يترك الشيخ أمر هذه الندوة بيد غيره من بعده فتعدوا عليها عوادي الزمن فكم من الأعمال الصالحة الجليلة التي نفع الله بها الأمة ذهبت بذهاب أصحابها فرزقت الأمة الإسلامية مرتين، مرة برجالها المخلصين وأخرى بأعمالهم الجليلة.

ولا شك أن هذه الندوة هي من الأعمال الصالحة الجليلة التي نفع الله بها الأمة على مدى ثلاثين عاما فالوقف سيحافظ على استمرارها كمشروع حضاري يخدم الأمة الإسلامية. كما أنه سيكون سببا في استمرار العمل الصالح للواقف بعد موته وذلك من طريقين فهو صدقة جارية وعلم ينتفع به قال صلى الله عليه وسلم «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.

والله من وراء القصد

* مستشار في المصرفية الإسلامية