خبراء: المؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي لا تملك نموذجاً للمصرفية الإسلامية

أقرّوا بتنامي المطالبات الغربية بتبني مبادئ الاقتصاد الإسلامي لمواجهة تحديات الأزمة المالية

TT

أفاد خبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي أن المؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي لا تملك نموذجاً للاقتصاد الإسلامي يمكن تقديمه للآخرين، وأن الأزمة العالمية أثرت على الاقتصاد الإسلامي من 3 محاور، يتضمن أولها أثرها على الفكر الاقتصادي الإسلامي، وثانيها أثرها على جانب من التطبيق يتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، ثم أثرها على مستقبل الاقتصاد الإسلامي. وأوضح الخبراء في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن أساسيات وآليات الفقه الشرعي تمنع حدوث أو وقوع مثل هذه الأزمة، مؤكدين أن النظام المصرفي الإسلامي من الممكن أن يكون بديلا للنظام الرأسمالي المريض. مشيرين إلى أن هذا النظام على الرغم من حداثة تطبيقه 35 عاما، فلقد ترك دور الحضانة وهو من البداية يمتلك الحصانة الكافية لمثل هذه الأزمات. وقال الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة رقابة للاستشارات في بريطانيا، إن الاقتصاد الإسلامي لم ينج من لسعات الأزمة المالية العالمية. مؤكدا أن هناك آثارا للأزمة على الاقتصاد الإسلامي منها ما يؤثر على الفكر الاقتصادي الإسلامي، وما يؤثر على التطبيق ومستقبل الاقتصاد الإسلامي. أما أثرها على الفكر الاقتصادي الإسلامي بحسب مشعل، فإن المتأمل في ردة فعل النخبة من المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي في بداية تفاقم الأزمة في سبتمبر من العام الماضي يلاحظ بشكل واضح مدى تأخر وتلكؤ هؤلاء النخبة في فهم وتحليل الأزمة، فضلاً عما ظهر من ردود فعل غير موضوعية تتسم بالعاطفة والاندفاع والتسارع إلى التغني بانهيار الاقتصاد الرأسمالي والرأسمالية بل والولايات المتحدة، من دون تفهم عميق لما حدث، وهل كان في جوهر النظام الرأسمالي أم في آلياته التي يمكن تغييرها أو حتى استعارتها من الاقتصاد الإسلامي نفسه، كما شهد بذلك كثير من التصريحات الغربية المتعاقبة. وأضاف مشعل أن الأزمة أظهرت أنه ليس للنخبة إطار فكري أو مؤسسي يجمع الرؤى تجاه الأزمة، فهذا شيخ فقيه يقدم تحليلا اقتصاديا لا يمت لآليات التحليل الاقتصادي بصلة، وذاك اقتصادي يقوم بتحليل فقهي لا يتصل بالفقه بحبل، وذاك واعظ يخلط الحابل بالنابل، ومع ذلك فإن الحراك الفكري بحد ذاته إيجابي يثمر في النهاية فكرة أو أفكاراً يمكن أن تلامس الحقيقة من بعض الوجوه.  ولاحظ مشعل أن المؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي لا تملك نموذجاً للاقتصاد الإسلامي يمكن تقديمه للآخرين سوى تلك الأفكار في أذهان المفكرة وكتبهم الطويلة والقصيرة المليئة بالغث والسمين.  وبين أن هذا التشتت هو الذي دفع المجلس العام للبنوك الإسلامية بالتنسيق مع البنك الإسلامي للتنمية للمسارعة في إصدار وثيقة الوسطية الاقتصادية ذات المبادئ العشرة لنظام مالي ومصرفي متوازن وعادل، التي يؤمل أن تشكل إطاراً فكرياً ملائماً لتشكيل رؤية موحدة عن الاقتصاد الإسلامي ووسيلة سهلة لتقديمه للآخرين. واستطرد بالقول بأن تلك المبادئ تشمل أيضا الدعوة إلى نهج الالتزام باستخدام آليات عادلة لضمان الحقوق المالية للدائنين مع عدم إلحاق الضرر بالمدينين، ومن ثم تصحيح دور الأسواق المالية ووضع ضوابط محددة لترشيد سلوكيات المتعاملين فيها، بالإضافة إلى تفعيل عنصر الحوكمة والشفافية في نشاط المؤسسات المالية وعلاقتها بالأطراف ذات العلاقة، وأخيرا تفعيل دور الدولة في رعاية النظام النقدي والمالي والرقابة على المعاملات والأسواق لتحقيق النمو المتوازن. وأما أثر الأزمة على البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فكان بحسب مشعل واضحاً، ذلك أن أسباب الأزمة في البنوك والمؤسسات التقليدية الكامنة في جدولة الدين ونموه بعيداً عن حجم الأصول الحقيقة هي كامنة أيضاً في تطبيقات البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية التي أوغلت في تطبيق التورق والتورق العكسي بغرض إدارة السيولة، ما أدى إلى تفاقم حجم المديونيات فيما بينها بعيداً عن حجم الأصول التي أنشأتها أصلاً. ولذا ظهر الكثير من حالات التعثر في سداد الديون بين المؤسسات الإسلامية في الكويت والبحرين والإمارات بل رفعت بعض المؤسسات قضاياً ضد بعضها البعض بغرض الفوز بشيء من المديونيات المتعثرة. كما كشفت الأزمة والحديث لمشعل عن أن بعض المؤسسات المالية الإسلامية أفرطت في تجاوز رأي هيئاتها الشرعية بالدخول في بعض المعاملات لمعالجة ما تمر به من أزمة فأدخلها في نفق أشد ظلمة من نفق الأزمة.    وتساءل عن جدوى الحديث عن أثر الأزمة على مستقبل الاقتصاد الإسلامي والاتكال على توجه الغرب في بلد ما كالدنمارك في 1987 على فتح بنك إسلامي، أو أن بنكا تقليديا عريقا مثل سيتي بنك الذي فتح فرعاً إسلامياً «فهل نستمر بفرحنا أم ماذا؟». مشيرا إلى أن واقع الأزمة الحالية أيضاً شهد دعوات من ساركوزي وبراون والبابوات في الفاتيكان بل ودعت أمريكا إلى ذلك، وهو استعارة آليات عمل النظام المصرفي والمالي الإسلامي لحل الأزمة «فما الرأي في هذه الدعوات؟».

وقال مشعل «نحن مدعوون لخلق الفرص في بلاد المسلمين وضخ النقود في دعم تلك الفرص، وليس تصديرها للخارج، نحن مدعون لإقامة نظم اقتصادية إسلامية مستقلة في بلداننا، من شأنها توطين ثرواتنا وجذب ثروات الآخرين إلى منطقتنا لا أن نصدر آليات الاقتصاد الإسلامي للغرب بغرض أن تساعدهم على استيراد ثرواتنا ثم إعادة تصديرها إلينا». وأكد مشعل على أن الاقتصاد الإسلامي يحتاج الآن في المستقبل إلى الاستقلال. مبينا أنه لا استقلال من دون التحكم بثروات الأمة وخلق بيئة مؤسساتية جاذبة لثروات العالم إلى المنطقة العربية والخليجية.

وفي حديث ذي صلة أوضح مسفر آل دحيم الخبير في التمويل الإسلامي أن الاقتصاد الإسلامي لم يكن بمعزل عن تلك الأزمة على الرغم من ضآلة مشاركته في الاقتصاد العالمي، ومع ذلك فإن طريقة إدارته لاقتصاده تخضع في الغالب للنظام العالمي الذي يدار بطريقة رأسمالية بعيدة عن الشرع ومقاصده.

وأشار آل دحيم إلى انهيار شركة آيست كاميرون الأميركية التي تعمل في مجال التنقيب عن البترول وكانت الشركة قد أصدرت صكوكاً بقيمة 750 مليون ريال في عام 2006 إلا أن الأزمة العالمية أثرت على أعمالها، وهي الآن في طور التصفية لدى محاكم الإفلاس الأميركية. كما انهارت عدة شركات صغيرة في ماليزيا وكانت قد أصدرت صكوكاً في الماضي. من جهة أخرى أكد آل دحيم أن الأزمة المالية العالمية فتحت باب النقاش الجاد في الدول الاقتصادية الكبرى حول مبادئ الاقتصاد الإسلامي من تحريم الربا والمتاجرة في الديون، وهما السببان الرئيسيان للازمة الحالية، وقامت كل من فرنسا والولايات المتحدة بإنشاء لجان لدراسة خصائص الاقتصاد الإسلامي، وذلك للاستفادة منها في عملية إعادة تنظيم اقتصادياتها وحل مشاكلها البنيوية حتى تكون أكثر فاعلية في حل الأزمة الحالية وأكثر قدرة على مواجهة أي أزمة مستقبلية.   وزاد آل دحيم على ذلك ان بعض الاقتصاديين الغربيين قدموا توصيات بتبني مبادئ الاقتصاد الإسلامي وذلك لفعاليتها في مواجهة الأخطار المحدقة بالنظام الاقتصادي العالمي الحالي، ومن بعض التوصيات التي ينادي بها في الغرب هو خفض الضريبة إلى 2.5 في المائة، وذلك يتساوى مع فريضة الزكاة في الإسلام. كما تزايدت المطالبة بالمشاركة في الربح والخسارة في العمليات المصرفية ويطلقون عليها المصرفية الأخلاقية، وهي على قاعدة الغنم بالغرم في الاقتصاد الإسلامي.  وأشار آل دحيم إلى أن فرنسا أوقفت التعامل بالبيع على المكشوف المحرم في الشريعة الإسلامية، وكذلك أوقفت الولايات المتحدة العمل بالمشتقات وذلك لما تنطوي عليه من غموض ومقامرة في هيكليتها مما يجعل مبادئ الاقتصاد الإسلامي هي الحل الأمثل للأزمة الحالية، إلا أنه لا يمكن أن يتجزأ، أي لا يمكن مثلاً منع الفائدة في المصارف فقط في حين لا يتم توزيع الثروة على الشعوب من خلال الزكاة والوقف، وكذلك الأمانة والشفافية التي تفتقر إليها الأسواق العالمية.

وبين ان الدول الغربية قامت بوضع قوانين لحوكمة الشركات، إلا أنه غالباً ما يتم التحايل عليها مثل ما حدث مع قضية الاحتيال الكبرى، التي قام بها مادوف التي بلغت أكثر من خمسين مليار دولار. وخلص آل دحيم إلى أن الأزمة المالية الحالية قد تكون فتحت الباب لدى المؤسسات الدولية والغربية ـ جدياً - لدراسة المبادئ التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، وهذا بحد ذاته من إيجابيات الأزمة الحالية، التي آمل أن يستثمرها الخبراء والمسؤولون، وذلك لعرض مبادئ الاقتصاد الإسلامي بشكل فعال في المحافل الدولية خصوصاً أن المملكة عضو في مجموعة العشرين، وقد اختيرت في المجموعة المسؤولة عن دراسة أسباب الأزمة الحالية واقتراح الحلول الناجعة لها.    وعلى الصعيد نفسه أكد الباحث ومدرب المصرفية الإسلامية نواف يوسف أبو حجلة، أن الاقتصاد الإسلامي كجزء هام وكبير من الاقتصاد العالمي تأثر كما غيره بهذه الأزمة مع اختلاف درجة تأثره. مشيرا إلى أن هذه الأزمة كشفت عن عوامل الوهن في الاقتصاد الرأسمالي القائم على الفائدة أساساً. وأرجع أسباب الأزمة الحالية التي عصفت بالبنوك وأسواق المال إلى عدة أسباب، أهمها الإقراض الربوي الجشع الذي عمّى قلب مقدميه حتى عن النظر في قدرة المقترض على السداد، ما دام هذا القرض مضموناً برهن ما، وثانيهما الاتجار الفظيع غير المحسوب بالديون عن طريق شراء السندات وبيعها. مؤكدا أن حجم الاتجار في الديون بلغ مؤخراً أكثر من تريليون دولار في اليوم الواحد، بينما يبلغ إنتاج العالم كله من السلع والخدمات أقل من ثلث هذا المبلغ في العام الكامل. وأضاف أبو حجلة أن هذه الديون هي ديون ربوية طبعاً، ذلك أن الاتجار بسنداتها هو المحرك الرئيسي للأزمة المالية الحالية؛ فقد قدمت البنوك الأميركية قروضاً عقارية للأميركيين، مضمونة بالعقارات، ثم أعادت تمويل بعض تلك القروض بعد أن ارتفعت أسعار تلك العقارات في السوق، فحصل المقترضون الأولون على قروض جديدة، مما زاد من عبء القروض وفوائدها عليهم. وبين ان البنوك الأميركية قامت بتعزيز موقفها بضمان شركات تأمين عملاقة مثل فريدي ماك وفاني ماي لتلك القروض العقارية، بدمج تلك الديون وإصدار سندات تمثلها، لغرض الاتجار المحلي والدولي بها، فأقبلت مصارف دولية كثيرة على شرائها، ومع تنامي الديون وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية الذي شهده العالم أخيراً، وجد الأميركيون أنفسهم غير قادرين على وفاء قروضهم وفوائدها، وعجزُ هؤلاء عن الدفع وملءِ خزائن البنوك أدى إلى عجز البنوك عن تقديم مزيد من التمويل ورفع أسعار الفائدة.

ويرى أبو حجلة أن التناقض الواضح بين ما يطرحه الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الغربي يتجلى في أن النظام الاقتصادي الإسلامي يعطي مساحة كبيرة للحرية الاقتصادية في كافة القطاعات، لكن يمنع الاحتكار ولا يتجاهل العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى أن نظام التمويل الإسلامي يعتمد على أسس سلعية واستثمارية في توزيع الموارد المالية، ما يؤدي إلى إعطاء الكفاءة الاقتصادية الدور الأول في تخصيص الموارد حيث لا تقوم البنوك الإسلامية بإعطاء القروض بل يتم التمويل سلعيا أو مشاركة، كما ينصب اهتمام البنك على قدرة المدين على السداد مع التركيز على جدوى التمويل. ولفت إلى ضرورة التزام اقتصاديات اليوم واقعاً وجوهراً بالشريعة، وألا يقصر التزامها بالشريعة على الشكليات التي لا تقدم ولا تؤخر، بل تثقل العميل وتزيد من تكلفة التمويل عليه، لينوء بعبء مالي يفوق في بعض الأحوال العبءَ المترتب عن الفوائد الصريحة التي يدفعها إلى البنوك التقليدية، ولا سيما أن بعض مؤسسات التمويل الإسلامي قد ابتكرت أساليب لتغريم كل المتخلفين عن سداد قروضهم، وأخرى لإعادة التمويل للمقترضين السابقين، نظير ممارسات البنوك الربوية. مبينا أنها ذات الممارسات التي كان طرفاً فاعلاً في وقوع الأزمة الحالية كما تقدم.