احتفاء الغرب بالصيرفة الإسلامية.. قناعة أم حاجة؟

TT

بعد السقوط المدوي لمصرف ليمان براذرز والذي كان إيذانا ببدء الأزمة المالية التي يعاني منها العالم اليوم سارعت الكثير من الدول الغربية إلى توجيه الدعوات إلى خبراء الصيرفة الإسلامية للاجتماع بهم لفهم المبادئ التي تقوم عليها صناعة الصيرفة الإسلامية والمتطلبات القانونية المطلوب توافرها لاجتذاب رؤوس الأموال الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية للاستثمار في هذه الدول وأصبحت الدول التي كانت تمانع قيام مؤسسات الصيرفة الإسلامية على أراضيها هي أسرع الدول في سن القوانين للسماح لهذه المؤسسات بممارسة أعمالها مثل فرنسا وأستراليا، بل إن أميركا والتي ظلت لفترة طويلة تمانع في تعديل قوانينها أو استحداث قوانين خاصة بالمالية الإسلامية نراها اليوم وعلى لسان نائب وزير الخزانة الأميركي روبرت كميت تعلن أنها تدرس مدى إمكانية الاستفادة من الصيرفة الإسلامية في مكافحة الأزمة المالية العالمية، فهل هذه التصريحات والمبادرات ناتجة عن قناعة بصلاحية الأصول التي تقوم عليها الصيرفة الإسلامية لمعالجة الأزمة وبداية لدمج هذه الأصول في المنظومة القانونية المنظمة للصناعة المالية في العالم الغربي كما يزعم البعض؟ أم هي للاستفادة من أموال هذه الصناعة لإنقاذ النظام الرأسمالي؟ فهي لا تعدو كونها شعارات تسويقية الهدف منها اجتذاب هذه الأموال؟ إن الذي يحدد الإجابة الصحيحة على هذا السؤال هو معرفة موقف المجتمعات والحكومات الغربية من التطبيق الجزئي للشريعة الإسلامية في بعض مناحي الحياة الغربية حيث يتذكر الجميع ردة الفعل العنيفة التي قوبل بها تصريح كبير أساقفة كانتربري الدكتور رون وليامز الذي قال فيه (إن تطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمر لا مفر منه) والذي أسسه على بعض المعطيات منها أن بريطانيا تسعى لأن تكون مركزا ماليا للصناعة المالية الإسلامية، حيث سارع الكثير من الأساقفة للمطالبة باستقالته كما سارع المتحدث الرسمي لرئيس الوزراء غوردن براون على التشديد على ضرورة تطبيق القانون البريطاني والاستناد إلى القيم البريطانية وأضاف المتحدث أن «موقفنا العام أن الشريعة لا تبرر انتهاك القانون البريطاني، وأنه لا يمكن الاعتراف بمبادئ الشريعة أمام محكمة مدنية لمعالجة خلافات ناجمة عن عقد». كما سارعت الصحف البريطانية للتذكير بأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان صرحت سنة 2001 م بأن الشريعة الإسلامية تختلف عن القيم الأوروبية. ومن هنا فإنني أرى كما يرى غيري من المحللين والخبراء أن احتفاء الغرب بالصيرفة الإسلامية ليس نابعا من قناعته بصلاحية الأصول التي تقوم عليها هذه الصناعة، وإنما من حاجته للسيولة التي تمتلكها هذه الصناعة والتي يرى فيها طوق نجاة لنظامه الرأسمالي الذي أوشك على الغرق نتيجة للأزمة المالية التي ضربته. وهذا ما صرح به أيضا الأستاذ سمير عبدي رئيس مجموعة الخدمات المالية الإسلامية بإرنست أند يونغ بالبحرين لصحيفة «البيان» الإماراتية فقال «إن الصيرفة الإسلامية ستكون موضع ترحيب أكبر في الغرب حاليا بفعل الأزمة المالية العالمية الراهنة لحاجة الغرب للسيولة».

كما نقلت الاقتصادية مقالا لروبرت مولي قال فيه «أميركا ذاهبة الآن ويدها ممدودة إلى الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط الأمر الذي لا يقوله المسؤولون الحكوميون للشعب الأميركي هو ما يلي: التمويل الإسلامي يأتي ومعه شروط وقيود غير لطيفة سيتعين على أميركا أن تلتزم بصورة متزايدة بالأحكام الشرعية، والأمور التي ينطوي عليها ذلك ليست مما يسر البال». إنه لأمر يبعث على الذهول حين نرى واشنطن تعتنق مجموعة من القوانين الأجنبية التي تنطوي على إمكانية إحداث تغيير جذري للحياة في أميركا.

إلا أن البعض قد لا يعجبه هذا الرأي، فيقول وماذا تقول في الدعوات التي انطلقت إثر الأزمة من بعض الصحافيين وكتاب الرأي إلى النظر في إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية وإعمالها في الجوانب المالية والأخذ بأصولها؟ بل إن الأمر وصل إلى هرم السلطة الدينية في الغرب، حيث دعت صحيفة الفاتيكان البنوك الغربية للأخذ بالقواعد الأخلاقية للصيرفة الإسلامية. فأقول لا يمكنني إنكار هذه الدعوات.

إلا أنني أرى أنه يمكن تقسيم هذه التصريحات إلى ثلاثة أقسام، فقسم منها كان عن قناعة تامة بصلاحية القواعد التي أتت بها الشريعة الإسلامية لحماية الأسواق من الأزمات وهذه أقلية وقسم لا يعدو أن يكون ردة فعل نتيجة للصدمة الناتجة عن الأزمة المالية.

وقسم كان الباعث على تصريحه استغلال الأزمة للحد من نفوذ العلمانية في حياة المجتمع وهو ما صدر في جريدة الفاتيكان، حيث إن هذه التعاليم الأخلاقية التي تلتزم بها المصارف الإسلامية التي دعا الفاتيكان بقية البنوك للأخذ بها تعتبر في رأي الفاتيكان من القواسم المشتركة بين جميع الأديان، ومن هنا نلحظ أن الدعوة أتت بلفظ الأخلاق وليس الشريعة حيث إن موقف الفاتيكان من الإسلام كدين وشريعة معروف فلا يمكن لعاقل أن يظن أن حاضرة الفاتيكان تدعو لتبني الشريعة الإسلامية.

ومن هنا فإننا لم نجد أثرا لهذه الدعوات على أرض الواقع حيث لم تقم الدول الغربية بدراسة الأصول التي تقوم عليها الصناعة المالية الإسلامية لتضمينها في التغييرات التي تزمع إجراءها على القوانين المنظمة لصناعتها المالية، وهذا ما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الاحتفاء والترحيب إنما كان دافعه الحاجة للسيولة التي تمتلكها هذه الصناعة لا القناعة بصحة ونجاعة أصولها لمعالجة أسباب الأزمة، لذا يجب على صناعة الصيرفة الإسلامية الاستفادة من هذه الأزمة بما يحقق مصالحها العليا لا مصالحها الآنية مثل اعتراف بخصوصيتها من قبل المنظمات الدولية مثل بنك التسويات والسعي لدى الدول الغربية لإقرار قوانين خاصة بها مثل القوانين الضريبية وقوانين الملكية وتعديل القوانين الرقابية بما يتناسب مع معايير هذه الصناعة وعدم الاغترار بما تلاقيه من حفاوة قد لا تطول، حيث إنها مرهونة بانتهاء الباعث عليها.

** مستشار في المصرفية الإسلامية