اقتصاديون: تفصيل العقود وتحديد الشروط والأحكام بدقة أهم متطلبات حوكمة المصارف الإسلامية

مختصون يؤكدون لـ «الشرق الأوسط» ضرورة تفهم تشريعات الحوكمة وإعداد معاييرها وضبطها

تفصيل العقود وتحديد الشروط والأحكام بدقة بما يبتعد عن أي تدليس أو جهالة أو غرر من مبادئ حوكمة المصرفية الإسلامية (تصوير: أحمد فتحي)
TT

أكد خبراء مصرفيون أن تفصيل العقود وتحديد شروطها وأحكامها بدقة بما يبتعد عن أي تدليس أو جهالة أو غرر، من أهم متطلبات حوكمة المؤسسات والمصارف الإسلامية, موضحين أن أخلاقيات العمل من وجهة النظر الإسلامية ومقاصد الشرع في المال تعد أساساً في فهم الحوكمة وإعداد معاييرها لضبط عمليات المؤسسات المالية الإسلامية.

وقالوا في لقاءات لـ«الشرق الأوسط» إن كل ذلك يجب أن ينتظم في نظام وقانون يحكم تعامل المؤسسات المالية الإسلامية بمختلف قطاعات أعمالها مصرفية كانت أو استثمارية أو تأمينية، فإن أساس نجاح الحوكمة هو دعم المؤسسات التشريعية والتنظيمية والرقابية في الدول لتلك الأنظمة والقوانين.

وذكر الخبراء أنه في السعودية سيكون من مسؤولية مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية ومجلس الشورى المبادرة إلى تبني التنظيمات والإجراءات التي تضمن تعاملا عادلا وبيئة صالحة لنجاح أعمال المؤسسات المالية الإسلامية.

وأوضحوا أن وجود نظام فعال وقادر على توفير الثقة ومكافحة الفساد في المؤسسات المالية الإسلامية سيعود عليها بمزيد من النجاح، وسيدعم توسع عملياتها، لافتين إلى أن هذا يتطلب دعم ما تقوم به الإدارات ذات العلاقة بالحوكمة داخل المؤسسة المالية كإدارة الالتزام والمراجعة الداخلية والقانونية وكذا إدارة الرقابة الشرعية بنوعيها الداخلية والخارجية. ويرى ياسر المرشدي خبير سعودي في المصرفية الإسلامية أن الحوكمة مصطلح جديد بدأ يظهر وينتشر في الآونة الأخيرة عطفا على ما يجري في قطاع الأعمال المالية، وهو يعني في معناه العام الآلية المتقنة والمحكمة لضبط العلاقة بين الأطراف المشتركة. وفيما يتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية فإن الحاجة إلى ضبط العلاقة بين المساهمين والمودعين وبين الإدارة التنفيذية؛ حفظاً لحقوق كل منهم ومنعاً لتضارب المصالح وما يترتب عليه من استغلال للسلطات والصلاحيات.

وقال المرشدي لـ«الشرق الأوسط» لا تكاد تختلف المؤسسات المالية الإسلامية عن غيرها من المؤسسات الأخرى في ضرورة وأهمية تطبيق متطلبات الحوكمة لما بينهما من الاشتراك في الهدف العام لها وهو ضبط العلاقات ومنع الاستغلال والتعاملات غير الجيدة التي تتيحها البيئة المشتركة للأعمال.

وبحسب المرشدي فإنه يمكن تلخيص أهم ما يمكن أن يندرج تحت إطار الحوكمة في هذا الصدد في تفصيل العقود وتحديد شروطها وأحكامها بدقة بما يبتعد عن أي تدليس أو جهالة أو غرر هو من أهم متطلبات الحوكمة، فبذلك يعرف كل طرف من المتعاقدين حقوقه والتزاماته بوضوح. وهنا ستكون المسؤولية ـ والحديث للمرشدي ـ مضاعفة على من يتولى صياغة العقود والاتفاقيات في المؤسسات المالية؛ إذ عليه أن يمارس مزيدا من التفصيل لاستكمال جميع الجوانب ذات العلاقة بالتعاقد، مبينا أن شواهد التفصيل في الشريعة الإسلامية واضحة فما يوجد من قواعد وشروط للعقود في الفقه الإسلامي يندرج تحت هذا الباب وعليه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف القواعد الملزمة في الشريعة الإسلامية، «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا».

وأضاف المرشدي أنه مما يمكن أن يندرج تحت الحوكمة ما يعبر عنه حاليا بـ«الشفافية» وهو ما جاءت الإشارة إليه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركت بيعهما»، موضحا أن البيان والوضوح والصدق في المعلومات أساس في ضبط العلاقات بين الأطراف المتعاملة وهو حاجز المقاومة الأول ضد التلاعب بأموال المساهمين أو المودعين.

وقال المرشدي إن أخلاقيات العمل من وجهة النظر الإسلامية ومقاصد الشرع في المال تعد أساساً في فهم الحوكمة وإعداد معاييرها لضبط عمليات المؤسسات المالية الإسلامية، مستدركا بالقول: «كل ذلك يجب أن ينتظم في نظام وقانون يحكم تعامل المؤسسات المالية الإسلامية بمختلف قطاعات أعمالها مصرفية استثمارية أو تأمينية».

وزاد المرشدي أن أساس نجاح الحوكمة هو دعم المؤسسات التشريعية والتنظيمية والرقابية في الدول لتلك الأنظمة والقوانين، داعيا مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية ومجلس الشورى المبادرة إلى تبني التنظيمات والإجراءات التي تضمن تعاملا عادلا وبيئة صالحة لنجاح أعمال المؤسسات المالية الإسلامية.

وأوضح المرشدي أن وجود نظام فعال وقادر على توفير الثقة ومكافحة الفساد في المؤسسات المالية الإسلامية سيعود عليها بمزيد من النجاح، وسيدعم توسع عملياتها، مشددا على أن ذلك يتطلب دعم ما تقوم به الإدارات ذات العلاقة بالحوكمة داخل المؤسسة المالية كإدارة الالتزام والمراجعة الداخلية والقانونية وكذا إدارة الرقابة الشرعية بنوعيها الداخلية والخارجية.

وفي ذات السياق، يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور حسني الخولي خبير مصرفي إن الإسلام يحض على المحافظة على المال شأنه مثل باقي الأصول الخمسة (الدين، النفس، العقل، النسل، المال)، والحوكمة تساعد على المحافظة على المال وتنميه، وتقلل المخاطر التي يتعرض لها.

وبين الخولي أن للحوكمة على أنها تجسّد «الإدارة الرشيدة» عدة تعاريف أحدها أنها «مجموعة القواعد والنظم والإجراءات التي تحقق التوازن بين مصالح إدارة الشركة من ناحية وحملة الأسهم وأصحاب المصالح من ناحية أخرى».

أما عن أهمية الحوكمة فيعتقد الخولي أنها تتضح من أهدافها والتي تتمثل في تحقيق الشفافية والعدالة ومنح حق مساءلة إدارة الشركة، وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين وحملة الوثائق جميعا مع مراعاة مصالح العمل والعمال والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة بما يؤدى إلى تنمية الاستثمارات، والمدخرات وتعظيم الربحية وإتاحة فرص عمل جديدة.

واستطرد الخولي أن واقع  المصارف المتوافقة مع الشريعة في ظل الأزمة كان الأفضل أداء، وقد تجاوزت الأزمة بأقل حالات من التعثر، هذه النجاحات دعت عقلاء العالم للمطالبة بالاستفادة من هذا النهج، وللدرجة التي طالب بابا الفاتيكان الاستفادة من أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي، بل وتخطط بريطانيا أن تكون مركزا للصيرفة الإسلامية.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه حوكمة المصارف والمؤسسات الإسلامية، قال الخولي: «لا أكون منحازا إذا قلت إن الإسلام سبق الجهات التي فكرت في الحوكمة، بل ووضع النهج الذي يعالج الأمور قبل وقوع الحدث من خلال تقوية منظومة القيم، والأسس التي تحكم عدالة العلاقة بين الأطراف، أما الحوكمة فهي حديثة عهد ولا تزيد على 10 سنوات، ولم يتم  التفكير فيها إلا بعد تفجر كثير من المشكلات المرتبطة باستغلال السلطة، وجاءت لتعالج خللا في النفس البشرية أدى إلى كوارث اقتصادية».

وأضاف الخولي أن المصارف الإسلامية تعيش تحديات كثيرة منها ما يتمثل في ضرورة انسجام المصارف الإسلامية وأنظمتها بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية من جانب ومع ما يصدر من الجهات المتعددة ذات العلاقة بالحوكمة وهى: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المبادئ التي تفرضها الدولة التي يقع بها المصرف، ففي السعودية مثلا هيئة سوق المال، ووثيقة تعزيز الحوكمة في المنظمات المصرفية الصادرة عن بازل، ومعيار الحوكمة الصادر عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا، بالإضافة إلى معيار تحت الإصدار تعده هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

وبين الخولي أن مقررات لجنة بازل، وبازلII  التي وضعت أصلا للبنوك التجارية، ومعايير المحاسبة والمراجعة سواء الدولية، والمحلية، أو المؤسسات المالية الإسلامية تعتبر إجراءات تتسق وتتناغم مع مبادئ «الحوكمة».

وعن أهم الآليات والاستراتيجيات والمعايير المطلوبة وتطوير هذه الحوكمة, وتفعيلها وتطويرها في المصارف الإسلامية، وبالتالي زيادة النجاحات، وتطوير المنتجات لتنافس البنوك التقليدية، أوضح الخولي أنه يجب تبنى آليات واستراتيجيات لتأسيس المزيد من مؤسسات البنية التحتية الداعمة للمصارف الإسلامية كأحد الأدوات الداعمة لمتطلبات الحوكمة مثل: إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة من شيوخنا وعلمائنا ذوى المعرفة الرفيعة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية، ليساهم في إثراء القرارات الشرعية.

وتابع الخولي أنه يجب كذلك تطبيق معايير المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني الصادرة عن الجمعيات والهيئات الإسلامية ذات العلاقة بهذا الشأن، وتفعيل دور المؤسسات التي تتولى التحقق من الالتزام بالمعايير والضوابط الشرعية.

إلى ذلك، يتفق إسماعيل السلوم خبير مصرفي عربي على ما ورد على لسان كل من المرشدي والخولي، مبينا أنه مما لا  شك فيه أن التطبيق الفعال للحوكمة له الأثر الايجابي على المصارف الإسلامية، فمثلا بنك ليمان براذرز كان يطبق الحوكمة بشكل لا يتصف بالفاعلية، وهذا ما كشفت عنة الأزمة المالية.

وأضاف السلوم أنه من النتائج الايجابية للتطبيق الفعال لحوكمة المصارف أنها (تخفض تكلفة رأس المال بما تتركه من انطباع حسن لدى  المساهمين والممولين وغيرهم، وترشد قرارات مجالس الإدارات، وتحد من التجاوزات الشخصية نظرا للمساءلة التي سيتعرضون لها، وتخفض من المخاطر، وتحسن من مستوى ودقة وشفافية البيانات والمعلومات، حيث تساعد على حسن الأداء التشغيلي.