سواء كانت حاجة أم قناعة فهي فرصة للصيرفة الإسلامية

TT

استدعى مقالي الأسبوع الماضي حول احتفاء الغرب بالصيرفة الإسلامية قناعة أم حاجة؟ العديد من تعليقات القراء الكرام ومنهم الدكتور بكر الذي يرى أن مجرد اعترافهم بجدوى وقوة التقنيات المالية الإسلامية وقدرتها على العمل والنجاح يكفي. أما الطيب غانم من السويد فيرى أن أيا كانت دوافع هذا الاحتفاء فإنه يؤشر على أن هناك فسحة لتطبيق الشريعة الإسلامية وأخلاقياتها كما أنه يرى أنه لا ضير من خلق حاجة لدى الآخرين واستغلالها لإقناعهم بأهمية الشريعة الإسلامية. أما القارئ هشام مدغري علوي فيوافقني بأن الحاجة هي سبب الاحتفاء ولكنه يرى أن القناعة موجودة ولكنه لا يتم الاعتراف بها لأسباب يرى أنها واضحة ولا تحتاج لتوضيح وليته أبان عن هذه الأسباب التي تمنع من إظهار هذه القناعة ليستفيد الجميع منها ومنهم كاتب هذا المقال. فيما يرى الأخ سراج الهادي قريب الله أن استغلال الحاجة لتغيير القناعات هو أسلوب المنظمات التبشيرية الغربية ولا يرى ضيرا في استغلال الصيرفة الإسلامية لحاجة الغرب لها شرط أن تكون الأهداف والرؤى واضحة.

والحقيقة أن جميع هذه التعليقات تتوافق مع كثير مما جاء في المقال إلا أن قارئ هذه التعليقات ومنهم كاتب هذه السطور يشعر أن المعلقين رأوا أن في المقال دعوة للصيرفة الإسلامية بعدم الاستجابة لهذه الحاجة بدعوى أنها حاجة وليست قناعة وهذه رؤية ليست صائبة. حيث إن المقال جاء ليعطي رؤية واضحة لصناعة الصيرفة الإسلامية حول دوافع هذا الاحتفاء حتى لا تقع الصيرفة الإسلامية في الفخ فتكون طوق النجاة الذي سرعان ما يتخلص منه الغريق بمجرد وصوله لشاطئ الأمان لأنه أصبح عبئا عليه، ومن ثم لا تستفيد من هذه الأزمة لتثبيت أقدامها في الأسواق العالمية بحيث يتم الاعتراف بها كصناعة مالية مستقلة لها أنظمتها وقوانينها ومعاييرها المحاسبية والرقابية التي تختلف كلية عن الصناعة المالية التقليدية. إذ كانت وما زالت الصناعة المالية الإسلامية تعاني الأمرين من تجاهل الأسواق العالمية لأنظمتها وقوانينها ومعاييرها المحاسبية والرقابية قبل الأزمة وبعدها. ولعل أبرز مثال على هذه المعاناة المعايير المحاسبية الدولية ومعايير كفاية رأس المال (بازل 2) حيث لم تراع هذه المعايير خصوصية هذه الصناعة وبالتالي أدخلتها في منافسة غير متكافئة مع الصيرفة التقليدية. ومن ثم فقد كان المقال دعوة للصيرفة الإسلامية بكل مكوناتها من هيئات شرعية ومؤسسات مالية وهيئات تنظيمية لتوحيد الجهد ووضع خطة إستراتيجية تهدف لاستغلال هذا الاحتفاء الغربي الناتج عن الأزمة لتحقيق الأهداف الكلية التي تخدم هذه الصناعة ككل مثل السعي لدى المنظمات الدولية كلجنة معايير المحاسبة الدولية للاعتراف بالمعايير المحاسبية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ((AAOIFI. والسعي لدى بنك التسويات الدولي ولجنة بازل 2 لتضمين معايير كفاية رأس المال الصادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا في المعايير الصادرة عنها والسعي لدى الدول الغربية لسن القوانين والتشريعات التي تسمح لمؤسسات هذه الصناعة بالعمل في بيئة قانونية تناسب خصوصيتها والأطر الشرعية التي تحكمها.

إن هذا الجهد الموحد لا يتعارض مع سعي المؤسسات المالية الإسلامية كل مؤسسة على حدة لاستغلال هذا الاحتفاء بإيجاد موطئ قدم لها في هذه الأسواق وتحقيق الربح من وراء هذا الوجود بل هو يخدمها على المدى الطويل نظرا لأن وجودها وخصوصيتها المتمثلة في تطبيق أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية سيكونان محميين بموجب القوانين والتشريعات مما سيحول دون إجبارها على مخالفة الشريعة الإسلامية لتعارضها مع القوانين والأعراف المحلية كما سيكفل لها بيئة تنافسية مناسبة مع مؤسسات الصيرفة التقليدية.

كما أن تحقق هذه الأهداف الكلية في الأسواق المالية العالمية لا شك سيدفع بالكثير من الدول الإسلامية والعربية إلى الاعتراف بالصيرفة الإسلامية كنموذج عمل له خصوصيته مما سيؤدي إلى سن القوانين والتشريعات والأنظمة التي تناسب هذه الصناعة في هذه الدول التي ما زال الكثير منها يرفض الاعتراف بخصوصية هذه الصناعة. كما سيؤدي بالدول العربية التي لا ترخص لمؤسسات هذه الصناعة في أسواقها إلى تغيير نهجها هذا نظرا لاعتراف الغرب بها ونحن جميعا نعلم مدى قوة التأثير الغربي على الكثير من هذه الدول خصوصا في جانب الأسواق المالية حيث ما زلنا نعاني من الاستلاب الفكري الناتج عن نظرة المغلوب للغالب، ولو لم يكن من فائدة في السعي لتحقيق هذه الأهداف الكلية إلا هذا لكان كافيا لتوحد الجهود لتحقيقها.

* مستشار في المصرفية الإسلامية