مصرفيون: غياب الحماية القانونية يهدد البنوك الإسلامية بالإفلاس

ذهبوا إلى أن عدم تطور إدارة الاقتصاد الإسلامي الكلي والسياسات النقدية من أهم الأسباب

معظم المصارف تستند في تطبيق سياساتها التمويلية على بعض الفتاوى واجتهادات العلماء («الشرق الأوسط»)
TT

أكد خبراء مصرفيون واقتصاديون أن البنوك الإسلامية ليست بمنأى عن الإفلاس في ظل الأزمة المالية العالمية، وذلك ما لم تتوافر حماية ودعم قوانين من الدولة التي تطبق حزما من السياسات المصرفية المسؤولة.

وذكر الخبراء أن تلك السياسات المصرفية المسؤولة تتمثل في الإدارة الصارمة والقوية، ثم خفض سعر الفائدة إلى أدنى نسبة ممكنة، والتدريب الاحترافي للموارد البشرية، وطرق تطويرها ثم انتقاء الاستثمارات ذات الأمدين المتوسط والطويل وغيرها من السياسات التي تطبق في البنوك. وقالوا في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن معظم المصارف تستند في تطبيق بعض سياساتها التمويلية على بعض الفتاوى واجتهادات العلماء، وليس على واقع حزم من السياسات الموضوعة مسبقا، ضمن إطار عمل موحد يخدم المصالح العامة للمصارف، وبالتالي فإن تضارب الفتاوى يجعل التطبيق في محك خطير يتبعه انهيار تدريجي للمصرف.

وأشاروا إلى وجود أمثلة كثيرة لبعض البنوك الإسلامية التي اعتمدت في تمويلاتها على بعض الفتاوى وخسرت ملايين الدولارات، مبينين أن إنجاح النظام الاقتصادي الإسلامي يحتاج إلى إجازة نظام موحد بعدة صيغ وبحزم بديلة.

ودعا الخبراء إلى ضرورة تطوير إدارة السياسة النقدية والسياسة المالية، حتى لا يفسح المجال واسعا أمام الرأسمالية لتصحيح وضعها على حساب مستقبل المصرفية الإسلامية وصناعتها التي فاقت 30 سنة. أما فيما يتعلق بإمكانية أن يكون الاقتصاد الإسلامي بديلا للاقتصاد الرأسمالي فإن الخبراء أكدوا أن ذلك يتم نظريا من وجهة نظر إسلامية، وكان بالإمكان تحويل النظرية إلى تطبيق، غير أن هناك قصورا لا يتعلق بالنظرية الإسلامية بقدر ما يتعلق بجانب القصور الذي لازم العاملين والباحثين في المجال الإسلامي.

ولفتوا إلى أن ذلك يرجع إلى عدم قدرتهم على تطوير أدواتهم التي يدار بها الاقتصاد الإسلامي الكلي، بالإضافة إلى عدم تطوير إدارة السياسة النقدية، مما نتج عنه عدم وجود بديل آني. وفي هذا السياق أكد الخبير المصرفي الدكتور سعيد الشيخ أن البنوك الإسلامية ليست بمنأى عن الإفلاس، حيث تتدخل الحكومات في كثير من الأحيان ـ متمثلة في البنوك المركزية ـ وذلك بدعمها بهدف الإنقاذ من الإفلاس كما هو الحال في بنك الخليج الدولي، إضافة إلى ما حدث في الإمارات، من خلال البنك المركزي ودعمه المصارف هناك بضخ أموال تستنهض هممها وتبث فيها الحياة من جديد. ولكن مع كل ذلك يؤكد الشيخ على عظم الخطوات التي خطتها المصرفية الإسلامية على مدى 30 سنة الماضية، مشيرا إلى أن حجم الأصول فيها تقدر بـ 600 بليون دولار، ويسند لآخرين تقديرها بتريليون دولار، مبينا أنها ماضية في النمو بشكل جيد.

وأكد وجود مصرفية موجهة للأفراد في شكل عقود شراء كما في مستلزمات السكن والأثاث والسيارات، مبديا ملاحظة عليها فيما يتعلق بتحديد التكلفة، مقرّا بأنها لا تطبق ما يسمى بالفائدة المركبة على منتجاتها. وقال الشيخ إن السندات الإسلامية في حالة نمو سواء كانت في ماليزيا أو في البحرين، كما أن هناك إصدار سندات إسلامية في بريطانيا في الوقت الذي تتجه فيه فرنسا إلى السماح بممارسة عمل المصرفية الإسلامية ونشاطاتها هناك، متوقعا بأن تصبح لندن خلال فترة تتراوح ما بين 10 إلى 15 سنة المقبلة مركزا مصرفيا إسلاميا. أما فيما يتعلق بإمكانية أن يكون الاقتصاد الإسلامي بديلا للاقتصاد الرأسمالي يرى الشيخ أن ذلك يتم نظريا من وجهة نظر إسلامية، وكان بالإمكان تحويل النظرية إلى تطبيق، ذلك بأن العيب، بحسب الشيخ، ليس في النظرية الإسلامية بقدر ما يتعلق بجانب القصور الذي لازم العاملين والباحثين في المجال الإسلامي.

وأكد أن ذلك يعود إلى عدم قدرتهم على تطوير أدواتهم التي تدار بها الاقتصاد الإسلامي الكلي، بالإضافة إلى عدم تطوير إدارة السياسة النقدية، مما نتج عنه عدم وجود بديل آني. ودعا الشيخ إلى تطوير إدارة السياسة النقدية والسياسة المالية، وفسح المجال واسعا أمام الرأسمالية لتصحيح وضعها، ويعتقد أن الرؤية المستقبلية تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيعاود نشاطه وربما في بداية 2011، ولكن دون مستوى النمو الاقتصادي الذي سبق الأزمة المالية العالمية، حيث قلّت بمعدل 2 إلى 3 في المائة، مقارنة بمتوسط النمو الذي شوهد في بداية الألفية الجديدة بما يعادل 4 في المائة. من جانبه لا يستبعد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن علي باعشن، رئيس مركز الشروق للاستشارات، أن يطال الإفلاس البنوك الإسلامية ما لم تتوافر حماية ودعم قوانين من الدولة التي تطبق حزما من السياسات المصرفية المسؤولة.

وأكد أن ذلك يتمثل في أهم عنصر وهو الإدارة الصارمة والقوية، ثم خفض سعر الفائدة إلى أدنى نسبة ممكنة، ثم التدريب الاحترافي للموارد البشرية وطرق تطويرها، ثم انتقاء الاستثمارات ذات الأمدين المتوسط والطويل وغيرها من السياسات التي تطبق في البنوك.

ويستطرد بالقول إنه لو كان المقصود بالبنوك الإسلامية تلك البنوك التي تقع جغرافيا ضمن حدود العالم الإسلامي، فإن معظم مصارفها تستند في تطبيق بعض سياساتها التمويلية لبعض الفتاوى واجتهادات العلماء وليس على واقع حزم من السياسات الموضوعة مسبقا، ضمن إطار عمل موحد يخدم المصالح العامة للمصارف، وبالتالي فإن تضارب الفتاوى يجعل التطبيق في محك خطير يتبعه انهيار تدريجي للمصرف. وأشار باعشن إلى وجود أمثلة كثيرة لبعض البنوك الإسلامية التي اعتمدت في تمويلاتها على بعض الفتاوى وخسرت ملايين الدولارات، عليه يرى باعشن أنه لإنجاح النظام الاقتصادي الإسلامي لا بد من إجازة نظام موحد بعدة صيغ وبحزم بديلة، يخدم الأمة الإسلامية واقتصادها بالتركيز على أهم التوصيات الواردة في القرآن والسنة والعمل به كنموذج يحتذى به في البلدان غير الإسلامية.

وأبدى أسفه على عدم توصل العالم الإسلامي لإجازة مثل هذا النظام الذي يترقبه المسلمون في جميع أنحاء العالم. أما فيما يتعلق بإمكانية أن يحلّ الاقتصاد الإسلامي بديلا عن النظام الرأسمالي يعتقد باعشن أنه يمكن بشرط تطبيق ما ذكره آنفا من إجازة حزم وسياسات مصرفية بصيغة إسلامية بحتة مستمدة من القرآن والسنة وإجماع العلماء من الأمة الإسلامية. واستدرك باعشن متسائلا: ولكن متى يتم ذلك، وأجاب أنه لا يتوفر إلا في حال إجماع الأمة الإسلامية، والواقع يؤكد الصعوبة بمكان توحدها في صيغة واحدة في ظل الانقسامات السياسية التي يعيشها العالم الإسلامي، وبخاصة الهيئات الشرعية وأهل الفتاوى والمجتهدين من الباحثين والعلماء. وأكد باعشن أن بلوغ مثل هذه الغايات لاحتلال مكانة مرموقة في العالم كمسلمين، يستوجب أن تهيأ الظروف المناسبة التي من شأنها التأهيل لريادة اقتصاد العالم، وقال «هذا باختصار من خلال حظر رؤوس أموالنا على الغرب، والدخول في استثمارات داخل البلدان الإسلامية الغنية بمواردها الذاتية وقطع الطريق أمام الطامعين نهائيا، وهذا لن يأتي إلا من خلال خطط واستراتيجيات طموحة وهي ابتكار نظام إسلامي اقتصادي موحد يتم طرحه كبديل للنظام الرأسمالي وبدون أي خلافات مذهبية سواء في الأصول أو الجذور». وفي حديث ذي صلة قال مسفر آل دحيم خبير وباحث في التمويل الإسلامي إن البنوك الإسلامية أثبتت مقدرة عالية على تجنب ضربات الأزمة المالية العالمية بدرجة مرتفعة، مستدركا بأن هناك بعض حالات الخسائر التي أضرت بمسيرتها كتلك الأزمة التي تواجهها سوق الصكوك العالمية، ولفت إلى إعلان تصفية بعض الصكوك وخسارة بعضها الآخر. وأكد وجود حالات تمت فيها إعادة الجدولة، كما قلت نسبة طرح الصكوك هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، مما يدل على أن البنوك الإسلامية وعملياتها ليست بمنأى عما يحصل في السوق المالية العالمية، نافيا أن تكون هناك حالات إفلاس لبنوك إسلامية، وإنما كانت هناك عمليات تمويل إسلامي خاسرة سواء شرقا أم غربا. وقال آل دحيم إنه لا يدل مما سبق على أن البنوك الإسلامية محمية تماما من مخاطر الإفلاس، فهناك حالة بنك بيت غمر المصري الذي أنشئ في الستينات من القرن الماضي ولم يستمر أكثر من سنوات تعد على يد الأصابع الواحدة وتم إفلاسه. ونفى آل دحيم وجود مشروع تجاري ليست له أي مخاطرة بنسبة 100 في المائة، إلا أن ما يميز بعض المشاريع التجارية هي نسبة التعرض للمخاطر ومن ضمنها مخاطر الإفلاس.

وتتميز البنوك الإسلامية بعدة ميزات في مواجهة مخاطر كهذه «أي مخاطر الإفلاس»، أولا: أنه لا يمكن للبنوك الإسلامية التعامل بالربا الذي هو من أشد المحرمات في الإسلام، بل إنه يعد إحدى خطوات الفساد الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات. وتعرض الاقتصاد الرأسمالي لضربة شديدة بسبب الربا، كونه السبب الأساسي في الأزمة المالية مهما دافع عنه الرأسماليون، فبسبب الربا تم التعامل في الديون بيعا وشراء حتى انفجرت الفقاعة في وجوه حامليها، ليس هذا فحسب بل تضرر الاقتصاد ككل بسبب توجيه رؤوس الأموال إلى هذا النوع من المعاملات. ثانيا: أن البنوك الإسلامية لا تتاجر في الديون التي لا تجوز من منظور الشريعة الإسلامية والتي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، منها أن الديون إذا كانت تجارة قائمة بحد ذاتها فإنها تجعل الأموال غير موجهة إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تمس حياة الإنسان بشكل مباشر، بل وتكون سببا من أسباب أزمات المجتمعات كما يحصل حاليا في الغرب. ثالثا: لا يمكن للبنوك الإسلامية الدخول في عمليات الخيارات (options) وهي عمليات المستقبليات والتي تدخل من ضمن عمليات المقامرة المحرمة شرعا وذلك لخطورتها الشديدة على أي اقتصاد، وهو ما يجمع بأنها من أكثر الطرق الأكثر تسببا في الإفلاس لمن يتعامل بها وهو الاقتصاد الرأسمالي. وإذا كانت مبادئ المصرفية الإسلامية تقوم على تحريم مثل تلك المعاملات، «فإنه يمكن القول إن خطر تعرض البنوك الإسلامية للإفلاس يقل وبدرجة كبيرة جدا، إذا ما قورنت بمثيلتها التقليدية، ولكنه لا ينعدم لأسباب مثل توجه السوق والمنافسة ومخاطر المشاريع الإنتاجية التي تمولها البنوك الإسلامية».