مستثمرون محليون مقيمون في الخليج يطلقون أول مصرف إسلامي في الهند

حكومة ولاية كيرالا تمتلك 11% من رأسماله

تشهد الهند خلال الفترة القليلة المقبلة، بدء أعمال أول مصرف إسلامي في ولاية كيرالا («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد الهند خلال الأيام المقبلة انطلاق إعمال أول مصرف إسلامي، من خلال تدشين أولى عملياته، حيث تبدأ المؤسسة المالية التي ستعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية في ولاية كيرالا في جنوب غربي الهند عملها بمشاركة نشطة من الحكومة الهندية.

وعلى الرغم من أن المؤسسة المصرفية الجديدة قامت على جهود القطاع الخاص ضمن شركة تنمية الصناعات بولاية كيرالا، ذراع حكومة الولاية الاستثماري، إلا أنه سيعمل وفق معايير وتوجيهات الحكومة التي تمتلك 11 في المائة من أسهم البنك.

ويمتلك المؤسسة المصرفية الإسلامية في الهند إلى جانب شركة تنمية الصناعات التابعة لولاية كيرالا التي تمتلك 11 في المائة من المصرف، كل من محمد علي من مجموعة الغلفار في عمان رجل الأعمال الهندي المقيم بالخليج، وسي كي مينون من مجموعة بهزاد من قطر، ورجل الأعمال يوسف علي والذي يمتلك متاجر لولو في الإمارات، وأزاد موبين من مجموعة موبين في دبيفي، ممن شاركوا كداعمين أساسيين للمشروع، ويشغل محمد علي منصب رئيس مجلس الإدارة.

وتم تسجيل المصرف كشركة مالية غير بنكية، كون قوانين البنك المركزي في الهند والمصرف الاحتياطي يمنع منح ترخيص لأي مصرف إسلامي كبنك تجاري خشية أن يتحول فيما بعد إلى مصرف إسلامي.

ونظرا لأن المصرف سيعمل وفق بنود الشريعة الإسلامية، فإنه سيتجنب الحصول على فائدة في أنشطة الأعمال، ويخطط المصرف الذي سيتخذ من كيرالا مقرا له استثمار الأموال في مشروعات البنية التحتية، ومنطقتين هما باي السلام وإنستينسا حسب قواعد الشريعة الإسلامية، وسيستثمر المصرف جل أمواله في المشاريع الاستثمارية وسيوزع الأرباح على حملة الأسهم.

وقال عبد الله حسن أستاذ الصيرفة الإسلامية: «إن قرار إنشاء بنك لا يقوم على الفائدة يأتي في وقت أظهر فيه الاقتصاد العالمي القائم على الفائدة هزيمة منكرة، وقد لاقى القرار بالفعل ترحيبا كبيرا، وهو ما سيساعد في توجيه الأموال القادمة من وعبر دول الخليج».

وكانت شركة «سكيور إنديا ريال استيت فاند»، أول شركة مالية تعمل وفق الشريعة الإسلامية ومسجلة لدى هيئة البورصة والسندات المالية في الهند، قد دشنت أعمالها أخيرا في كيرالا. وتحظى الصيرفة الإسلامية بشعبية كبيرة بالفعل في كيرالا، حيث يحصل التجار ورجال الأعمال على قروض دون فوائد ويسددونها دون أرباحها. ويزعم الخبراء أن هذا النظام المالي شهد انتعاشة كبيرة فهناك حوالي 200 مؤسسة مالية في كيرالا تعمل في مجال التمويل القائم على الصيرفة الإسلامية. وأهم ما يميز المصرف الجديد أيضا خدمات التمويل الاجتماعي القائمة على مبادئ الشريعة ومفهوم الصيرفة الإسلامية، حيث يقدم قروضا بدون فوائد للعائدين من دول الخليج بعد فقد وظائفهم لبدء أعمال تجارية خاصة بهم أو شركات محدودة النطاق.

ويشكل المسلمون ثاني أكبر أقلية في كيرالا حيث يمثلون 25 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 31.8 مليون نسمة، حيث كشفت دراسة صدرت أخيرا عن وجود ما يزيد على مليوني شخص يعملون بالخارج ما يقارب 90 في المائة منهم يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي بدول السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان ـ أي بمعدل فرد لكل عائلتين مسلمتين في كيرالا.

ووجدت الدراسة أن إجمالي قيمة الحوالات البنكية التي بعث بها الهنود المهاجرون إلى الولاية بلغ 49 مليون دولار في عام 2007، وبعث المسلمون حوالي 24.3 مليون دولار. ويعمل 90 في المائة من العمالة المهاجرة من كيرالا في دول الخليج غالبيتهم من المسلمين.

وتلقى المؤسسة المصرفية الإسلامية دعما كبيرا بين المجتمع المسلم في الولاية التي يقوم فيها عدد كبير من الأثرياء المسلمين بالتزام الشريعة الإسلامية في معاملاتهم التجارية، ويوجد في كيرالا نحو 8 مليارات دولار في فوائد في حسابات متوافقة مع الشرعية الإسلامية، كون المسلمين يرفضون المطالبة بها لحرمتها، ويفضل البعض في كيرالا استثمار أموالهم في الذهب والحلي.

وتوجد بعض الهيئات الأخرى مثل الاتحاد الهندي للاقتصادات الإسلامية، لكن هذا النموذج المصرفي سيتمكن من إحراز أهدافه عندما يعترف به البنك الاحتياطي الهندي ككيانات قانونية.

ويشير الشيخ محمد كراكونو أحد مهندسي حملة تأسيس أول مصرف إسلامي في الهند إلى أن الاختلافات الرئيسية بين مؤسسات التمويل الإسلامي في كيرالا، وتلك القائمة في غرب آسيا، أهمها أن الأخيرة معترف بها في القوانين إضافة إلى أن البنوك المركزية في تلك الدول تقدم دعما جوهريا في إدارتها.

وقال كراكونو: «لم يعطنا البنك الفيدرالي موافقة، ومن ثم لا يمكن اعتبار تلك المؤسسات المالية بنوكا، فكل المؤسسات المالية التي يبلغ عددها 200 مسجلة ضمن قانون المؤسسات الخيرية». وأضاف كراكونو: «إن الأموال تقرض للأفراد بغض النظر عن ديانتهم، فهي تقدم لهم لاستثمارها في الأنشطة التجارية الصغيرة وللقيام بتكاليف الزواج أو التعليم أو الحاجات الصحية، ولا يمثل استرداد تلك الأموال مشكلة، وفي غالبية الحالات تكون نسبة الاسترداد 100 في المائة، غير أنه قد يحدث في بعض الحالات عجز هامشي، لكن المشكلة الوحيدة التي تواجه تلك المؤسسات هي نقص المصداقية لأنهم لا يندرجون ضمن التشريعات المصرفية في البلاد».

ولقيت المصرفية الإسلامية تركيزا من الصحافة الهندية بعد أن قامت اللجنة المختصة بوضع إصلاحات النظام المالي التي ترأسها الخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي رغورام راجان، والذي دافع عن النظام المالي الخالي من الفائدة لجذب المزيد من الاستثمارات.

وفضل راجان استخدام النظام المالي الخالي من الفائدة بدلا من «الصيرفة الإسلامية»، ولا تعني الصيرفة الخالية من الفائدة الإحسان بالطبع، وإنما تعني أن المقرض أو المستثمر لا يحصل على فائدة لكنه يحصل على نسبة من الأرباح.

على الرغم من شهادة لجنة راجان للصرافة الخالية من الفائدة، إلا أن الهند لم تسعَ إلى تطبيق هذا الرافد الغني من رأس المال على عكس الدول العلمانية الأخرى، فبريطانيا التي يقل عدد المسلمين فيها عن مليوني نسمة يوجد بها ستة مصارف تعمل وفق الشريعة الإسلامية، ثلاثة منها افتتحت عام 2008.

بيد أن الحكومة الهندية تسعى نحو تقديم الصيرفة الإسلامية إلى الهند، وقد أكمل البنك الاحتياطي الهندي دراساته في هذا الاتجاه، وقامت الهيئة المنظمة لسوق الأسهم الهندية، هيئة البورصة والأوراق المالية الهندية (سيبي) بمنح تراخيص لمنتجات السندات المالية الموافقة للشريعة الإسلامية، ومن المأمول أن يشهد صعود نجم الصيرفة الإسلامية في الهند خلال الأعوام القليلة المقبلة.