«بيت التمويل العربي الإسلامي» يوصي بالاستثمار في مشروعات إنتاجية

دعوات متزايدة لاعتماد العملة الوطنية في عمليات التمويل

البنوك الإسلامية في لبنان مطالبة بالاستثمار في مشروعات البنية الإنتاجية («الشرق الأوسط»)
TT

أوصى بنك «بيت التمويل العربي» (مصرف إسلامي في لبنان)، المستثمرين بتوظيف رساميلهم في المشروعات الإنتاجية التي من شأنها أن تدعم التنمية المستدامة في البلد، وذلك في ظل استمرار الخفض التدريجي الذي تخضع له أسعار فوائد الودائع المصرفية وسندات الخزينة في لبنان. وفي أول تقرير فصلي يصدره وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أوضح أن توصيته مبنية على كون توظيف الأموال في مشروعات إنتاجية يوفر فرص العمل ويدعم نمو الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية بما ينعكس على ازدهار دورة العمل، وهذا ما يعتبر أساس رسالة المصرف الإسلامي.

كما يشكّل هذا التوجه «فرصة استثمارية» مهمة أكثر استقرارا من الأدوات الاستثمارية المتداولة في ظل التقلبات التي تشهدها البورصات وأسواق المال بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

وتوقّع التقرير أن تشهد الفوائد المحلية مزيدا من التراجع، ما يزيد الحاجة إلى بدائل استثمارية أفضل، مستدلا على ذلك من مسار الفوائد الانحداري منذ الفصل الأخير من عام 2008، لا سيما خلال الفصل الثالث من السنة الجارية.

حيث يرصد «بيت التمويل العربي» مؤشرين لافتين: الأول تكرار «جمعية مصارف لبنان» توصية أعضائها بخفض الفائدة المرجعية في سوق بيروت (Beirut Reference Rate)، للدولار والليرة اللبنانية، مرتين في الفصل الثالث من العام الجاري، ابتداء من مطلع أغسطس (آب) في المرة الأولى، واعتبارا من مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في المرة الثانية.

وبحسب آخر توصية لها بتاريخ 8 سبتمبر (أيلول) الجاري، من المقرر أن يخفض مطلع الشهر المقبل معدل الفائدة المرجعية لليرة (LBP/BRR) إلى 8.86 في المائة، ومعدل الفائدة المرجعية للدولار (BRR/USD) إلى 5.21 في المائة، وهو ما يُعتبر فائدة مرجعية للإقراض بالعملات الأجنبية، وحل في وقت سابق من العام الجاري محلّ فائدة «ليبور» المعتمدة في لندن، باعتبار أن الأخير لم يعد يعكس التكلفة الحقيقية للتمويل والإقراض في لبنان. وجاء ذلك في أعقاب توصية خفض سابقة في 7 يوليو (تموز) الماضي.

في حين يتضمن المؤشر الثاني: الهبوط التدريجي «الناعم» لفوائد سندات الخزينة منذ أواخر عام 2008، مما أدى بحلول مزاد 3 سبتمبر (أيلول) الجاري إلى خفض مهمّ لأسعار فائدة مختلف فئات الإصدارات على النحو التالي: خفض فائدة فئة 3 أشهر 34 نقطة أساس إلى 4.88 في المائة، فئة 6 أشهر 101 نقطة أساس إلى 6.23 في المائة، فئة السنة 130 نقطة أساس إلى 6.45 في المائة، فئة السنتين 134 نقطة أساس إلى 7.16 في المائة، وفئة 3 سنوات 146 نقطة أساس إلى 7.86 في المائة.

في المقابل، يلفت المدير العام لـ«بيت التمويل العربي» الدكتور فؤاد مطرجي في تصريح له إلى أن التأخر في تأليف الحكومة يزيد من التأثير السلبي على الوضع الاقتصادي العام، وبالتالي التراجع في إيجاد فرص عمل جديدة، وتنمية المناطق المحرومة وعدم تنفيذ مشروعات البنى التحتية، وهذا يعني «مؤشرا خطرا يجب تداركه».

وأشار إلى أن بعض المساهمات المخصصة لدعم خزينة الدولة، إن من «باريس3»، أو من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، متوقفة نتيجة التأخر في التأليف أو لعدم قيام الدولة بعدد من الإصلاحات، أو التقيد بإجراءات معينة أخرى، إذ إن المساعدات المقررة في «باريس3» اشترطت إصلاحات إدارية معينة تنعكس إيجابيا على الاقتصاد، ومنذ ذلك الحين وحتى تاريخه وبسبب الظروف الراهنة لم تطبق هذه الشروط، وتاليا فإن بعض المساعدات صُرف والبعض الآخر في الانتظار.

ومن المعطيات المهمة في مجال إعادة توجيه التوظيفات والمدخرات، أنه مع التحسن الاقتصادي المتواصل وتوقع تسجيل نمو بنسبة 7 في المائة هذا العام، واستعادت الليرة اللبنانية دورها كوحدة محاسبة، فالليرة بعد سنوات طويلة من الاستقرار، وتحديدا تجاه الدولار المرتبطة به عضويا، صارت تُعتمد أكثر فأكثر للأغراض المحاسبية.

ويلاحَظ أن عددا كبيرا من المؤسسات المالية والشركات الضخمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، أصبحت تعتمد كليا على العملة الوطنية في محاسبتها وإعداد تقاريرها، كما تضع خطط عملها وتوقعاتها القصيرة والطويلة الأجل بالليرة اللبنانية.

وفي حين يصح القول بأن بعض المؤسسات الكبرى تنشر أحيانا حساباتها المالية بالدولار أو اليورو، إلا أن هذا الإفصاح يأتي تكملة لعملية الإفصاح بالعملة الوطنية، وليس بديلا منها.

كما استعادت الليرة اللبنانية دورها جزئيا كعملة ادخار، وفق ما أشار إليه التقرير نصف السنوي لمجموعة «بنك عودة»، وهو أكبر بنك عامل في لبنان، ففي مناخ من الاستقرار النقدي، المدعوم بمستوى كبير من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية لدى «مصرف لبنان» هو الأعلى على الإطلاق، أقدم المودعون والمستثمرون بوتيرة متزايدة على تحويل وفوراتهم بالعملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية والاستفادة من الفارق المغري في معدلات الفائدة الدائنة، والذي بلغ زهاء 385 نقطة أساس في المتوسط لدى القطاع المصرفي اللبناني في منتصف العام 2009.

وتعزّز أيضا دور الليرة اللبنانية كعملة ادخار، رغم أنه لم تتمّ استعادة هذا الدور بالكامل، وذلك عقب التحويلات الهامة لمصلحة الليرة التي تمّت خلال العام السابق والنصف الأول من العام الحالي، والتي قدرت بنحو 8 مليارات دولار و5 مليارات دولار على التوالي.

وفي موازاة ذلك، تراجعت دَولَرة الودائع المصرفية على نحو لافت، إذ انخفضت حصة الودائع بالعملات الأجنبية بنسبة 10.3 في المائة خلال الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) 2007 ويونيو (حزيران) 2009، أي من 77.3 في المائة إلى 67.0 في المائة.

غير أن الليرة اللبنانية لم تستعد مطلقا دورها، الذي لا يقلّ أهمية عن الأدوار الأخرى، وهو الدور الإقراضي، أو العملة الناشطة في التسليف. فحتى نهاية النصف الأول من العام الحالي، كانت حصة العملات الأجنبية من مجموع تسليفات المصارف اللبنانية تشكّل 85.4 في المائة، بحيث لم يتماشَ النمط الذي تتبعه دولرة الودائع مع الجانب التسليفي. في هذا السياق، تعتمد متطلبات السوق على تحفيز عملية خفض دولرة التسليفات المحلية في سبيل تأمين التسليف الإضافي المطلوب للقطاع الخاص وتعزيز الإنجازات الماكرو ـ اقتصادية المحققة في العامين الماضيين، من تعزيز الرساميل الوافدة إلى التحويلات الهامة في سوق القطع، وإلى الارتفاع الموازي في احتياطيات مصرف لبنان، إن استعادة دور الليرة اللبنانية كأداة تسليف هي بلا شك عامل أساسي في ترسيخ هذه الإنجازات الماكرو ـ اقتصادية وتحسين نوعية الموجودات لدى المصارف اللبنانية بوجه عام.

وأمام لبنان حاليا، وفق الخبراء والتقارير الاقتصادية، فرصة ذهبية ناجمة عن التغيرات الهيكلية في الكتلة النقدية بشكل عام. وتتمحور هذه الفرصة حول إمكانية اللجوء إلى الليرة لتمويل الدولة والاقتصاد عموما، بدلا من التمويل بالدولار الأميركي، نتيجة التحويلات الهامة من الدولار إلى الليرة اللبنانية. فمع تواصل هذه التحويلات، تشهد الأسواق سيولة متنامية بالعملة الوطنية ينبغي أن تتّجه نحو تمويل القطاعين العام والخاص.

كما أن تمويل القطاع العام بالعملة الوطنية، بدلا من تمويله بالعملة الأجنبية، سيخفف نسبة الدين العام بالعملة الأجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي تمثل مؤشر الهشاشة الرئيسي في البلاد، خصوصا وسط الأزمة المالية العالمية الراهنة. في موازاة ذلك، فإن تمويل القطاع الخاص بالعملة الوطنية سيعيد إلى الليرة اللبنانية دورها كأداة للتسليف، بعد أن استعادت أدوارها كأداة للتداول ووحدة محاسبة وعملة ادخار. ووفقا لتقرير «بنك عودة» فإن عملية الدعم النقدي للتسليفات بالعملة الوطنية، يجب أن تتمحور حول ثلاث ركائز أساسية: أولا توفير معدل إقراضي جاذب للمدين (في حدود 100 نقطة أساس كحد أقصى فوق معدل التسليف بالدولار)، ثانيا تمكين المصارف من تغطية كلفتها التمويلية والإدارية والترسملية؛ وثالثا إبقاء كلفة الدعم الإجمالية ضمن هامش مقبول بالنسبة إلى السلطات النقدية. وتشكل تعاميم «مصرف لبنان» الصادرة أخيرا في هذا الصدد مبادرات بنّاءة في هذا الاتجاه، إذ أُعفيَ عدد من الفئات التسليفية من الاحتياطي الإلزامي.

غير أنه يؤمَل توسيع الفئات المحدودة نسبيا التي تغطّيها التعاميم المذكورة، باعتبار أن مجموع هذه الفئات لا يشكّل القسم الأكبر من متطلبات نمو التسليف في السنتين المقبلتين، بل يمثّل أقل من 40 في المائة منها (مليارَا دولار وفق تقديرات المصرف المركزي)، إذ استثنيت، على سبيل المثال، القروض العقارية والقروض الاستهلاكية وتمويل الرأسمال التشغيلي لقطاعات تشكّل محرّكا لنمو الطلب الخاص في لبنان.