المصرفية الإسلامية وأثرها في نفاذ اللغة العربية إلى اللغات الأخرى

TT

كانت اللغة العربية قبل الإسلام محصورة في جزيرة العرب وبعض أجزاء من الشام والعراق إلا أنه ومع ظهور الإسلام وانتشاره عبر الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين والخلافة الأموية التي وصلت بالإسلام عبر فتوحها إلى الأندلس غربا وحدود الصين شرقا كانت سببا في انتشار اللغة العربية وسيادتها في البلاد المفتوحة. ويأتي ذلك نتيجة لدخول شعوبها في الدين الإسلامي أفواجا أفواجا. ومن ثم جاءت الخلافة العباسية التي استفادت من توسع الدولة الإسلامية واستقرارها في عهد بني أمية للتفرغ لبناء الحضارة الإسلامية عبر الاهتمام بالعلم وتشجيعه وتبني العلماء فازدهر العلم بشتى ضروبه وألوانه في عهدها فصنفت الكتب والمراجع في شتى العلوم الشرعية والدنيوية، ونشطت حركة الترجمة والاختراعات العلمية فكان العلم والأدب وسيلة للرقي في المجتمع وسببا في علو شأن المرء بين أقرانه. فأصبحت الدولة الإسلامية منارة للعلم ومقصدا لطلابه. واللغة العربية وسيلته وسبيل تحصيله وعلامة بارزة من علامات النجابة لكل عالم ومتعلم فتجذرت اللغة العربية في هذه المجتمعات بفضل هذين السببين حيث هي لغة القرآن والعلم والدولة. ومعلوم أنه كلما علت أمة في الحضارة واتسعت هيمنتها وقوتها، سادت لغتها وقوي تأثيرها حيث إن المغلوب مولع بتقليد الغالب، كما يقول ابن خلدون. وقد تراوح تأثير اللغة العربية في اللغات الموجودة في أراضي الخلافة الإسلامية ما بين نفي للغة الأم بالكلية مما أدى إلى اضمحلالها وتحول البلاد إلى اللغة العربية فلم تقم لها قائمة حتى يومنا الحاضر كما في العراق والشام ومصر وبلاد المغرب وبعض دول أفريقيا كالسودان والصومال وتشاد، إلى التأثير في هذه اللغات من حيث كتابة الحرف حيث نجد أن بعض اللغات تكتب بالحرف العربي حتى يومنا هذا كاللغة الفارسية والأوردو.

إلا أن تأثير اللغة العربية ونفاذها في اللغات المختلفة لم يقتصر على اللغات الموجودة في أرض الخلافة بل تعداها إلى الكثير من اللغات الأوربية التي كانت على تماس مع الحضارة الإسلامية مثل اللغة الإسبانية والبرتغالية التي تأثرت تأثرا بالغا باللغة العربية نظرا لقربها من الدولة الإسلامية في الأندلس. وقد ألف الأب جان دي صوصة المتوفى سنة 1842م معجم الألفاظ الإسبانية البرتغالية المشتقة من العربية حوى حوالي 18 ألف كلمة مشتقة من اللغة العربية. كما أن اللغة الفرنسية تحوي ما يربوا على سبعمائة كلمة عربية، واللغة الإنجليزية تزيد الكلمات العربية فيها عن ألف كلمة في شتى العلوم، مع أن تأثرها تأثرا وسيطا وليس مباشرا. لقد كانت الشعوب الأوربية في فترة سابقة من الزمن تتسابق على تعلم اللغة العربية لأنها ترى أنها سمة على التحضر والثقافة في ذلك الوقت. إلا أنه ومع تدهور الحضارة الإسلامية ودخولها في عصر الانحطاط وما نتج عنه من هزيمة للأمة وتعرض غالبية أراضيها للاستعمار نجد أن اللغة العربية انكفأت على ذاتها حيث تعرضت في الكثير من الدول العربية والإسلامية لحرب شعواء من قبل المستعمر، كما في المغرب العربي أو الحركات القومية مثل تركيا أو من بعض المثقفين الذين بهروا بالحضارة الغربية، فلم تعد تلك اللغة المؤثرة حيث أصبحت متلقية تتأثر ولا تؤثر فنجد اليوم الكثير من المصطلحات والألفاظ الغربية الدخيلة على اللغة العربية وقد أصبحت في صلبها، مثل التلفزيون والكمبيوتر والمودم والتلفون والدركسون والبريك. وقد نجد العذر للبعض في استخدام المصطلحات العلمية وذلك لتعذر أو صعوبة المرادف العربي، إلا أن الانهزامية والانبهار بالحضارة الغربية تظهر اليوم في أجلى صورها في الخلط المتعمد من قبل الكثير من المتحدثين باللغة العربية بين اللغة العربية والإنجليزية في حديثهم، وذلك بإدخال بعض الكلمات الإنجليزية بهدف إظهار معرفتهم بهذه اللغة حيث أصبحت المعرفة باللغة الإنجليزية علامة لدى المجتمع على العلم والتحضر. إلا أن اللغة العربية اليوم ومع كل ما يعتريها من ضعف نتيجة لتخلي أبنائها عنها نجد أنها بدأت في العودة من جديد للنفاذ للغات العالمية وذلك بفضل الصيرفة الإسلامية التي تلاقي اليوم رواجا عالميا. حيث نجد الكثير من المصطلحات العربية لهذه الصناعة قد دخلت في الكثير من لغات العالم كالمرابحة والمشاركة والاستصناع والربا والقرض الحسن والصكوك والتكافل والشريعة والقرآن والسنة إلى ما هنالك من مصطلحات تزخر بها هذه الصناعة. بل وأصبح الكثير من الاقتصاديين والخبراء الماليين يزهون لمعرفتهم بهذه المصطلحات ومعانيها. ولا شك أن هذه إحدى أهم المنجزات التي تحسب لهذه الصناعة والتي لا يجوز التفريط فيها بأي حال من الأحوال، بل يجب تعزيزها بالحرص على تضمينها في العقود والاتفاقيات مع إيجاد شروح وافية وتعاريف جامعة مانعة لها مع محاولة توصيفها التوصيف القانوني المناسب الذي يزيل كل لبس حولها. والله الموفق

* مستشار المصرفية الإسلامية