الزعتري: شركات التكافل في البنوك الإسلامية للوساطة وليس للاستثمار

مدير الإفتاء في «الأوقاف» السورية لـ «الشرق الأوسط» : إفرازات الأزمة كانت إيجابية على المصارف الإسلامية

د. علاء الدين الزعتري مدير الإفتاء في وزارة الأوقاف السورية
TT

أعلنت هيئة الإشراف على التأمين في سورية عن تأسيس لجنة استشارية للرقابة الشرعية، برئاسة مفتي الجمهورية، وعضوية عدد من علماء الدين الفقهيين، للمساعدة على تنظيم عمل شركات التأمين، وإعادة التأمين التكافلي (الإسلامي)، بما يهيئ الأرضية المناسبة لعمل هذه الشركات، وضمان المشاركة الفعالة لها في سوق التأمين.

وحدد قرار إنشاء اللجنة، الذي أصدره وزير المالية السوري، محمد الحسين مؤخراً ـ أهداف عمل اللجنة ـ بإيجاد نظام عام يبين الضوابط والأحكام الواجب توفرها في الأنظمة الأساسية لشركات التأمين، وإعادة التأمين التكافلي بما يتعلق بإدارة صندوق المشتركين والاستثمارات، وتوزيع العوائد والتصفية والتعاون مع هيئة الإشراف على التأمين، للقيام بدورات تدريبية في مجال التأمين التكافلي، ووضع معايير محاسبة إسلامية، وتنظيم دور هيئات الرقابة الشرعية في شركات التأمين التكافلي.

«الشرق الأوسط» التقت الدكتور علاء الدين الزعتري، مدير الإفتاء في وزارة الأوقاف السورية وعضو اللجنة الاستشارية للرقابة الشرعية في هيئة الإشراف على التأمين. إلى الحوار.

* ما هي أهمية إحداث لجنة شرعية عليا في هيئة الإشراف على التأمين؟ ودورها في تنظيم العمل المتعلق بالشركات التكافلية؟

- كل عمل يراد له النجاح والتألق يحتاج إلى رؤية خارجية خبيرة، تُلاحظ وتُشرف، وتوجه وتصحح، وتتدخل عند اللزوم لتعديل المسار، بمبضع الجراح الماهر، وبحكمة الرجل الوقور، وصلابة الرجل الثابت. وإحداث اللجنة الاستشارية الشرعية العليا ليس من باب التشكيك في القدرات والخبرات الموجودة لدى هيئات الرقابة الشرعية في شركات التأمين التكافلي، لكنه نوع من التآزر والتواصي بالحق.

بالإضافة إلى التنسيق بين الهيئات المختلفة في شركات التأمين التكافلي في إيجاد رؤية فقهية أقرب إلى الوحدة الموضوعية، مع اختلاف الفروع الجزئية والتطبيقات العملية. ومن هنا كان حرص أصحاب القرار على إحداث هذه اللجنة على مستوى علمي فقهي رفيع المستوى، تباشر أعمالها داعمة للخبرة الفنية الموجود في هيئة الإشراف على التأمين للوصول إلى أفضل النتائج في عمل التأمين التكافلي، الذي ما زال في بدايات عمله في سورية.

* ما هو التصور القائم لديكم للتعامل مع قضايا الشركات التكافلية؟

- إن وجود سماحة المفتي العام للجمهورية في لجنة يضفي عليها مزيداً من الارتياح والطمأنينة، بكون العمل على أعلى مستوى من المسؤولية، من الناحية الفقهية لبيان الضوابط الشرعية لعمل شركات التأمين التكافلي، وبالتعاون مع هيئة الإشراف على التأمين، في عمل متواز بين الجانب الفني والجانب الفقهي. وعلى طاولة البحث والمدارسة كثير من القضايا، مثل: مسألة دفع الاشتراكات في تكييفها الفقهي، وتكييف العلاقة بين المشتركين وإدارة صندوق التكافل، وأوجه الاستثمار المشروع لفائض صندوق التكافل، وتغطية نفقات صندوق التكافل، وتوزيع الفائض التأميني، ونحو ذلك.

* ما هي مجالات الاستثمار التي ترونها الأنسب لاستثمار أموال وفوائض شركات التأمين التكافلي؟

- هناك مقولة بتلازم عمل شركات التأمين التكافلي والصيرفة الإسلامية، بحيث تتم عملية تكامل بينهما؛ فالعقود التي تجريها المصارف الإسلامية تحتاج لضمانات وتأمينات، فتكون شركات التأمين التكافلي جاهزة وحاضرة، وفي الجهة المقابلة فإن أموال صندوق التكافل تودع في المصارف الإسلامية لاستثمارها، وفائض صندوق التكافل قد يستثمر بشكل مباشر من قبل شركة التأمين التكافلي، أو من قبل المصرف الإسلامي. واستثمار المال عبر المصارف الإسلامية لا يُعد استثماراً حقيقياً بمقدار ما هو مجرد وساطة وتحويل للمال من صندوق المشتركين إلى طرف ليستثمره، وهذه حالة لا تحتاج إلى مزيد خبرة أو كبير عناء، إلا أن ما هو الأهم وما يجب السعي إليه هو دخول شركات التأمين التكافلي في عمليات الاستثمار المباشر.

وهنا تبدأ عملية الاختيار الصائب لما هو مناسب، في الاستثمار العقاري مثلاً، عبر إنشاء المساكن وبيعها أو تأجيرها إجارة منتهية بالتمليك. أو في تأسيس شركات مساهمة، أو شراء أسهم قائمة على سبيل انتظار العائد السنوي، وليس المضاربة اليومية، أو إنشاء مصانع استراتيجية المنتج، ونحو ذلك. مع ملاحظة وجود صعوبة في اختيار الاستثمار الذي قد يكون أقرب إلى العمل المصرفي، الذي لا توافق عليه هيئة الإشراف على التأمين، ونأمل من خلال عمل اللجنة الاستشارية الشرعية وضع أسس بالاستثمار خاصة بالتأمين التكافلي لخصوصيته، ونعتقد بأن مسألة استثمار فائض صندوق لتكافل يحتاج إلى مزيد من الحوار بين هيئة الإشراف على التأمين من جهة، وبين شركات التأمين التكافلي الراغبة في الاستثمار بشكل أفضل، سواء في مجال الاستثمار، أو النسب المسموح بها في كل فرع من فروع الاستثمار.

ثم إن هناك فرصة ذهبية تتمثل في المرسوم التشريعي الذي صدر في هذا الشهر، والمتعلق بإعفاء الشركات العاملة والمحدثة في المناطق الشرقية بسورية من التكليف الضريبي لمدة عشر سنوات، وهذا يفتح باباً لمشاريع استثمارية وتنموية، ويعطي فرصة لشركات التأمين التكافلي وغيرها للولوج في عالم جديد على طريق الازدهار والنماء.

* كيف تنسقون ما تتخذونه من قرارات مع قرارات هيئة الإشراف على التأمين، خاصة أنها تُخضع كافة الشركات لتعليماتها؟

- في المناقشات التي جرت والمداولات الأولية في مرحلة إعداد صياغة عمل اللجنة الاستشارية الشرعية للإشراف على أعمال التأمين التكافلي، تم دراسة موضوع التنسيق وآلية العمل وطريقة تنفيذ ما يصدر عن اللجنة من قرارات. وبالتالي ما دامت شركات التأمين التكافلي تخضع لتعليمات وقرارات هيئة الإشراف على التأمين، فإن ما يحال إلى اللجنة الشرعية من قبل هيئة الإشراف على التأمين سيكون جوابه إليها لتصدره على شكل قرارات أو تعليمات تنفيذية، وأعتقد بوجود تكامل في العمل بين هيئة الإشراف على التأمين، التي تقوم بتقديم الوصف الحقيقي للمعاملة موضوع البحث، واللجنة الاستشارية الشرعية ستبين الحكم الفقهي للمسألة، وبذا تتكامل الجهود في التطبيق العملي الصحيح.

وفي المسائل الأخرى التي ترى اللجنة الاستشارية الشرعية أهمية مناقشتها، فإنها تصدر بها القرار المناسب وترسله إلى هيئة الإشراف على التـأمين، التي بدورها تتبناه وتصدره بتعليمات وقرارات، خاصة إذا علمنا أن اللجنة الاستشارية الشرعية غير منوط بها التدخل في القضايا الفنية لعمل التأمين.

* هل أنت راضٍ عن نمو وعمل شركات التأمين التكافلية؟

- نمو عمل شركات التأمين التكافلي يعتمد على الخطط الاستراتيجية لمجالس إدارتها، وللأسس الفنية الموضوعة من قبل الإدارة التنفيذية، ويتجلى أثر ذلك في تقديم أجود الخدمات وأفضلها، وبأنسب الأسعار الفنية التي تخضع لظروف خارجية (كالعرض والطلب)، ولا يُغفل عامل التنافس بكل صوره وأشكاله، الذي نأمل أن يكون شريفاً يحقق في النهاية خدمة الإنسان، وليس فقط خدمة مصالح المساهمين.

من جهة أخرى، نعتقد بأن شركات التأمين التكافلي، بدأت تشق طريقها بشكل جدي في السوق، بعد أن تلمسته، وهي الآن تجتذب الزبائن، وتكسب مناطق وشرائح جديدة، وأعمالا تأمينية متميزة، عبر الزبائن الراغبين في التعامل مع التأمين التكافلي، وكذا أولئك الذين يجدون جودة الخدمة والسعر المناسب، ودائماً نؤكد في حديثنا مع الشركات بعدم اعتماد إعادة الفائض أسلوباً دعائياً لاجتذاب الزبائن، على حساب الخدمات، وما زالت شركات التأمين التكافلي بحاجة إلى مزيد من الصبر لتحتل مكانتها المرموقة، وتحقق الهدف الذي وضعته لنفسها.

* هل تعتقد أن النقص في الوعي التأميني يؤثر على شركات التأمين التكافلية؟

- ما زال الوعي التأميني عموماً ضعيفا، ويحتاج إلى مزيد من الجهود وتكاملها، فقد أتى على الناس حين من الدهر، ساد الاعتقاد فيها أن التعامل مع التأمين هو من المحرمات شرعاً، وعلى لسان كل مَن يُسأل عن حكمها: إياك واحذر فإن من عقود الغرر والاحتمالات التي تندرج ضمن قائمة البيوع المحرمة، وقد بات من الصعوبة بمكان تغيير وجهة النظر في ذلك، الذين دخلوا عالم التأمين سابقا كانوا في الأغلب يدخلونه مضطرين، وقليل منهم مَن دخله اختيارا.

اليوم نقول: لما كان التأمين ضرورة حياتية، ولما وُجدت الطريقة الشرعية في التعامل معه، أصبح من الواجب أن نعمل معا على رفع سوية الوعي التأميني، لبيان الصورة الكاملة، وحينها نكون شركاء حقيقيين في عملية التنمية وبأسلوب موافق لأحكام الشريعة الإسلامية.

* مع انتشار المصارف الإسلامية وشركات التأمين التكافلي، هل تعتقد أن الحاجة أصبحت ملحة لإعداد رجال دين مختصين في الاقتصاد الإسلامي؟، وما هي وسائل القيام بذلك؟

- لا تكتمل فكرة في التنفيذ إلا بوجود أشخاص يؤمنون بها ويحملونها رسالة، ليكونوا الأقدر على متابعتها، ومعالجة سلبياتها للوصول بها إلى الأكمل. وبالتالي فإن صنع الكوادر البشرية وإعداد المؤهلين للعمل في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية هو من أكثر الضرورات إلحاحاً في هذه المرحلة، إذ لا يُعقل وجود مصارف بلا مصرفيين، ولا مصنع بلا عاملين.

وأعتقد أن الأمر لا يتوقف فقط على وجود علماء دين مختصين بالاقتصاد، ولا على وجود اقتصاديين ضلعين بالشريعة، وإن كان هذا مطلبا طموحا، بل الأهم التكامل في ما بين أصحاب الاختصاصات التي تصب في عمل الصيرفة الإسلامية. والقضية تتطلب مصداقية كلٍ في موقعه، وعلى الأقل في هذه المرحلة، لوقف الألسنة التي تروج، بأن البعض يدلس ليحصل على فتوى (على قد المقاس).

والواجب تحقيق التكامل بين العالم بالدين والمختص بعلم الاقتصاد، وبناء الثقة المتبادلة، بحيث يتم شرح المسألة الاقتصادية بوضوح وشفافية، ليكون الجواب الفقهي عليها صريحاً، إذ حسن السؤال نصف الجواب، والقاعدة الفقهية تقول: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، أي: إن الحكم الشرعي على مسألة يتفرع عن حسن تصوره وتمام معرفته.

ولا نهمل أهمية التخصص المشترك بين علوم الشريعة وعلوم الاقتصاد، عبر أقسام في الكليات الجامعية، قسم الاقتصاد الإسلامي، بكلية الشريعة، وبكلية الاقتصاد، وأعتقد أن القرار قد اتخذ، والجامعة بصدد الخطوات الإجرائية للتنفيذ. ووجود هذه الأقسام هو لضمان استمرار ورفد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بالكوادر المؤهلة صاحبة التماس المباشر مع العلوم التي تحتاجها الصيرفة الإسلامية. ويُلاحظ في عدد من البلاد وجود كليات كاملة تختص بعلوم الاقتصاد الإسلامي، وهو طموح نسعى إليه في سورية لتكتمل الرؤية، بين النظرية والتطبيق.

كما نؤكد على أهمية نشر مزيد من المعرفة لدى علماء الشريعة وأئمة المساجد والخطباء والمدرسين الدينيين، ليكونوا على تواصل مع ما يجري من مستجدات ونوازل اقتصادية تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي لها، إذ إن ثقة الناس بعلماء الدين كبيرة، وقول من واحد منهم قد يغير حال المواطن نحو التوجه إلى المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أو تجنبها والابتعاد عنها بعد المشرقين، بدعوى عدم المعرفة بالتفصيلات، أو أنها لا تخلو من شبهات.

كما نؤكد على ضرورة نشر مزيد من الوعي الثقافي لدى الناس بعمل وآليات تنفيذ وأدوات التمويل وطرق الاستثمار لدى المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ليكونوا على طمأنينة عند التعامل مع تلك المؤسسات.

وأرى، أن من مهام ومسؤوليات هذه المؤسسات أن تتواصل مع علماء الدين لشرح وتوضيح طبيعة الأعمال التي يقومون بها، وذلك عبر محاضرات وتنظيم ندوات حوارية، ونشرات تعريفية، لتكون دائرة الحوار واسعة، ومن ثم تتحقق الأهداف المرجوة.

* بالإشارة إلى الأزمة المالية العالمية، وما أفرزته من نجاح للاقتصاد الإسلامي وقدرته على مواجهة الأزمات، هل تعتقد أن ذلك سيؤثر إيجابا على نمو هذا الاقتصاد؟ - لا يُنكر أحد أن إفرازات الأزمة المالية العالمية كانت سلبية على المصارف التقليدية، خاصة تلك التي كان لها تواصل مع البنوك العالمية في عمليات ائتمانية ورهون عقارية.

وفي الوقت ذاته كان للأزمة أثر إيجابي على المصارف الإسلامية، لجهة أنها تحافظ على رأس المال من الخوض في عمليات ذات مخاطر عالية، وضمانات ورقية ووهمية، ومع ذلك فإن الأزمة المالية بظلالها الاقتصادية قد أثرت على كافة القطاعات، ومنها قطاع الصيرفة الإسلامية. وسبب ضعف تأثير الأزمة المالية على المصارف الإسلامية أنها تتجنب التعامل مع الائتمانات والتلاعب في رهون العقارات، فهي تبحث عن استثمارات مباشرة، وهذا ما يبرر جزئياً بطء نموها النسبي، وقلة تسارع أدائها في التوسع.

ولا شك أن هناك فرقاً بين اقتصاد حقيقي واستثمارات موجودة من جهة، وبين اقتصاد وهمي واستثمارات رقمية هامشية margin، وهذه القضية لو وعاها المستثمرون الباحثون عن جدية الأعمال، ومشروعية الاستثمارات، بمعنى الحلال في الكسب، والبركة في الرزق؛ لكان ذلك عين التوازن في حركة الاقتصاد.

أما أولئك الذين يقامرون في أموال الناس، ويجازفون في المخاطرة الأكبر، ناظرين (طامعين) إلى الزيادة الرقمية (النمو) لأموالهم في فترات قصيرة المدى؛ فغالباً ما يقعون في شَرِك أعمالهم، حيث إن الثراء الفاحش السريع يُعطي لصاحبه مزيداً من الاندفاع صعوداً في المراحل الأولى، ثم يوقعه، بل يهوي به سريعاً، والعبرة بالخواتيم والنهايات.

ونعتقد أن صوابية العمل المصرفي الإسلامي تتجلى من خلال الضوابط الشرعية التي تعطي فرصاً للكسب الحلال في تبادل المنافع مع الناس إنتاجاً وتداولاً واستهلاكاً، وليس في صراع المصالح، وبالتالي فهي الأقدر على الاستمرار في الأسواق المحلية والعالمية.

وهذا مبرر وجود حصة أكبر من الاستثمارات العالمية تتوجه الآن إلى التحول والتعامل مع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، وهي في تزايد مطَّرد.