هل الصيرفة الإسلامية مدعومة من دول الخليج؟

TT

لا تكاد تطالع تقريرا يتحدث عن الصيرفة الإسلامية وأسباب نموها السريع وتوسعها إلا وتجده يعزو جانبا من هذا النمو إلى الدعم الذي تلقاه هذه الصناعة من قبل دول الخليج وأموال النفط، أو كما يسمونه «البترو دولار»، وإنه لولا هذا الدعم لما كان لها أن تنمو بهذه السرعة وأن تتوسع بهذا الحجم. والحقيقة أنني لا أعلم ما هي مظاهر هذا الدعم التي رآها كتّاب هذه التقارير فسوغت لهم تدبيج هذه المزاعم. حيث إننا عندما ندرس الواقع الذي تعمل فيه مؤسسات هذه الصناعة في غالب دول الخليج، وعلى وجه الخصوص الغنية منها وهي المعنية في هذه التقارير من وجهة نظري، نجد أنها في الغالب تعمل في بيئة قانونية ورقابية غير ملائمة. ويأتي ذلك نظرا لعدم وجود قوانين وأنظمة رقابية خاصة بها تراعي خصوصيتها وتنسجم مع أدواتها، فهي تعمل في إطار القوانين والأنظمة الرقابية التقليدية التي تتعارض في كثير من الأحيان مع القواعد الحاكمة لهذه الصناعة، مما يحد من حركتها ويضعف قدرتها على المنافسة.

ولو أن هذه الصناعة مرعية من قبل هذه الدول كما تزعم هذه التقارير لوجدنا أن هذه الدول تسارع إلى سن القوانين الخاصة بهذه الصناعة لمساعدتها على العمل في الإطار القانوني والرقابي المناسب، مما سيحقق لها ظروف المنافسة العادلة مع الصيرفة التقليدية. هذا في الجانب القانوني والرقابي، أما في جانب المنتجات فنجد أن أغنى دولتين في منظومة الدول الخليجية وأكثرها ثراء، وهما المملكة العربية السعودية والكويت، لم تصدرا حتى الآن أي صكوك سيادية، ولو فعلتا لكان في ذلك دعم لهذه الصناعة بشكل لافت، حيث سيزيد هذا الأمر من وتيرة نمو الصكوك نتيجة لثقة المستثمرين في هذه الإصدارات، لما تتمتع به هاتان الدولتان، وعلى الأخص المملكة العربية السعودية، من تصنيف ائتماني قوي. أما من ناحية الأسواق المالية فلا نجد أي أثر لهذه الحكومات في السعي لإيجاد أسواق مالية إسلامية على غرار ما هو موجود في ماليزيا، بل إن المملكة العربية السعودية وهي الدولة الثانية في العالم من حيث الأصول الإسلامية المدارة لا يجد الباحث أي تقارير أو معلومات صادرة عن جهة رسمية موثوق بها تظهر حجم هذه الصناعة من مجمل الصناعة المالية فيها، وهذه من أبسط الأمور التي تدل على العناية بهذه الصناعة وتمييزها عن بقية الصناعة المالية. هذا فيما يتعلق بتفنيد مزاعم هذه التقارير حول دعم هذه الصناعة في الأسواق المحلية، أما في الأسواق العالمية فإن تفنيد هذه المزاعم لا يحتاج إلى إطالة، حيث يكفي لتفنيدها النظر في استراتيجيات الاستثمار للأموال السيادية لهذه الدول التي قدرها تقرير الأمم المتحدة للعام 2008م بـ«1115 مليار دولار». حيث لا نجد أي أثر للصيرفة الإسلامية في هذه الاستراتيجيات، ولو كانت هذه الدول تدعم صناعة الصيرفة الإسلامية كما تزعم هذه التقارير لوظفت هذه الأموال في الضغط على الدول لفتح أسواقها أمام هذه الصناعة، ولأجبرت المستفيدين من هذه الأموال على استخدام الأدوات والمنتجات المالية الإسلامية، ولو فعلت لرأينا كيف يكون حجم نمو هذه الصناعة.

ومن هنا نصل إلى أن ما تتمتع به هذه الصناعة من حجم نمو قوي هو ناتج عن عوامل ذاتية تتمتع بها هذه الصناعة، لا عن دعم الدول لها، ولعل هذا ما تخشى التقارير من الإفصاح عنه. ومن أهم هذه العوامل هو ارتباط هذه الصناعة بعقيدة المسلمين، فتعاملهم معها يأتي من منطلق ديني بحت، ومن ثم فإن نمو هذه الصناعة وازدهارها يدل على مدى تمسك المجتمعات الإسلامية بدينها وارتباطها به. كما أن هذه الصناعة تعمل وفق الشريعة الإسلامية التي جاءت رحمة للعالمين، فهي دين الفطرة وفيها كمال العدل والإحسان مما جعلها ملاذا آمنا للكثير من المستثمرين الأخلاقيين في العالم، فلا غرو إن رأينا 40 في المائة من المودعين في المصارف الإسلامية في ماليزيا من غير المسلمين، أو كانت عميلة لمصرف إسلامي في بريطانيا غير مسلمة.

ومن هنا فإنني أرى أن نمو صناعة الصيرفة الإسلامية سيستمر، بل وسيتصاعد بوتيرة أعلى كلما مر العالم بأزمة مالية، ما دامت هذه الصناعة متمسكة بالقواعد الشرعية التي تقوم عليها وبعيدة عن تقليد الصناعة المالية التقليدية. والله الموفق.

*مستشار في المصرفية الإسلامية.