خبير مصرفي خليجي يطالب بإعداد كوادر وكفاءات في علوم الشريعة والمصرفية الإسلامية

مدير بيت المشورة القطرية لـ «الشرق الأوسط» : القطاع يعاني شحاً في الموارد البشرية

د. أسامة الدريعي
TT

طالب خبير مصرفي قطري بإعداد كوادر وكفاءات في علوم الشريعة والمصرفية الإسلامية، وذلك نظراً للطلب الكبير الذي يشهده القطاع من قبل البنوك والشركات الاستثمارية.

وأكد الدكتور أسامة قيس الدريعي مدير عام بيت المشورة للاستشارات المالية في قطر، أن شركتهم عملت على تدريب وتخريج أول مدققات شرعيات يعملن في البنوك الإسلامية. مشيرا إلى أن كثيرا من المؤسسات المالية الإسلامية تعاني من عدم فهم وإدراك لحقيقة وجوهر المصرفية الإسلامية.

وقال الدريعي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن أعضاء الهيئات الشرعية الحاليين يجب عليهم أن يخرجوا تلاميذ لهم ليكونوا أجيالا في المستقبل في الهيئات الشرعية. موضحا أن هناك ثلاثة عقود بين الجيل الحالي من العلماء والأجيال المستقبلية. إلى تفاصيل الحوار:

* حدثنا عن عملكم في بيت المشورة؟

- عملنا في بيت المشورة للاستشارات المالية يركز على تقديم الاستشارات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، وذلك من خلال التدقيق الشرعي والرقابة والتدريب والتطوير. وجاء إنشاء الشركة قبل عامين بناء على الحاجة الماسة لجهة تقدم حلولا مالية وشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية. لأن النمو الكبير في المؤسسات المالية والتحول من قبل البعض من التقليدي إلى الإسلامي أديا إلى حاجة ماسة لمثل هذا النوع من الأنشطة. ونحن أول شركة استشارات شرعية تقدم هذه الخدمات في قطر.

* ما الذي تقومون به من أعمال؟

- نظراً لقلة المراقبين والمدققين الشرعيين في قطر وعموم المنطقة والشح الكبير في عدد أعضاء الهيئات الشرعية، ارتأت مجموعة من المستثمرين تأسيس شركة لتغطية هذه الاحتياجات المالية. فارتأينا أن ننشئ شركة تغطي هذا الجانب في التدقيق الشرعي والتدريب والتطبيق. ونحن لا نقتصر على عمل الهيئات الشرعية وإنما التدقيق الشرعي الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى تدريب العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية لأن الحلقة الأضعف في المؤسسات المالية هو التدريب، فأكثر العاملين في هذه المؤسسات نجد لديهم ضعفا وعدم فهم لفقه الصيرفة الإسلامية، وهذا جانب مهم نركز عليه في عملنا إلى جانب المجالات الأخرى التي ذكرتها.

* كيف تقومون بالتدريب؟

التدريب مجاله واسع لكن نحن متخصصون في الصيرفة الإسلامية كالمنتجات والهيكلة وغيرها، بحيث نغطي ما يخص البنك الإسلامي في كافة المجالات، وكذلك بعض المؤسسات المالية التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية ولديها منتجات مالية بحاجة إلى تدقيقها ومراجعتها.

* تقومون بما تقوم به الهيئات الشرعية، ألا توجد هيئة شرعية في كل مؤسسة؟

- يفترض أن تكون لكل مؤسسة مالية إسلامية هيئة شرعية، لكن الشح الكبير في أعداد الهيئات الشرعية كان سببا في تأسيس الشركة، فيكون بيت المشورة هو الهيئة الشرعية لكل هذه الشركات والبنوك والمؤسسات وغيرها. ونحن لا نتدخل في عمل الجهات التي لديها هيئات شرعية لأن في بعض الأحيان إجراءات بعض البنوك المركزية لا بد من التصريح بأسماء ثلاثة فما فوق للهيئات الشرعية، لكن الشركات الجديدة الناشئة يمكن أن نكون نحن هيئتها الشرعية بما أن لدينا هيئة تضم نخبة من العلماء.

* إذاً أنتم هيئة شرعية لكافة المؤسسات المالية في قطر؟

- نعم هذا صحيح، فنحن حاليا نعتبر الهيئة الشرعية لمعظم المؤسسات المالية التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية في قطر.

* كم عدد المؤسسات التي تتعامل معكم؟ - حوالي 9 مؤسسات، ونحن نعين لهم المدققين ونعلمهم وندربهم ونعطيهم الأسس الشرعية للتدقيق الداخلي والخارجي، وكذلك مراجعة منتجاتهم وفحصها حتى تكون مطابقة للشريعة الإسلامية.

* هل أنتم قادرون على تغطية السوق القطري؟

- نحن نحاول بقدر ما يمكن التغطية، لكن السوق يعتبر كبيرا ونحن نسعى لذلك. لدينا عملاء خارج قطر في لندن والبحرين وماليزيا واستراليا، ولدينا خطط مستقبلية في الخارج في أوروبا وآسيا.

* بعض الشركات لا تحب المدارس المتشددة في الفتاوى الخاصة بالبنوك الإسلامية؟

- نحن نلجأ للشريعة الإسلامية في تعاملنا سواء للعميل أو غيره، والتشدد مطلوب حاليا وهو أفضل من التسيب الذي حصل في بعض المنتجات الإسلامية. والأهم من ذلك أن التشدد ليس على كل شيء، فهو محدود في بعض الأمور التي لا تذكر.

* ما مدى استيعابكم لطلاب الشريعة؟

- استقطبنا طلابا من كلية الشريعة 16 طالبا وطالبة، ونحن أول من أدخل العنصر النسائي في قضية التدقيق الشرعي. لدينا حوالي 8 طالبات من خريجات الشريعة وقمنا بتعليمهن وتدريبهن وتم إرسالهن إلى المؤسسات المالية الإسلامية للعمل في التدقيق الشرعي. وفي الشركة نقوم بتطوير حتى الأقسام الأخرى كالاقتصاد والمحاسبة وكلية اللغات وغيرها. لأن الهيئات الشرعية وجدنا فيها ضعفا كبيرا من حيث اللغة الانجليزية، ونسعى إلى أن يكون هناك جيل مستقبلي ملم باللغة والاقتصاد والمحاسبة والشريعة. وللأسف الجيل الحالي من العلماء الأفاضل بينهم وبين الأجيال التي بعدهم حوالي ثلاثة عقود، وبالتالي نحتاج لسد الفجوة هذه بإعداد أجيال مستقبلية.

* كيف تقيم وضع الهيئات الشرعية في البنوك؟

- وضعها جيد، لا بد أن تكون الهيئات الشرعية في عمل مؤسسي حتى تكون مقننة وفيها عمل موحد. فالقوانين موجودة لكن لا تستطيع أن تحكم الهيئات الشرعية لأنهم يعملون في البنوك على نظام المكافآت، ولا تستطيع أن تقيد عضو الهيئة الشرعية. لكن إذا نشأت مؤسسات هناك ونشأت ضوابط معينة وأدمجت العمليات وأصبحت موحدة بعيدة عن خطأ العنصر البشري، فإن الهيئات الشرعية يمكن أن تأخذ وضعا أفضل مما هي عليه.

* إذاً أنت مع تفريغ أعضاء الهيئات الشرعية؟

- نحن نعمل على ذلك والآن نسعى لتدريب وتأهيل طلابنا ليكونوا جيل المستقبل في الهيئات الشرعية. لكن يوجد عجز في الهيئات الشرعية في العالم. والعاملون في مجال الاقتصاد الإسلامي قليلون جدا وهم لا يتعدون 25 عالما في العالم. وأرى أن من الحلول أن يكون لدى علماء الهيئات الشرعية تلاميذ لهم حتى يتخرجوا على أيديهم ويحملوا هذا الإرث العلمي، لكن أرى أن مثل هذا المطلب صعب تحقيقه في ظل الشح الكبير في العلماء المتخصصين في فقه المعاملات وضيق وقت أعضاء الهيئات الشريعة.

* بشكل عام كيف ترى واقع المصرفية الإسلامية؟

- المؤسسة المالية الإسلامية لها رسالة قبل ما تسعى لتحقيق الربح. ورسالتها أن تطبق شرع الله في المعاملات المالية على العموم. وهذه الرسالة إذا انحصرت بين جدران المؤسسة المالية انتهت الرسالة، لأن هذه المؤسسات لها رسالة لا بد من خلالها نشر الإسلام وتبيين الحقائق وإفهام الناس للضوابط الشرعية في التعاملات المالية، ومن الخطأ أن تكون المؤسسة المالية الإسلامية تبحث عن الربح فقط وتترك نشر أخلاقيات التعاملات المالية الإسلامية. لأن كثيرا من العوام بحاجة لفهم التعاملات المالية الإسلامية. وإذا نظرنا للمصرفية التقليدية فإن عمرها يتجاوز 300 سنة، بينما الإسلامية عمرها 35 سنة، وكذلك الثقافة المصرفية التقليدية غلبت على الكل وموجودة عند الناس وتشبعوا منها وفهموها. فالمؤسسة المالية الإسلامية بحاجة إلى كيفية نقل علمها وأسسها ومبادئها للناس فلا بد من المؤتمرات والندوات والبحوث لتثقيف الناس في المعاملات المالية الإسلامية.

كما أن من ضمن المساوئ في المصرفية الإسلامية إغراق الناس بالديون، فللأسف 95 في المائة التعاملات كلها مرابحات، فأين العقود الأخرى؟! وهي أهم من المرابحات.. فأنت عندما تقدم المرابحات في هذا الكم فأنت أغرقت الناس بالديون وهذا منهي عنه. والنبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من الدين. ولا بد من التفريق بين من يحتاج فعلا إلى سلع بالتقسيط وبين إغراق المجتمع بالديون. لذلك المؤسسات المالية الإسلامية تتأثر حتى بالتقليدية وهذه إشكالية في المصرفية الإسلامية. ومن الأشياء التي تعانيها المصرفية الإسلامية، توحيد المفاهيم والمصطلحات في المؤسسة المالية فلا بد من التعليم والتدريب والطرح وحتى يستوعب كل موظف في البنوك المصرفية الإسلامية وبالتتالي يستطيع أن ينشر ثقافة المصرفية الإسلامية.

وعلى سبيل المثال هناك تعاملات صورية كثيرة في البنوك الإسلامية، وأي عقود يمكن أن تكون صورية لأن الناس لا تفهم ما هي العقود ومصطلحات المصرفية الإسلامية ومسألة وجود سلعة حقيقية وامتلاكها وغيرها من الأشياء. والصورية موجودة لكن تحتاج إلى إيضاح للعملاء، وما هو المضمون في المنتج، هل هو فقط غرض سلع دولية صورية. فمثلا بورصة لندن هي عبارة عن أرقام، لذلك نحن في طور إنشاء شركة تقوم بالشراء من المورد نفسه، وليس البورصة التي هي في الحقيقة عبارة عن أرقام وهمية.