روسيا سوق واعد للصيرفة الإسلامية

TT

يبلغ عدد المسلمين في روسيا حوالي 47 مليون نسمة، مما يعني أنهم يشكلون حوالي ثلث مواطني روسيا. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة لتبلغ 50 في المائة في عام 2050م وذلك نتيجة ارتفاع عدد المواليد من المسلمين وتراجع نسبة الروس نتيجة لتناقص عددهم بمعدل مليون نسمة سنويا، إضافة إلى هجرة المسلمين من جمهوريات آسيا الوسطى باتجاه الاتحاد الروسي. ويتركز الوجود الإسلامي في القوقاز وسيبيريا وموسكو. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار الشيوعية، بدأ المسلمون في تنفس الصعداء وذلك بالإعلان عن هويتهم وممارسة دينهم دون خوف أو وجل، ومما يدل على هذه الفسحة التي يعيشها المسلمون اليوم ما يشهده بناء المساجد من تسارع حيث لم يتجاوز عدد المساجد في عام 1990م حوالي 98 مسجدا واليوم يناهز عدد المساجد في روسيا الاتحادية وحدها 7200 مسجدا، وهذا مما يوحي للمتابع بحماسة المسلمين لدينهم ورغبتهم في التمسك به وتطبيق تعاليمه بعد أن منعوا من ذلك ردحا من الزمن تحت الحكم السوفياتي البائد.

وهو ما يجعلهم تواقين لتطبيق الإسلام في جميع شؤون حياتهم ومنها معاملاتهم المالية، وبالتالي فهم أحوج ما يكونون اليوم لوجود المؤسسات المالية الإسلامية بجميع أنواعها المصرفية والاستثمارية والتأمينية التي تلبي حاجاتهم. حيث لا يوجد اليوم في روسيا سوى بنك واحد يقدم بعض الخدمات المالية الإسلامية وهو بنك (بدر فورت بانك) الذي نتج عن دمج وحدة بدر التي أسسها بنك فورت في عام 1997م لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنك نفسه، حيث يقدم البنك اليوم خدمة التمويل العقاري المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية للمسلمين الراغبين في ذلك. أما في مجال التأمين التعاوني الإسلامي فقد كانت هناك محاولة من قبل شركة روسيا وتتارستان للتأمين لإنشاء شركة تكافل إسلامية، حيث وقعت الشركة في عام 2004م اتفاقا مع شركة دبي الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين (أمان) اتفاقية لدراسة إمكانية الدخول في شراكة بينهما لإقامة شركة للتكافل في روسيا ولكن هذا الاتفاق أنهي في عام 2005م ولم ترَ شركة التكافل الإسلامية النور بعد.

لا شك أن السوق الروسي يعتبر بالنسبة للصيرفة الإسلامية أحد أهم الأسواق لوجود كتلة بشرية إسلامية كثيفة متعطشة لتطبيق الإسلام كما أسلفنا، إضافة إلى تمتعه بنسبة نمو تزيد على 6 في المائة سنويا، كما أنه يتمتع بموارد طبيعية هائلة من النفط والغاز. وقد جاءت الأزمة المالية العالمية لتفتح هذا السوق أمامها أسوة ببقية الأسواق العالمية الأخرى، حيث دعا النائب الأول لرئيس مجلس الاتحاد الروسي الكسندر تورشين إلى إقامة علاقات فعالة مع منظومة المصرفية الإسلامية حتى يتسنى لروسيا الوصول إلى الموارد الإسلامية طويلة الأجل. كما لم يستبعد تعديل قانون المصرف المركزي الروسي، ليتسنى فتح مصارف إسلامية في روسيا رغم اعترافه بتباين عملها مع عمل النظام المصرفي الروسي في العديد من النقاط. كما أن الشركات المالية الروسية الكبرى تسعى للاستفادة من السيولة المالية المتوفرة لدى صناعة المال الإسلامية نتيجة لشح السيولة التي يعاني منها النظام المالي العالمي.

ومن هنا نجد أن شركة (ف.ت.ب. كابيتال) التي تعتبر من أكبر الشركات المالية في روسيا تسعى لإدخال الخدمات المالية الإسلامية في منظومة أعمالها عبر التعاون مع بيت إدارة السيولة التابع لبيت التمويل الكويتي حيث وقعت معه مذكرة تفاهم بهذا الشأن. ومن هنا أيضا فإنني أدعو البنك الإسلامي للتنمية والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لاغتنام هذه الفرصة السانحة وذلك بدعوة رؤساء المؤسسات المالية الإسلامية الكبرى للاجتماع لوضع استراتيجية موحدة لاستغلال هذه الفرصة وأمثالها والتي لن تتكرر.

وأمام هذه الصناعة الاستغلال الأمثل الذي يخدم الصناعة ككل وعدم ترك الأمر للاجتهادات الفردية لكل مؤسسة على حدة، حيث أثبتت هذه الأزمة المالية افتقار الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية الكبرى للإمكانات والقدرات البشرية والمادية القادرة على وضع الاستراتيجيات بعيدة المدى والخطط البديلة والرؤى الطموحة الناتجة عن الدراسة المعمقة للأسواق للبحث عن الفرص لاقتناصها حالما تكون الفرصة مواتية لا أن تكون الفكرة بنت وقتها مما يستدعي الكثير من الوقت للعمل على التخطيط للاستفادة منها، وهو ما قد يفقد المؤسسة فرصة الاستفادة منها. والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية