أثر أزمة دبي المالية على الصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

وأخيرا ضربت موجات تسونامي الأزمة المالية العالمية ضفاف الخليج العربي والذي ظل لفترة تزيد على سنة بعيدا عن هذه الموجات، حتى ظن الكثيرون أن المنطقة خرجت من الأزمة دون خسائر تذكر. إلا أن العالم ودول الخليج من ضمنه استفاق يوم الأربعاء الماضي ومع إغلاق الأسواق في إمارة دبي على خبر طلب شركة دبي العالمية تأجيل دفع ديونها التي تستحق في ديسمبر (كانون الأول) المقبل والبالغة 3.5 مليار دولار لمدة ستة أشهر، وذلك في إطار إعادة هيكلة ديون الشركة البالغة حوالي 59 مليار دولار. وأدى ذلك إلى موجه من الهزات الارتدادية التي ضربت الأسواق المالية العالمية والتي كانت في طور التعافي من آثار الأزمة المالية العالمية. ونظرا لإغلاق الأسواق الخليجية هذه الأيام بمناسبة عيد الأضحى، فلم يتبين أثر هذا الإعلان عليها بعد. إلا أنه من المتوقع أن يكون له أثر بالغ حيث الارتباط الوثيق بين هذه الأسواق، إضافة إلى أن دبي هي أيقونة الخليج المالية والاقتصادية فقد كانت محجة المستثمرين الخليجيين إلى فترة قريبة، وذلك لما كانت تتمتع به من بيئة استثمارية جاذبة. حيث كانت الإمارة تدار بعقلية الشركة بعيدا عن تعقيدات البيروقراطية الحكومية المعقدة، فهي تضم الكثير من الاستثمارات الخليجية وبالتالي فسيكون لهذا القرار انعكاساته السلبية على هذه الاستثمارات. هذا من ناحية تأثير الأزمة المالية التي تمر بها دبي على الأسواق المالية العالمية والمحلية، إلا أنني أعتقد أن الأثر البالغ لهذه الأزمة سيكون على الصيرفة الإسلامية في المنطقة. حيث كانت دبي تسعى لأن تكون مركزا ماليا لصناعة الصيرفة الإسلامية وبوابة لها في الشرق الأوسط، فبفضل دبي استطاعت منطقة الخليج ولأول مرة في عام 2007م ميلادي التفوق على ماليزيا في حجم إصدارات الصكوك الإسلامية. كما أنها تسعى لجعل مركز دبي المالي مركزا لصناعة المال الإسلامي، فأطلق المركز في العام الماضي منتج أسهم دبي للذهب المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بالتعاون بين مجلس الذهب العالمي ومركز دبي للسلع المتعددة. كما أن مركز دبي المالي كان يخطط لتأسيس بورصة للسلع متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأطلق المركز سلسلة من مؤشرات الأسهم الإسلامية العالمية بالتعاون مع (أف تي أس أي) ومنصة إلكترونية لصناديق التحوط الإسلامية، كل ذلك في سبيل تحقيق هذا الهدف، وهو جعل دبي مركزا ماليا عالميا لصناعة الصيرفة الإسلامية. كما أن دبي تحتضن العديد من المؤسسات المالية الإسلامية، من أهمها بنك دبي الإسلامي وهو أول بنك إسلامي تجاري في العالم، وبنك نور الإسلامي، وبنك دبي الذي تحول من بنك تقليدي إلى إسلامي، والعديد من شركات التمويل الإسلامي والنوافذ الإسلامية في العديد من البنوك العالمية التقليدية مثل أمانة اتش أس بي سي وصادق التابع لستاندرد شارتر.

إلا أنني أعتقد أن سعيها هذا سيتأثر بشدة نتيجة للأزمة المالية التي تعاني منها اليوم والناتجة عن عجزها عن تسديد الديون المستحقة على الشركات المملوكة من قبلها مثل دبي العالمية وشركة نخيل، حيث إن هذا الإعلان هز مصداقية الإمارة المالية وأثار العديد من علامات الاستفهام حول المصداقية والشفافية التي تتمتع بها، نظرا لأن العديد من المستثمرين والدائنين كانوا يتلقون العديد من التطمينات طوال الأشهر الماضية من المسؤولين حول قدرة الإمارة وشركاتها على الوفاء بالتزاماتها. كما أن الإعلان عن إعادة الهيكلة لم يكن يحمل الكثير من التفاصيل مما جعل الكثير من الأسئلة دون إجابة. ولا شك أن كل هذه العوامل لن تساعد الإمارة على جعل نفسها مركزا ماليا عالميا، حيث إنها يجب أن تتمتع بمصداقية وشفافية عالية، إضافة إلى التصنيف الائتماني المقبول لها ولمؤسساتها والذي أعتقد أنه اليوم أبعد ما يكون عن الإمارة ما لم تعالج هذه المسألة بروية وحكمة تأخذ في الاعتبار مخاوف المستثمرين والدائنين. إضافة إلى أن الأزمة أظهرت مدى هشاشة النظام المالي والاقتصادي الذي تقوم عليه الإمارة القائم على الاستدانة المفرطة لتمويل المشاريع الحالمة والمفرطة في الفخامة دون النظر في الجدوى الاقتصادية لها وبالتالي فإن الإمارة مدعوة لترتيب أولوياتها.

وفي الختام فإن أخطر ما في أزمة دبي من وجهة نظري هو أن تكون مقدمة لأزمة مالية جديدة تتمثل في انفجار فقاعة الديون السيادية والتي إن وقعت فلن يعلم مداها إلا الله. والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية