خبراء يؤكدون صمود المصرفية الإسلامية أمام تداعيات أزمة «دبي»

أكدوا أن القطاع محصن تجاه الأزمات.. ومستقبل دبي في صناعة الشريعة المالية مرهون بقرارات الحكومة

يؤكد خبراء أن دبي أسهمت بشكل كبير في لعب دور في صناعة المصرفية الإسلامية خلال الفترة الماضية مما عزز وضع الصناعة في منطقة الخليج («الشرق الأوسط»)
TT

باتت الإنجازات التي حققتها مدينة دبي في المصرفية الإسلامية معرضة للانتكاسة والاهتزاز مع بلوغ أزمة شركة دبي العالمية ذروتها خلال الأيام الماضية، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على الصناعة المالية الإسلامية في الإمارات وتحديدا في دبي، بعد سلسلة النجاحات التي تحققت.

وقال متعاملون في قطاع المصرفية الإسلامية إن مستقبل المصرفية الإسلامية في دبي مرهون بالخطوات التي قد تتبعها حكومة دبي والكيانات المرتبطة فيها بموضوع سداد المبالغ المستحقة، في الوقت الذي شددوا فيه على أن الأزمة لن يكون لها تأثير كبير على صناعة المصرفية الإسلامية.

وكانت منطقة دول الخليج العربي قد شهدت خلال عشرة الأعوام الماضية نموا كبيرا في حجم الصناعة المالية الإسلامية، الأمر الذي جعلها محطّ أنظار كثير من المحللين والمستثمرين في هذا المجال.

وشهدت دبي خلال أعوام 2006 و2007 على وجه التحديد نموا كبيرا في حجم إصدار الصكوك حتى سحبت منطقة الخليج لأول مرة البساط من تحت أقدام الماليزيين في حجم إصدار الصكوك في عام 2007، ويعود الفضل في ذلك إلى دبي كمركز مالي متقدم في مجال المصرفية الإسلامية.

في الوقت الذي سعت فيه دبي خلال الأعوام القليلة الماضية لأن تكون مركزا ماليا لصناعة المصرفية الإسلامية في الشرق الأوسط، وكذلك سعيها لأن يكون مركز دبي المالي مركزا إسلاميا لصناعة المال، فضلا عن تخطيط المركز لتأسيس بورصة للسلع المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وما يعزز توجه دبي في الأعوام الماضية نحو المصرفية الإسلامية، هو ما تحتضنه من العديد من المؤسسات المالية الإسلامية، منها «بنك دبي الإسلامي» وهو من أوائل البنوك الإسلامية في العالم، وبنوك أخرى محلية وأجنبية، خلاف التحول من التقليدي إلى الإسلامي لبعض البنوك في الإمارات.

ويرى فيصل حجازي مدير تطوير الأعمال والتمويل في الشرق الأوسط في وكالة «موديز» (Moody›s)، أن طبيعة المستقبل بخصوص وجود دبي كسوق مالية في الخليج وسوق صيرفة إسلامية، يعتمد بشكل كبير على الخطوات القادمة من قِبل حكومة دبي والكيانات المرتبطة فيها بموضوع سداد المبالغ المستحقة (صكوك شركة «نخيل») في نصف الشهر الحالي، وهي الخطوة التي ستقوم على أساسها بسداد الديون أو إعادة جدولتها بطريقة تكون للمستثمرين مقبولة.

وأضاف حجازي أن كثيرا من المراقبين وخبراء المصرفية الإسلامية ينتظرون الخطوات التالية، خصوصا وأن في الأنباء تضاربا، وأن البعض يتكلم عن إمكانية تسديد في الموعد المحدد والبعض يتكلم عن التأجيل والبعض يتكلم عن إعادة هيكلة للديون.

وتابع أن الخطوة القادمة تعتمد على قوة تنفيذ القرارات التي نسمعها، وكل هذه الأشياء عوامل تؤثر في مصداقية دبي والإمارات بشكل عام لأن تكون مركزا ماليا، مبينا أنه سيكون هناك تأثير كبير على المصرفية الإسلامية على المدى القصير، لأنه لن يكون لدى المصدرين والمستثمرين نية في إصدار صكوك، أو الاستثمار في صكوك جديدة، قبل حل مشكلة الديون وإعادة الثقة في تمويل سندات أو ديون جديدة ومنها الصكوك.

وأضاف أنه على المدى القصير لا نتوقع أن يكون هناك توجه للاستثمار في المصرفية الإسلامية، لكن يمكن على المدى المتوسط خلال ستة أشهر أو اثني عشر شهرا ربما إذا كان هناك شعور إيجابي من قِبل المستثمرين وتم أخذ خطوات إيجابية تجعل المستثمرين تعاد إليهم الثقة، «ولست متفائلا على المدى القصير».

وقال مدير تطوير الأعمال والتمويل في الشرق الأوسط في وكالة «موديز» (Moody›s): «لا شك أن الإمارات خصوصا دبي وأبوظبي لديها شركات خاصة وحكومية كثيرة، وبالتالي سيكون لديها الاستعداد والنية لإصدار صكوك إسلامية على المدى المتوسط والبعيد، موضحا أنهم كوكالة تصنيف ائتماني لا يزالون يعتقدون أن التصنيف السيادي للإمارات لا يزال ممتازا جدا على «Aa2» حتى بعد إعلان دبي العالمية عن التوقف عن تسديد الديون الحالية وحتى المستثمرين لن يكون هناك تراجع كبير في الثقة إذا وُجد حل للمشكلة الحالية منطقي. ويرى حجازي أن هناك توجها كبير من عدة دول خليجية إلى التركيز على الصيرفة الإسلامية، ولا شك أن هذا الموضوع يحظى باهتمام كبير من هذه الدول لأنه محض اهتمام المصدرين والمستثمرين نحوه ويشهد نموا كبيرا.

وأضاف أنه من وجهة نظره الشخصية لا يظن اقتصار المصرفية الإسلامية على دولة ما، فحتى السعودية لديها توجه إلى احتضان المصرفية الإسلامية، وهناك في قطر الحكومة والكيانات المرتبطة بها لديها توجه لإصدار الصكوك في مجال قطاع الغاز والبنية التحتية، وأضاف: «في اعتقادي أن الصيرفة الإسلامية لديها الفرصة لأن تنمو في أكثر من دولة خليجية وعربية من خلال تركيز كل دولة على قطاع معين يتلاءم مع اقتصادها، ودبي خلال العامين الماضيين كان تركيزها في إصدار الصكوك على قطاع الخدمات والعقارات». من جهته أكد الدكتور أحمد السامرائي الخبير الاقتصادي في الإمارات، أن دبي إمارة إسلامية وبالأخير فإن الصيرفة الإسلامية في الفترة الأخيرة دخلت في قنوات استثمارية متطورة لم تأخذ الطابع التقليدي الإسلامي كما كان عند تأسيس «بنك دبي الإسلامي» قبل 30 سنة، وإنما هي تطور صناعة الاستثمار الإسلامي ودخول مصارف أجنبية في تسويق منتجات إسلامية بالتأكيد صار فيها تعرض لتداخلات مع ما حصل مؤخرا.

وقال السامرائي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أولا أن نفصل الإعلام عن الواقع كما يجري اليوم، فهو أكبر كثيرا مما هو تأثيره الفعلي، وما يُتداول يتحدث عن عدة مليارات وهذه لا شيء بالنسبة إلى منظومة المصرفية الإسلامية، وتأثير دبي على دول الخليج لا يتجاوز 20 في المائة، والمشكلة بشكل عام هي شركة واحدة فقط لا تستطيع تسديد ديونها، ولذلك لا أتوقع أن تأثير دبي وصل كل بورصات العالم».

وتابع السامرائي أن «الحملة الإعلامية على دبي مُبالَغ فيها؛ هل يُعقَل عندما تؤجّل تسديد مستحقاتها أن يهتز العالم؟ فدبي ليست ذات ثقل اقتصادي، بل هي مركز مالي، فدبي عملت بنية تحتية متطورة للمصرفية الإسلامية بشكل خاص والقطاع المصرفي بشكل عام».

وأوضح أنه لا شك أن الإعلام السلبي كان له تأثير كبير على دبي، وإن كان صحيحا ما تتداوله وسائل الإعلام فمعناه أن دبي وصلت إلى مركز مالي متقدم عالميا، مشيرا إلى أن هناك تأثيرا على الصناعة المالية الإسلامية ولكن بشكل محدود، وعملية أن تكون دبي مركزا ماليا، تقليديا أو إسلاميا، فأتوقع أن يتم ذلك بعد انتهاء هذه الأزمة لأن دبي عملت بنية تحتية متطورة تخدم القطاع المالي بشكل عام.