مصرفيون يطالبون البنوك المركزية بوضع معايير محاسبية وشرعية خاصة بنظيراتها الإسلامية

المصرفية الإسلامية تجني فوائد اقتصادية بتقليل مخاطر الشركات في ظل كساد الأسواق

TT

في الوقت الذي تحقق فيه سوق المصرفية الإسلامية عوائد أعلى للمستثمرين، مقارنة بالاستثمار في البنوك التقليدية، يرى خبراء ومصرفيون أن تطبيق المعايير الشرعية الخاصة بالمصرفية الإسلامية من شأنه تحقيق فائدة اقتصادية بتقليل المخاطرة العامة للشركات في حالات كساد السوق.

وجاءت رؤيا الخبراء الاقتصاديين في الوقت الذي تقلل فيه المصرفية الإسلامية من أعباء فوائد الديون، وبالتالي فإن ذلك يوفر للمنظمات استقرارا أعلى ونسب مخاطرة أقل مقارنة بالمنظمات التي تعمل في نفس الصناعات بأساليب تقليدية.

واستصعب الخبراء وجود هيئة شرعية موحدة رغم أهمية الفكرة، لأنها برأيهم تفتقد لإمكانية التطبيق العملي، مشيرين إلى أن الصناعة المالية الإسلامية ما زالت في مراحل النمو، وبالتالي فإن الاختلاف في التطبيق يسمح بأبحاث جديدة وإضافة منتجات أكثر حتى توافر بدائل مختلفة للمستثمر الإسلامي.

وأقر الاقتصاديون بأهمية إيجاد مرجعية شرعية تكون المرجع للتشريع وضبط المعايير المصرفية، حيث رأوا ضرورة وجود مرجعية عامة تضع ضوابط عامة للاستثمار المطابق للشريعة، وتترك حرية وضع طرق التطبيق لمرجعيات كل دولة على حدة، وتتولى هذه المرجعية نشر الوعي العام لدى المنظمات والشركات لاتباع هذه القواعد لتقليل المخاطر وزيادة إقبال رأس المال الإسلامي عليها.

وأوضح الخبير المصرفي محمد دنيا الرئيس التنفيذي لشركة «آيديل ريتنقس» لتسويق المنتجات والأسهم الإسلامية في الولايات المتحدة، أن حركة السوق في السنوات الأخيرة أثبتت تحقيق عائد أعلى للمستثمرين في المجالات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مقارنة بالاستثمار في مجالات تقليدية محرمة.

وبالنظر إلى هذه المعايير الشرعية، يرى دنيا أنها تحقق فائدة اقتصادية بجانب فائدتها الدينية، فازدياد نسبة المشاركة الاستثمارية في الشركات عوضا عن الاعتماد على الديون التقليدية، يقلل المخاطرة العامة لهذه الشركات في حالات كساد السوق، وبالتالي فإن تطبيق الأطر الشرعية يوفر للمنظمات استقرارا أعلى ونسب مخاطرة أقل مقارنة بالمنظمات التي تعمل في نفس الصناعات بأساليب تقليدية.

وفيما يتعلق بمدى إمكانية تأسيس هيئة شرعية متخصصة لضبط حركة صناعة المصرفية الإسلامية، مع إمكانية الاستفادة منها من قبل المنظمات الدولية، قال دنيا «إن وجود هيئة شرعية موحدة رغم أهمية الفكرة، تفتقد لإمكانية التطبيق العملي»، مشيرا إلى أن الإسلام دين يسر لا عسر. ومن جانب آخر، بيّن دنيا أن الصناعة المالية الإسلامية ما زالت في مراحل النمو وبالتالي فإن الاختلاف في التطبيق يسمح بأبحاث جديدة وإضافة منتجات أكثر حتى توفر بدائل مختلفة للمستثمر الإسلامي.

وبحسب الخبراء فإن محاولة الاستمرار في استعانة البنوك المركزية العربية والإسلامية بالمعايير المحاسبية المتعارف عليها في الاقتصاد الغربي كتطبيق، وبأي صيغة من الصيغ سيؤدي حتما إلى تعرض البنوك والمؤسسات والشركات المالية الإسلامية للخطر. وطالب الخبراء بالحد من تكوين لجان شرعية خاصة في كل بنك، بحجة أن ذلك يتيح ثغرة للضغط على المفتين، مقترحين أن يتم تكوين لجنة شرعية عالمية تكون مرجعية لكل الذين يتعاملون مع المنتجات الإسلامية، وأن يتم ذلك عن طريق بنك التنمية الإسلامي.

وجاءت مطالبات الخبراء من أجل حسم الفوضى التي تسببها الفتاوى المختلفة، ومن ثم تحقيق الهدف العام وهو توحيد المعايير المحاسبية والمصرفية الإسلامية، بحيث تكون المرجعية الإسلامية العالمية الوحيدة.

من جهته، قال الدكتور عبد الرحمن بن راشد العبد اللطيف مساعد ممثل السعودية لدى صندوق النقد الدولي السابق والمتخصص في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي: «إن المال إذا أصبح غاية في حد ذاته كما هو قائم في منظور النظام الرأسمالي الغربي، سيقود بالطبع إلى حالات من الظلم واختلال التوازن، وهو ما حصل ويحصل في عالم اليوم، حيث ساهم في نشوء الأزمة المالية العالمية». وفي هذا الصدد أشار العبد اللطيف إلى أن بعض المتخصصين قدّروا أن عمليات التوقعات تتأثر بما نسبته 97 في المائة من تدفق النقود بين بلدان العالم، بينما يبقى للتجارة العالمية فقط 3 في المائة، وهذا بلا شك أدى بدوره إلى ما يعانيه العالم من ضنك وبطالة وانخفاض مستوى العدالة الاجتماعية.

ومع كل ذلك يرى العبد اللطيف أنه من الصعوبة بمكان تطبيق المعايير المصرفية والمحاسبية الإسلامية في المنظمات الدولية ذات الصلة سواء في المرحلة الحالية أو القادمة، لأن ذلك يتطلب تغيير النظام المصرفي العالمي. ويرى العبد اللطيف أنه على مستوى العالم الإسلامي هناك مشكلة حقيقية وهي تعدد الفتاوى، مقترحا في نفس الوقت أن يتم تكوين لجنة شرعية واحدة تكون مرجعية لتأكيد إسلامية المنتج من عدمه. ويطالب العبد اللطيف بمنع تكوين كل بنك لجنة شرعية خاصة به، داعيا إلى تضافر الجهود في منظمة المؤتمر الإسلامي وأن تتبنى تكوين لجنة شرعية عالمية تكون مرجعية لكل الذين يتعاملون مع المنتجات الإسلامية.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة «رقابة للاستشارات» في بريطانيا، فيرى أنه عندما تطلق المعايير الإسلامية تشير إلى أربعة مجموعات من المعايير: الأولى هي المعايير المحاسبية، والثانية المعايير الشرعية، والثالثة المعايير الخاصة بالضبط الشرعي والحوكمة. وأكد أن تلك المعايير الثلاث تصدر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين وتضم في عضويتها البنوك الإسلامية. في حين يمثل المعيار الرابع في المصرفية الخاصة بالرقابة والإشراف وضبط الائتمان وهو المعيار الذي يصدر عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا، ويضم في عضويته البنوك المركزية في الدول الإسلامية التي فيها بنوك إسلامية. وأوضح مشعل أن الحديث عن أهمية تطبيق المعايير الإسلامية من قبل المنظمات الدولية؛ لا يقتصر على تطبيق تلك المنظمات المعايير على نفسها؛ بل الأهم من ذلك هو تطبيق تلك المعايير في المؤسسات والبنوك التي تستفيد من خدمات تلك المنظمات الدولية أو تخضع لإشرافها، ويعني ذلك توليد فرصة ثمينة وطريق أقصر لتعميم النمط الإسلامي في التعاملات. وأكد مشعل أن الجهد الذي تبذله منظمتا «AAIOFI» و«IFSD» يهدف إلى تعميم المعايير الإسلامية على مستوى المؤسسات الإشرافية والمؤسسات والبنوك الخاضعة لها أو المستفيدة من خدماتها، مشيرا إلى أن هذا الجهد المبذول في تطبيق المعايير في جميع مؤسسات النقد والبنوك المركزية والبنوك والمؤسسات الخاضعة لإشرافها يؤدي إلى إحداث نقلة نوعية وهامة في صناعة المصرفية الإسلامية، مبينا أن هذه النقلة تتمثل في أمرين: الأول النظر إلى المصرفية الإسلامية كنموذج متكامل له معاييره الخاصة. والثاني: إتاحة تسويق المصرفية الإسلامية كنموذج عالمي قابل للتطبيق، أو اقتباسه من قبل الراغبين في تطبيقه على مستوى الاقتصاد. وزاد مشعل بأن غياب المعايير الموحدة التي تحكم عمل المصرفية الإسلامية إنما يعني تنوع التطبيقات وعدم وجود رابط بينها وبالتالي ضعف التعريف بها للعالم ومن ثم ضعف تسويقها أو إمكانية اقتباسها من قبل الآخرين. ويعتقد أن اعتماد المعايير بصفة عامة والمعايير الشرعية بصفة خاصة وتعميمها للعمل من قبل السلطات الإشرافية كالبنوك المركزية ومؤسسات النقد وغيرها أو حتى من منظمات دولية معنية بهذا الأمر، يترك أثرا مهما على واقع الهيئات الشرعية الخاصة على مستوى المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.