من المستفيد من أزمة دبي المالية ؟

لاحم الناصر

TT

تناولت في الأسبوع الماضي أثر الأزمة المالية التي تمر بها دبي على سعي الإمارة إلى أن تكون مركزا ماليا للصيرفة الإسلامية وبوابة لها في الشرق الأوسط، وبينت أن أثر الأزمة على هذا السعي سيكون بالغا مما قد يؤخر بلوغها هذا الهدف ويسمح للمنافسين الذين كانوا ظنوا أنهم خارج المنافسة للعودة لحلبة السباق من جديد وتقديم أنفسهم كبدلاء للإمارة المكلومة ريثما تلتقط أنفاسها. فيا ترى من هم المنافسون؟ وهل يا ترى لديهم القدرة على المنافسة؟ أم أن الصناعة المالية الإسلامية ستضطر لانتظار دبي؟. والحقيقة أن المنافسة على انتزاع قصب السبق للاستحواذ على لقب مركز الصناعة المالية الإسلامية من دبي يقتصر على ثلاث عواصم هي المنامة والدوحة والرياض. فالمنامة كانت سابقة على دبي في مجال تشجيع صناعة الصيرفة الإسلامية وذلك باحتضان مؤسساتها المصرفية وسن القوانين والتشريعات لها والمساهمة في إنشاء المؤسسات الداعمة لها. إلا أن دبي استطاعت في فترة قصيرة التغلب عليها بما كانت تملك من طموح وقدرة على المخاطرة وانفتاح على الأسواق، فيما كانت المنامة أقل في هذا الجانب فهي تميل للتروي في خطوتها وتقليدية في أسلوب عملها، فهي أقل انفتاحا من دبي. كما أن حجمها السوقي صغير مما جعلها تعتمد كثيرا على الأسواق الخليجية المجاورة. كل هذه العوامل قد أخرجتها من المنافسة على أن تصبح مركزا للصناعة المالية الإسلامية. أما الدوحة ومع سعيها الدؤوب لأن تنافس دبي في هذا الجانب قبل الأزمة فلا شك أن الأزمة سهلت عليها الكثير لتحقيق رغبتها كما يظن الكثيرون، ولكن يا ترى هل هي مؤهلة لذلك؟. الحقيقة أن الدوحة من وجهة نظري غير مؤهلة لذلك وذلك لافتقارها للبنية التحتية لهذه الصناعة والتي أهلت دبي للتواجد على خريطة المراكز العالمية لصناعة المال الإسلامي. كما أنها تعاني من المشكلات نفسها التي تعاني منها دبي والتي تتمثل في المشكلات الديموغرافية حيث تعاني من قلة السكان وتعاني من النمو المفرط والناتج عن عوامل غير مستدامة إضافة إلى ضعف البيئة القانونية والتشريعية. إذاً لم يبق إلا الرياض، فيا ترى هل هي مؤهلة للمنافسة؟ في اعتقادي أن الرياض ليست مؤهلة للمنافسة فحسب بل هي قادرة على حسمها متى ما أرادت ذلك فهي في الحقيقة الشريان الذي يمد العالم وليس دول الخليج فحسب بالمال الإسلامي، وهي البيئة المثالية لنمو هذه الصناعة، ويكفي للدلالة على ذلك احتلالها المرتبة الثانية في العالم من حيث حجم الأصول المدارة وفق أحكام الشريعة الإسلامية، حيث بلغت هذه الأصول حوالي 92 مليار دولار. كما أن جل المستثمرين فيها يرغبون في التعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية وفقا لآخر الدراسات، مع تمتعها باقتصاد قوي ومتنوع وتصنيف ائتماني عال، إضافة إلى وجود ثروة بشرية كفؤة ومؤهلة ضاربة بجذورها. إلا أن ما يحول بينها وبين حسم هذه المنافسة غير المتكافئة هو عدم رغبتها في ذلك، حيث تميل القيادة المالية فيها إلى ترك الأمر لقوى السوق دون سعي منها أو توجيه أو تبنٍّ للصناعة المالية الإسلامية. وبالتالي فإنني أرى أنه حان الوقت ليرى قادة الصناعة المالية الحقيقة، وهي أن الرياض أصبحت لاعبا مهما في صناعة المال الإسلامي شئنا أم أبينا، ومن ثم فيجب استغلال ذلك في السعي لوضع الرياض على خارطة المراكز المالية العالمية لصناعة المال الإسلامي وذلك بتوفير البنى التحتية اللازمة لهذه الصناعة وتنظيمها عبر سن القوانين المناسبة لها ووضع اللوائح الرقابية التي تتلاءم مع خصوصيتها وفتح الأسواق أمام المؤسسات المالية الإسلامية الراغبة في العمل في أسواقها. إن نمو هذه الصناعة دون وجود قوانين وتشريعات ولوائح تنظمها يهدد النظام المصرفي برمته نظرا لاختلاف طبيعة المخاطر التي تتعرض لها هذه الصناعة عن صناعة الصيرفة التقليدية والتي لا تستطيع القوانين ولا الأنظمة الحالية قياسها وإدارتها الإدارة الكفؤة. كما أن عدم وجود هذه القوانين والأنظمة يحول بين الرياض والاستفادة القصوى من هذه الصناعة في إبرازها كمركز من مراكز الصناعة المالية الإسلامية وهو ما سنحتاجه في الأيام القادمة للمنافسة على اجتذاب السيولة وتوظيفها التوظيف الأمثل في الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل للدولة. فهل يا ترى تنتظر صناعة الصيرفة الإسلامية دبي أم تقود الرياض القاطرة؟ آمل أن يرى قادة صناعة المال في الرياض ما أراه وما يراه العالم من منافع كونك مركزا ماليا لصناعة المال الإسلامي. والله الموفق.

* مستشار المصرفية الإسلامية