اقتصاديون: الصكوك بحاجة إلى إصدارات أولية ضخمة لتشكيل السوق الثانوية

54 صفقة بـ6 ملايين دولار في عام 2009

مشاريع البنى التحتية بحاجة إلى إصدارات صكوك إسلامية لتمويل توسعاتها («الشرق الأوسط»)
TT

خالفت السوق المالية السعودية لتداول الصكوك والسندات توقعات المراقبين والمهتمين بالمصرفية الإسلامية بعد أن كانت تعلق الآمال بأن تسجل طفرة مالية جديدة، إذ كشفت البيانات الحديثة عن ضعف في تنفيذ الصفقات وانخفاض في كمية المتداول.

وتداول المستثمرون في سوق الصكوك السعودية حتى الآن 30.2 صك لم تتجاوز قيمتها الإجمالية 30.2 مليون ريال (6 ملايين دولار) نفذت عبر 54 صفقة فقط طوال 6 أشهر (180 يوما) هي عمر السوق حتى الآن.

وكانت هيئة السوق المالية أعلنت في يونيو (حزيران) من العام المنصرم 2009 انطلاق السوق المالية لتداول الصكوك والسندات، مدشنة رابطا جديدا على موقع شركة السوق المالية «تداول»، وهو النظام الآلي لتداول الأسهم وكذلك الصكوك والسندات.

ووفقا للبيانات المتوافرة على موقع «تداول»، اتسمت تداولات الصكوك بضعف ملموس، حيث دائما ما تصوم عن تنفيذ الصفقات ثم تفطر على تنفيذ صفقة واحدة أو اثنتين على الأكثر، بينما لم تتجاوز أعلى معدل تنفيذ 14 صفقة جاءت لمرة واحدة.

وتوجد في السوق المالية لتداول الصكوك والسندات في السعودية حتى الآن 5 إصدارات تعود إلى شركتين من أكبر الشركات المدرجة في سوق الأسهم المحلية وتعتبر ركائز في قطاعاتها، وهي الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» ولها 3 إصدارات، مقابل إصدارين للشركة الكهرباء السعودية، المزود الوحيد لخدمة الكهرباء في المملكة.

وكانت هيئة السوق المالية قد دعت في أكثر من مناسبة على لسان الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس مجلس إدارتها إلى أن تتجه الشركات والمنشآت في السعودية إلى إصدار الصكوك والاستفادة منها كأداة تمويل متاحة وناشئة في السوق المالية المحلية.

ويرى محللون اقتصاديون أن ضعف الإقبال على الصكوك قد يكون عائدا إلى إحجام البنوك المحلية عن التمويلات، أو إلى التشريعات القانونية التي تحتاج إلى مرونة أكثر لتشجع على مزيد من الإصدارات. كما أن قلة الوعي الاستثماري في سوق الصكوك قد يكون أحد أسباب قلة الإقبال على المنتج، بالإضافة إلى أن الدور يجب أن يكون على الحكومات من خلال طرح مزيد من الإصدارات عبر مؤسساتها وشركاتها القائمة أو تشجيع الإصدار من خلال تعديل التشريعات.

ويقول الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين إن ضعف حجم الصفقات في سوق الصكوك والسندات يعود إلى تدني الثقافة الاستثمارية لدى المستثمرين المحليين التي لم تصل بعد إلى مستوى النضج في ما يتعلق بأسواق الصكوك والسندات. ويضيف: «يجب أن نعترف بأن التوقعات كانت متدنية جدا في ما يتعلق بالسوق الثانوية (التداول)، على العكس من السوق الأولية التي أثبتت قدرة فائقة في تغطية الصكوك والسندات بأحجام كبيرة، فالسوق الوليدة لا يمكنها جذب المستثمرين بهذه السرعة، وتحتاج إلى وقت أطول».

ويوضح البوعينين أن «الأمر حدث في سوق الأسهم أيضا، فالتداولات كانت ضعيفة جدا مع بداية انطلاقة التداولات الإلكترونية، وعدد محافظ المستثمرين كانت محدودة، ثم مع مرور الوقت وانتشار الثقافة الاستثمارية تضاعفت محافظ المستثمرين بشكل لافت واستمرت في النمو حتى استقرت وأصبحت على علاقة مباشرة بأداء السوق. كما أن الأمر نفسه سيحدث في سوق الصكوك والسندات، ونعتقد أن السوق تحتاج إلى عامين قادمين على الأقل لتجذب أنواعا مختلفة من المستثمرين. وينبغي هنا التركيز على زيادة معدلات الوعي الاستثماري من خلال الإعلام، خصوصا النشرات الاقتصادية المتخصصة».

ويعتقد أن السوق الأولية باتت متقدمة جدا ومطمئنة، إلا أن السوق الثانوية (التداول) ما زالت محدودة جدا وفي حاجة إلى تنشيط، وهو أمر يمكن التعامل معه وفق استراتيجيات خاصة.

ويرى الاقتصادي البوعينين أن «التشريعات تعتبر مثالية في الوقت الحالي في السوقين الأولية والثانوية، بل إن إصدار الصكوك في الوقت الحالي بات أكثر سهولة وفق الأنظمة الحديثة، أما التداول في السوق الثانوية فهو متاح إلكترونيا، ولا أعتقد أن هناك طريقة أسهل من ذلك، وإن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ليكتشف المستثمرون إيجابية سوق الصكوك ومقدرتها على خلق العوائد المجزية، إضافة إلى الأرباح الرأسمالية في حال تغير الأسعار في السوق، كما أن سوق الصكوك السعودية لا يمكن أن تقوم وتتطور دون أن تكون هناك إصدارات أولية ضخمة يمكن أن تتشكل منها السوق الثانوية للصكوك، المفتتحة حديثا».

تتحدث بعض الهيئات المالية الدولية عن أهمية الصكوك السيادية في دعم سوق الصكوك السعودية. وتشكل ضخامة الإصدارات عاملا مهما، ومن هنا فإن فضل البوعينين من وجهة نظره الخاصة يعتقد أن ضخامة إصدارات الشركات السعودية كـ«سابك» و«الكهرباء» والبنوك يمكن أن تعوض جانبا مهما من الصكوك السيادية المستبعد إصدارها في الوقت الحالي بسبب الوفرة المالية المتاحة. كما أنه لا يمكن النظر إلى هذه الإصدارات الضخمة على أنها أداة تمويلية تحقق أهداف الجهة المصدرة لها، دون النظر إلى ما تحققه الصكوك من منفعة للمستثمرين الذين يبحثون عن أدوات استثمارية متدنية المخاطر، أو عن دورها في تحريك الودائع المالية الجامدة ودفعها نحو قطاعات الإنتاج، أو في مساهمتها في رفع إنتاجية السوق المالية وزيادة كفاءتها بما يساعد في دعم الاقتصاد الكلي.

وفي العام الجاري رغم التفاؤل فإن البوعينين يرى أنه قد لا يكون هناك تغيير كبير في عام 2010 في ما يتعلق بسوق الصكوك والسندات الثانوية (سوق التداول)، «وإن كنت أعتقد بإمكانية زيادة معدلات تداول الصكوك تدريجيا، إلا أنها لن تصل إلى المستوى المطلوب. لكن تدخل الشركات الاستثمارية والصناديق في شراء الصكوك كأوعية استثمارية مرادفة لاستثماراتها الأخرى يمكن أن ينشط حركة التداول ويزيد من ثقافة السوق ويلفت أنظار صغار المستثمرين إلى سوق الصكوك والسندات».

ويضيف: «سوق التداول تحتاج إلى تنشيط من قبل الشركات والصناديق، وربما الصناديق الحكومية ذات السيولة الضخمة لإحيائها وتنشيطها ودفعها نحو الواجهة لتحقيق الهدف من إنشائها».

أما في ما يتعلق بسوق الإصدار فيرى الاقتصادي البوعينين أن حجم الإصدارات سيزيد بشكل لافت، وربما وفرت سوق الصكوك والسندات الكثير من حاجة الشركات السعودية للسيولة كبديل للبنوك التي لا تستطيع مواجهة الطلب المتنامي على الائتمان بحجمه الضخم. كما أن السوق تتمتع بسيولة كبيرة تحتاج إلى توجيه نحو قطاعات الإنتاج من خلال تنظيمها وضخها في سوق الصكوك الأولية لتحقيق هدفي الاستثمار وتنمية الاقتصاد الوطني.

من جانبه يرى ظافر القحطاني نائب الرئيس التنفيذي في الشركة الخليجية «إنفست»، أن ضعف الإقبال على السوق عائد إلى الظروف الاقتصادية الحالية، وإفرازات الأزمة العالمية، خصوصا أن البنوك شهدت تقشفا كبيرا في التمويل مما أضعف الإقبال على السوق.

وأضاف القحطاني أن بعض الشركات اتجهت إلى خارج السعودية لإصدار صكوك، ما يعني بالضرورة إعادة النظر في التشريعات الخاصة بالسوق لطرح مزيد من الإصدارات، خصوصا مع مشاريع البنى التحتية التي تشهدها السعودية وبقية دول الخليج العربي.

وبيّن القحطاني أن عام 2009 يعتبر العام الأسوأ الذي يمر على الاقتصاد بشكل عام، وأنهم متفائلون في تحسن إيجابي للسوق خلال العام الجاري، وأنهم لا يزالون ينتظرون طرح مزيد من إصدارات الصكوك الإسلامية، خصوصا أن ميزانيات المنطقة كلها تبشر بخير.

ويرى القحطاني أنه يجب إعادة النظر في بعض التشريعات لإنعاش السوق، خصوصا أن الإصدارات لا تزال محصورة في شركات كبيرة وعملاقة كـ«سابك» و«السعودية للكهرباء»، موضحا أن السوق بحاجة إلى إصدارات من شركات عائلية وغيرها، خصوصا أن هناك طلبات كثيرة على الصكوك الإسلامية.

كما ركز القحطاني على الدور الذي تلعبه الحكومات في مثل هذه الحالات، وأن الحكومة يجب أن تبادر في إصدارات كبيرة، خصوصا مع الحركة التنموية الكبيرة التي تشهدها البلاد في الأعوام الخمسة الماضية، مشيرا إلى أن هناك دولا تعتمد في إصدارات الصكوك على حكوماتها مثل دولة ماليزيا.

وشدد نائب الرئيس التنفيذي في «إنفست» على عدم الخلط بين الأزمة التي مرت بها صكوك دبي ومنتج الصكوك الإسلامية، مؤكدا أن الصكوك هي إحدى الأدوات الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ولها مستقبل واعد مع العوائد التي يجنيها المستثمرون منها.

وتمنى القحطاني أن تدخل الجهات الحكومية في مشاريع إصدار الصكوك، معتبرا أن مؤسسة النقد السعودي أو هيئة السوق المالية السعودية هي القادرة على دراسة أي طلبات للشركات لإصدارات صكوك.