خبراء: المصرفية الإسلامية حققت الكثير في 2009 رغم بعض الأخطاء الشرعية

أبرزها التوجه العالمي نحو تطبيق الصناعة في الدول الأوروبية

TT

أكد خبراء مصرفيون سعوديون أن تجربة 2009 للمصرفية الإسلامية كانت تعادل مسيرة الثلاثين عاما الماضية، من ناحية الإقبال على عمليات المصرفية الإسلامية المختلفة والمتنوعة.

وأشار الخبراء إلى زيادة الإقبال على المصرفية الإسلامية أكثر من الأعوام التي سبقتها، مستندين في ذلك إلى بعض الدراسات المنشورة التي أظهرت نموا في الصناعة إلى نحو 30 في المائة عن العام الذي قبله، بالرغم من الأزمة العالمية.

وفي الوقت نفسه أقرّوا بأن عقود التمويل الإسلامي لم تسلم من سهام الأزمة المالية العالمية والانتقادات الشرعية بل وتحريم بعض منها، بالإضافة إلى ما تعرضت له من تحديات كبيرة.

وأخذ خبراء المصرفية الإسلامية على بعض البنوك التي تتعامل مع المصرفية الإسلامية دخولها في بعض المخالفات الشرعية فيما يتعلق بالتورق والتصكيك التي كان يتم تداولها خلال عام 2009، موضحين أنها لم تكن تنطبق عليها الشروط الشرعية الواجب توافرها فيها، خاصة مع الشكوك حول صورية العقود التي تبرمها البنوك.

ويرى فضل البوعينين الخبير المصرفي أن عام 2009 كان مميزا للمصرفية الإسلامية، خاصة بعد تجاوز المصارف الإسلامية الأزمة الاقتصادية العالمية بأضرار بسيطة لا تقارن بالتداعيات الحادة التي ضربت القطاع المصرفي التقليدي كما هو الحال عليه في كثير من أنحاء بلاد العالم المختلفة.

وقال البوعينين إن المصارف الإسلامية أصبحت في نظر الغرب في العام الماضي ملاذا آمنا للاستثمارات والودائع من الأخطار المتنوعة التي تحيط بالمصارف التقليدية، موضحا أن ذلك حدا بالقائمين على المصارف التقليدية إلى المطالبة علنا بتطبيق المصرفية الإسلامية في بعض الدول الغربية كفرنسا وبريطانيا وأستراليا، إضافة إلى اليابان.

وأشار البوعينين إلى أن بعض الدول الغربية أخذت تدرس دمج المصرفية الإسلامية بالصيرفة التقليدية، مؤكدا أن هذا أمر ما كان ليحدث لولا أداء المصارف الإسلامية اللافت منذ الأزمة الاقتصادية العالمية وحتى اليوم.

وبرأي البوعينين فإن أحكام الشريعة الإسلامية الصارمة في العقود المطبقة في المصارف الإسلامية تجنب المصارف الكثير من المخاطر، مؤكدا أن ذلك ما حدث بالفعل وأثبتته الأزمة الاقتصادية العالمية. وأكد البوعينين أن الطلب على المنتجات الإسلامية حقق نموا كبيرا عام 2009، وشكلت الصكوك الإسلامية مصدرا مهما من مصادر التمويل، ويُعتقد أن يكون المصدر الرئيس قريبا خاصة مع افتتاح سوق الصكوك والسندات السعودية. ويعتقد البوعينين أن افتتاح السوق السعودية وأزمة دبي، ساعدا في زيادة الاستثمارات الإسلامية في السوق السعودية المرشحة لتكون السوق الأهم في المنطقة في قطاع التمويل والاستثمار الإسلامي، تدعمها مصارف إسلامية قوية أثبتت قدرتها على التعامل بكفاءة مع تداعيات عام 2009 الحادة.

وفي ظل هذه الظروف، يرى البوعينين أن المصرفية الإسلامية واجهت العديد من التحديات، أولها الحاجة ماسة إلى تطوير إدارة المخاطر والابتكار، وزيادة منتجاتها المتوافقة مع متطلبات الشريعة بما يرضي المستثمرين باختلاف توجهاتهم، والبحث عن فرص جديدة والدخول إلى الأسواق العالمية لضمان الانتشار وزيادة رقعة الصيرفة الإسلامية، إضافة إلى ذلك فالمصارف الإسلامية مطالبة بتجاوز كل ما يثار حول منتجاتها من شبهات قد تؤثر سلبا على مستقبلها. وأضاف البوعينين إلى ما سبق ذكره، أنه كذلك من التحديات التي واجهت المصرفية الإسلامية محدودية القنوات التي كان بإمكانها تمكين المصرفية الإسلامية من استثمار فوائضها المالية بكفاءة.

كما أوضح البوعينين أن عوامل أخرى جابهت المصرفية الإسلامية منها نقص الكفاءات البشرية، والتشريعات خاصة فيما يتعلق بالصكوك الإسلامية يمكن أن تكون من المعوقات المؤثرة في صناعة المصرفية الإسلامية، وتضارب الفتوى، وعدم وجود هيئة مركزية متخصصة في فتاوى المصرفية الإسلامية يمكن أن تكون المرجعية الأولى في قضايا الصيرفة الإسلامية، بجانب ندرة علماء الشريعة المختصين في المصرفية الإسلامية، وقلة الهيئات الشرعية وعدم وجود هيئات رقابية قادرة على متابعة العمل المصرفي اليومي للتأكد من حسن تطبيق المصارف مضامين الفتاوى الشرعية، وسلامة العقود، ومتابعة التجار والتأكد من سلامة تنفيذ عقود البيع يؤثر سلبا في تطور المصرفية الإسلامية في المنطقة.

واتفق الخبير المصرفي مسفر آل دحيم مع كل ما ورد على لسان البوعينين، مؤكدا أن عام 2009 انقضى وحقق الكثير من النجاحات للمصرفية الإسلامية بامتياز.

وقال آل دحيم إن تجربة 2009 كانت تعادل مسيرة 30 عاما الماضية من ناحية الإقبال على العمليات المصرفية الإسلامية، مشيرا إلى دراسات نشرت أخيرا أوضحت أن المصرفية الإسلامية زادت في العام الماضي بنحو 30 في المائة، في مسار مخالف للائتمان التقليدي الذي عصف به إعصار الأزمة المالية العالمية، فيما تم وضع أساسيات المصرفية الإسلامية تحت المجهر العالمي.

ولكن مع ذلك أقرّ آل دحيم أن عقود التمويل الإسلامي لم تسلم كذلك من سهام الأزمة المالية العالمية والانتقادات الشرعية بل وتحريم بعض منها. وأوضح أن هناك نوعين من عقود التمويل الإسلامي تعرضا للاختبار والتمحيص من نواح شرعية واقتصادية بل وحتى قانونية، منها عقد التورق المنظم. واستطرد أنه تم تحريم عقود التورق المنظم الذي تقوم المؤسسات المالية الإسلامية، وكذلك النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية والذي تتجاوز نسبته 80 في المائة من مجمل العمل المصرفي الإسلامي حسب بعض الإحصائيات. وشخص الخبير المصرفي واقع الصكوك الإسلامية التي واجهت في عام 2009 مصاعب عدة، منها مدى شرعية عقود الصكوك، والهيكلة القانونية للصكوك.

وأكد أن العام المنصرم شهد عدة انهيارات لإفلاسات لصكوك مثل شركة «إيست كاميرون» للتنقيب عن البترول في الولايات المتحدة إلا أن قاضي الإفلاس الأميركي رفض تقديم حملة الصكوك على حملة السندات كما رفض تحكيم الشريعة فيما يخص الصكوك وما زالت القضية منظورة في محكمة الإفلاس الأميركية.

كما شهد أواخر العام نفسه بحسب ما يعتقد آل دحيم أزمة مالية واجهت صكوك «نخيل» في دبي، وأثرت بشدة على شركة «دبي العالمية» الضامن لصكوك «نخيل». وبرأيه أن المشكلة التي أظهرت شكوكا تتمثل في شرعية من يملك الأصول، مفترضا أن من يملك الأصول أن يكونوا هم حملة الصكوك التي قاموا بتأجيرها لشركة «نخيل» التابعة لشركة «دبي العالمية» المملوكة لحكومة دبي، مستدركا أن القانون الإماراتي لا يسمح بتملك الأجانب لأراض حكومية.

أما المحلل المالي عبد الرحمن بخيت العطا فأكد على كثير مما ورد على لسان كل من البوعينين وآل دحيم، مضيفا أن 2009 شهد نوعا من التلاعب والتحايل في التعاطي مع المصرفية الإسلامية ومنتجاتها.

وأفاد العطا أن هناك بعض المصارف الإسلامية ترتكب بعض الأخطاء الشرعية في بعض منتجاتها، مشيرا إلى ما حدث في عملية التصكيك لدى العديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية تمارس ملكية غير حقيقية وإنما مجرد ملكية صورية ما يفرغ شرعية تلك الصكوك من حيث المبدأ. وأضاف العطا أن ما يدل على أن ما كان يمارس باسم الصكوك قد لا يكون صكوكا بالمعنى الشرعي، ذلك لأن عدد كبار المشايخ الشرعيين المعروفين أكدوا أن كثيرا من الصكوك التي كان يتم تداولها لا تنطبق عليها الشروط الشرعية الواجب توافرها فيها.

ومع كل ذلك يرى العطا أن ما حصل للمصرفية الإسلامية في عام 2009 وبالأخص ما ذكر أعلاه لا يستدل منه على أن العام الماضي كان سيئا للمصرفية الإسلامية، بقدر ما هو «تمييز للخبيث من الطيب»، فصورية عقود التورق المنظم وهيكلة الصكوك غير الشرعية والقانونية التي حدثت، أثارت نقاشا شرعيا وقانونيا ستكون نتائجه إيجابية على المصرفية الإسلامية في النهاية. وعلاوة على ذلك، فإن العطا يؤكد على قول آل دحيم أن هناك أمورا إيجابية تحسب للمصرفية الإسلامية في عام 2009، منها التوجه العالمي لدراسة مبادئها والأسس التي تقوم عليها وخصوصا في خضم الأزمة العالمية التي ضربت الأسواق المالية، مشيرا إلى أن دولة علمانية مثل فرنسا، أخذت تدرس أسس التمويل الإسلامي لتعديل قوانينها المالية لتتواءم معه، وكذلك المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، الذي يدرس فرض قوانين ملزمة للتمويل الإسلامي والذي يرى العطا أنها ستكون الانطلاقة الحقيقية للمصرفية الإسلامية على نطاق عالمي.

وأضاف أن مجمل القول والإفادة أن عام 2009 كان نقطة قوية للمصرفية الإسلامية وذلك للمحطات الكثيرة التي مرت بها حتى ولو كانت سلبية، لأن ما سينتج من تلافيها في المرحلة المقبلة سيكون إيجابيا لهذه الصناعة.